حركة نزوح كبيرة من شمال سوريا جراء العدوان التركي
الأمم المتحدة: 70 ألف شخص نزحوا مؤخرا جراء تصاعد العنف في البلدات السورية الحدودية
دفع العدوان الذي تشنّه أنقرة ضدّ المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا آلاف السكان إلى النزوح الخميس، مع تقدّم القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، في حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ وساطة بلاده هي خيار مطروح للحل.
وكتب الرئيس الأميركي على تويتر “لدينا واحد من ثلاثة خيارات: إرسال آلاف القوّات وتحقيق نصر عسكري، توجيه ضربة ماليّة شديدة لتركيا وعبرَ (فرض) عقوبات، أو التوسّط لإيجاد اتّفاق بين تركيا والأكراد!”.
ولم يُقدّم ترامب مزيداً من التفاصيل بشأن الخيار الأخير، كما لم يُحدّد ما إذا كان الدبلوماسيون الأميركيون قد بدأوا بالفعل القيام بوساطة كهذه.
وأعلنت أنقرة ليل الأربعاء بدء هجومها ضد المقاتلين الأكراد، في خطوة جاءت بعد ما بدا أنه ضوء أخضر من ترامب الذي سحب جنوداً أميركيين من نقاط حدودية وتعرّض لانتقادات لتخليه عن الأكراد، شركاء واشنطن في دحر تنظيم الدولة الإسلامية.
وطالب الأعضاء الخمسة الأوروبيون في مجلس الأمن الدولي في بيان الخميس، “تركيا بوقف عملها العسكري الأحادي”، اثر اجتماع طارئ ومغلق في نيويورك، في وقت طلبت فرنسا الخميس عقد اجتماع طارئ للتحالف الدولي، في ظل تخوّف أوروبي من أن ينعش الهجوم التنظيم المتطرف.
وسيطرت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، على 11 قرية حدودية، معظمها قرب بلدة تل أبيض، وسط قصف مدفعي كثيف. كما شنت طائرات تركية غارات على المنطقة الممتدة بين تل أبيض ورأس العين.
وتوقّع محللون في وقت سابق أن يقتصر الهجوم التركي في مرحلة أولى على هذه المنطقة ذات الغالبية العربية والتي يبلغ طولها أكثر من مئة كيلومتر.
وأعلنت الأمم المتحدة الخميس أن 70 ألف شخص نزحوا مؤخرا جراء تصاعد العنف في البلدات السورية الحدودية باتجاه مدن الحسكة والرقة ومحيطهما.
وفي بلدة تل تمر، فرّ عشرات النازحين من رجال ونساء وأطفال يحملون في سياراتهم وفي شاحنات صغيرة أمتعتهم من ثياب وأدوات منزلية وحتى خزانات المياه.
وقال ريزان محمد (33 عاماً) أثناء فراره وعائلته من مدينة القامشلي التي يطاولها القصف المدفعي “البارحة كان يوماً مرعباً”، مضيفاً “نتوجه إلى الريف، لم نعد نشعر بالأمان”.
وشوهد على الطريق الدولي المؤدي إلى رأس العين حافلات محمّلة بمقاتلين من قوات سوريا الديموقراطية في طريقها إلى جبهات القتال.
وأحصى المرصد منذ الأربعاء مقتل عشرة مدنيين و29 عنصراً من قوات سوريا الديموقراطية جراء الهجوم.
في الجانب التركي، قتل ستة مدنيين، بينهم رضيع سوري وطفلة الخميس في قذائف اتهمت السلطات مقاتلين أكراد بإطلاقها.
وحذرت 14 منظمة إنسانية وإغاثية في بيان مشترك الخميس من حدوث أزمة إنسانية جديدة في شمال شرق سوريا.
وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قلقه البالغ إزاء تصاعد العنف، معتبراً أن “ما علينا القيام به في الوقت الراهن هو التأكد من نزع فتيل التصعيد”.
وتهدف أنقرة من العدوان، الذي ندّدت به دمشق وحليفتاها طهران وموسكو، إلى إقامة “منطقة آمنة” بعمق ثلاثين كيلومتراً، تبعد عنها المقاتلين الأكراد وتعيد إليها قسماً كبيراً من 3,6 سوري لجأوا إلى أراضيها.
وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل عام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت خلاله على منطقة عفرين الكردية.
وتُصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية “إرهابية”، وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.
بدأت العدوان التركي الأربعاء بعد يومين من سحب واشنطن بين 50 ومئة جندي من نقاط حدودية بقرار من ترامب، الذي تعرض لانتقادات واسعة ولاتّهامات بالتخلّي عن المقاتلين الأكراد الذين فقدوا وفق تقديراتهم 11 ألف مقاتل في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ودعا الأكراد المتمرسون بالقتال واشنطن إلى فرض حظر جوي من شأنه أن يساعدهم في التصدي للهجوم التركي.
وأبدت دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم على مواصلة المعركة ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية، ومن احتمال أن يُسهم في انتعاشه مجدداً مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا. ووجهت انتقادات لاذعة لإردوغان.
ونبّه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تركيا الخميس الى “خطر مساعدة داعش في إعادة بناء خلافته”.
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان التحالف الدولي الى عقد اجتماع ” لأننا نشهد وضعاً جديداً ولأن المعركة ضد داعش يمكن أن تُستأنف” معتبراً أن التنظيم “لا ينتظر سوى هذه الفرصة للخروج”.
لكن إردوغان قال الخميس “سنفعل ما هو ضروري مع المساجين من تنظيم الدولة الاسلامية (…) من يجب أن يبقوا في السجن سنبقيهم فيه، وسنرسل الآخرين إلى بلدانهم الأصلية، إذا قبلت هذه الأخيرة”.
وردّ على منتقدي الهجوم قائلاً “أيها الاتحاد الأوروبي، تذكر: أقولها مجددا، إذا حاولتم تقديم عمليتنا على أنها اجتياح، فسنفتح الأبواب ونرسل لكم 3,6 مليون مهاجر” سوري.
وأعلنت الإدارة الكردية الخميس أن القصف التركي الأربعاء طاول سجناً يقبع فيه مقاتلون أجانب من التنظيم في مدينة القامشلي، فيما ذكر المرصد أن القصف استهدف محيطه.
وتعتقل قوات سوريا الديموقراطية 12 ألف عنصر من التنظيم، وفق ما قال مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر . وبين هؤلاء 2500 إلى ثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة.
ويتوزع هؤلاء على سبعة سجون مكتظة موزعة على مدن وبلدات عدّة، بعضها عبارة عن أبنية غير مجهزة وتخضع لحراسة مشددة.
ورغم إصرارها على القتال، يرى محللون أن قوات سوريا الديموقراطية لن تتمكن من صد هجوم يمتد على مناطق حدودية واسعة خصوصاً في ظل قصف جوي يستهدفها.
ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس لفرانس برس “تركيا والفصائل السورية معها ستخرق دفاعات قوات سوريا الديموقراطية وتحدث ثغرة فيها”، لكن السؤال الأساسي بالنسبة إليه “يكمن في معرفة إلى أي مدى ستتقدم تركيا قبل أن توقفها الأطراف الدولية والإقليمية”.
واعتبرت طهران أن الحل يكمن في انتشار قوات النظام في هذه المنطقة، كما دعت روسيا إلى مفاوضات بين الأكراد ودمشق، الأمر الذي رحبت به الإدارة الكردية.