حزب المحافظين على مشارف هزيمة تاريخية في الانتخابات البريطانية
وسط مؤشرات كبيرة بسقوط تاريخي لحزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، يتوجه الناخبون البريطانيون، الخميس، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية التي تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العمال المعارض قد يحقق فوزاً كبيراً فيها، بما ينهي سيطرة حزب المحافظين على الحكم منذ 14 عاماً.
ورغم أن هذه الانتخابات لا تختلف كثيراً عن سابقاتها في الآلية والقوانين، إلا أنها كما يرى المراقبون، تتمايز بمتغيرات أفرزتها الظروف الداخلية والخارجية التي ترافقها.
والنتيجة وفق استطلاعات الرأي، محسومة لصالح حزب العمال. ولكن حجم انتصاره وحصص منافسيه في الاستحقاق من أحزاب ومستقلين، هو ما ينتظر أن تبوح به صناديق الاقتراع بعدما تغلق في تمام العاشرة ليلاً بالتوقيت المحلي في الرابع من يوليو 2024.
ومن بين ما يميز الانتخابات هذه المرة، أنها سجلت رقماً قياسياً في عدد المرشحين وصل إلى 4 آلاف و515 متقدماً، بواقع زيادة بنسبة 37% مقارنة بعام 2019.
ومصدر هذه الزيادة من الأحزاب والمستقلين على حد سواء، فهناك حزبان جديدان صغيران قررا خوض المنافسة على نطاق واسع إلى جانب الأحزاب التقليدية المكونة للبرلمان، وهما “ريفورم” اليميني الذي تقدم بأكثر من 600 مرشح وWorkers اليساري الذي دفع بنحو 200 في مناطق مختلفة.
ووفق مراقبين، قد لا تحمل هذه الانتخابات تغييرات كثيرة في معادلة الحزبين الرئيسيين، وربما لن تسجل الأحزاب الصغيرة أو المرشحون المستقلون اختراقات كبيرة في خارطة البرلمان الجديد.
ولكن ذلك لا يلغي حقيقة أن المزاج العام قبيل فتح صناديق الاقتراع، كان ملبداً ومضطرباً إلى حد كبير، فانعكس ذلك على استطلاعات الرأي التي تباينت أرقامها بالنسبة للنتائج ولكنها اتفقت على مشترك واحد، ألا وهو أن الشارع البريطاني يريد التغيير بشدة.
الفائز الأول
ولم يتوقع أي استطلاع للرأي سبق انتخابات 2024، استمرار حزب المحافظين الحاكم على رأس السلطة، إذ قالت جميعها إن ساكن “10 داونينج ستريت” وسط لندن بعد الرابع من يوليو سيكون زعيم حزب العمال كير ستارمر.
لكن هل يشكل هذا الأخير حكومة استناداً لأغلبية مطلقة لا يشق لها غبار في مجلس العموم وفق تقديرات تتوقع فوزه بأكثر من 500 مقعد؟ أم تصدق قراءات أخرى تعتقد أن ستارمر سيكون بحاجة إلى “ائتلاف حكومي”، يقود السلطة من خلاله بعد حصاد حزبه أقل من نصف إجمالي المقاعد البالغة 650 مقعداً؟
ولا يتوقع أستاذ الإعلام بجامعة “كامبردج” مكرم خوري مخول، أرقاماً كبيرة جداً للمعارضة العمالية في استحقاق 2024.
ويقول مخول، إن العمال سيقودون الدولة خلال السنوات الخمس المقبلة، ولكن ليس بأكثرية تشكل سابقة في تاريخهم، أو تؤدي إلى “انقراض” حزب المحافظين كما توقعت بعض استطلاعات الرأي، ذلك لأن التشتت الذي عاشه المجتمع البريطاني قبل استحقاق 2024، إنما يُنذر بتوزع الأصوات بين الأحزاب والمستقلين بنحوٍ أكبر مما جرى في الدورات السابقة ويصعب التنبؤ بنتائجه الأخيرة.
التصويت السلبي
أكثر استطلاعات الرأي تفاؤلاً بحزب العمال توقعت حصوله على أكثر من 500 مقعد، وأقلها تعتقد أن الحزب سيحتاج إلى التحالف مع حزب صغير حتى يجمع الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، وأياً كانت النتيجة فإنها ترجع إلى ما يعرف بـ”التصويت السلبي”، أو دعم الناخبين للمعارضة فقط من أجل التخلص من الحكومة بعد بقائها في السلطة لسنوات طويلة. لذا حذر خبير الانتخابات جون كيرتس “العمال” بالقول: ” إياكم أن تفترضوا أن هيمنتكم على مجلس العموم انعكاس لموقف الشارع والرأي العام على نطاق أوسع”.
