“حرب غزة” وحرائقها الخلفية
ترتفع وتيرة العنف على هوامش حرب غزة، فهو يمهد لأهداف الباحثين عن تحقيق مكتسبات عبر أفعال تمنحهم أوراقا تفاوضية عندما يأتي أوان اليوم التالي.
والملاحظ أن مواسم العنف أصبحت تشكل مفاصل تصاعدية نوعية يمكن لتفاقمها أن يهدد بانفجار يصعب لجمه على أكثر من جبهة، وكأنها تزدهر في الظل، وتدفع قادة العالم دفعا إلى التورط بها، سواء رضوا بذلك أم لا. وهذا ما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال إصابته العمود الفقري لميليشيات إيران وأذرعها بنجاحه في تنفيذ عمليات اغتيال موجهة، بعيدا عن الجبهة.
وهذا ما فعلته تداعيات مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة عدد كبير إثر هجوم بطائرة مسيّرة على القوات المتمركزة في قاعدة قرب الحدود الأردنية – السورية. وهذا ما تفعله الضربات التي يوجهها الحوثيون إلى الملاحة البحرية.
وفي حين اتهم الرئيس الأميركي جو بايدن ميليشيات مدعومة من إيران بتنفيذ الهجوم، نفت الأخيرة ضلوعها في الهجوم، واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني أن “هذه الاتّهامات غرضها سياسي وتهدف إلى قلب الحقائق في المنطقة”، مكررا أن “جماعات المقاومة لا تأتمر بأوامر إيران وتُقرّر أفعالها بناءً على مبادئها الخاصّة”، على الرغم من أن هذه الجماعات تنفذ سياسة “وحدة الساحات” من دون أن تتجاوز القدر المطلوب.
وكأن عاملا ما غير ملموس يوحي بأن ثمة صمام أمان لهذه المواسم، تحرص إيران على ضبطه، بحيث يمنع تحولها إلى جبهات مفتوحة.. هذا ما تبرزه زيارة وزير الخارجية الإيراني عبد الأمير عبد اللهيان إلى باكستان، لرأب صدع العلاقات بين البلدين الجارين، التي تدهورت بعد تبادلهما الهجوم بالصواريخ والمسيرات على أهداف وصفتها بأنها “إرهابية”.
وأيضا ما يبرزه إصرار “حزب الله” على عدم الانجرار إلى حرب مفتوحة، فالدائرون في فلك الحزب يكررون أن أمينه العام حسن نصر الله ومنذ إعلانه “مشاغلة العدو الصهيوني دعما لغزة”، أكد أن “المقاومة لن تعمل وفق جدول أعمال العدو، وأي عملية كبيرة، برية كانت أو جوية أو خلافها، فإن الرد عليها لن يكون وفق القواعد القائمة الآن”، على الرغم من ارتفاع وتيرة التهديدات عبر سيناريوهات تعكس رغبة نتنياهو في توسيع نطاق عملياته على الحدود الشمالية وإرغام الحزب على الانسحاب من الشريط الحدودي وتنفيذ القرار 1701.
وكأن ما يحصل حتى الآن من حرائق خلفية على هامش الحرب في غزة مدروس على النقطة والفاصلة، بهدف توريط بايدن عشية دخوله معترك الانتخابات المقبلة، إن بفعل الهجوم على القاعدة الأميركية، أو بفعل استمرار الحوثيين في تهديداتهم بتوسيع نطاق هجماتهم على السفن في البحر الأحمر. وأيضا مع استمرار نتنياهو في العمليات العسكرية من دون توقف أو مراعاة لقواعد الاشتباك، فهو لم يقرر النزول عن شجرة الحرب، ويواصل إبادة المدنيين الفلسطينيين، على الرغم من عجزه عن تحقيق أهدافه.
فالواضح أن إيران لا تزال حتى المرحلة الراهنة من هذه الحرب تراهن على ضبط إيقاع الحرائق الخلفية التي توعز إلى ميليشياتها وأذرعها بشنها.
لكن هذا الرهان لم ولن يحميها وميليشياتها من الضربات، وقد يرغمها على دفع فواتير قد تطيح بما تسعى إليه من مكاسب، فهي وإن تمكنت من تسجيل نقاط في المرمى الأميركي، إلا أنها لا تستطيع توقع مفاعيل جنوح نتنياهو نحو إشعال المزيد من الحرائق الجانبية، فهو لا يملك ترف التوقف عن الاستشراس على كل الجبهات، حتى يتمكن من تحقيق ما يسمح له بتغيير قدره السياسي ما أن يحل اليوم التالي لحرب غزة..