تصريحات كيرتس أوردتها صحيفة “إندبندنت” التي نقلت أيضاً عن السياسي جوناثان باول، مدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، أنه لا يشعر بأي قلق من عدم حصول “العمال” على نسبة 40% من الأصوات، لكنه يعتقد أن رؤية ستارمر غير واضحة، لذا “سيفوز حزبه بتفويض سلبي في حين أنه يحتاج لتفويض إيجابي يستعين به عندما تتردى الأوضاع في السنوات المقبلة، وهذا أكيد”.
واستفاد “العمال” من أخطاء “المحافظين” منذ وصوله إلى السلطة، وخصوصاً بعد عام 2019 وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فتحمل الحزب الأزرق وزر المشكلات الاقتصادية التي جرها “بريكست” وكورونا وحرب أوكرانيا وغيرها.
كما تدهورت سمعته بعد فضائح “بارتي جيت” التي أخرجت رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون من السلطة وأصابت الحزب في مقتل، ثم تلت ذلك أخطاء عديدة وقع فيها نواب ووزراء للحزب وصولاً إلى “رهان الانتخابات” الذي يحاكم به موظفون في مكتب ريشي سوناك.
هزيمة تاريخية
وكما تتوقع استطلاعات الرأي نصراً تاريخياً للعمال، تتنبأ بهزيمة للمحافظين لم يعرفها منذ تأسيسه قبل 200 عام. حتى أن بعضها يقول إن الحزب الذي حكم المملكة المتحدة أكثر من أي حزب أخر، يمكن أن يحل ثالثاً في الاستحقاق الجديد، ولن يظفر بأكثر من 70 مقعداً في البرلمان المقبل مقارنة بـ 365 نائباً عام 2019، ووصِف الأمرُ بـ “الانقراض” المحتمل للحزب الذي قاده في أحد الأيام كل من ونستون تشرشل ومارجريت تاتشر.
وبرأي الدبلوماسي والمتحدث السابق باسم الحكومة البريطانية جيرارد راسل، لن يتقدم أي حزب سوى العمال على “المحافظين” في 2024، ولكن توزيع الأصوات هو ما ستبوح به صناديق الاقتراع بعد إغلاقها مساء الرابع من يوليو.
وشدد راسل على أن أنصار الحزب الأزرق التقليدين قد يتشبثون به في النهاية حتى لو جاءت ردودهم مخالفة لهذا في استطلاعات الرأي. كما أن البدائل في الساحة السياسية ليست مشجعة أو مثالية بتعبير أدق، أي لا يوجد ما يدل على احتمال تغيير قاعدة الحزبين الرئيسيين المعروفة تاريخياً.
ولفت راسل في حديث لـ”الشرق”، إلى أن المركز الثالث بعد “العمال” و”المحافظين” سيكون من نصيب حزب “الليبراليين الديمقراطيين” الذي سيضيف إلى حصته البرلمانية عدداً كبيراً من المقاعد في دوائر ينفر سكانها من الحزبين الرئيسيين، حيث يلحظ تململاً في الشارع إزاء أخطاء الحزب الحاكم وغموض خطط المعارضة للسنوات المقبلة، وهذا ما سيدفع الناس للبحث عن بدائل أو يقودهم إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات.
“بدائل الناقمين”
وتشمل قائمة بدائل الناقمين على “العمال” و”المحافظين” 3 خيارات فقط، إما الأحزاب الأخرى المكونة للبرلمان مثل “الليبراليين الديمقراطيين” و”الخضر”، أو تلك الصغيرة الحديثة التي برزت قبيل هذه الانتخابات تحديداً، مثل حزب “ريفورم” الذي يقوده اليميني الشعبوي نايجل فاراج، و”workers” الذي يتزعمه اليساري الراديكالي جورج جالاوي، أما الخيار الثالث فهو المرشحين المستقلين الذين وصل عددهم إلى رقم قياسي.
ويعتبر حزب فاراج الأكثر إثارة للجدل في الشارع، بعد أن تعرض خلال الأيام الأخيرة قبل الاستحقاق إلى مشكلات بسبب تبرير زعيمه للرئيس الروسي غزو أوكرانيا، ومن ثم تكشفت “عنصرية” العديد من مرشحيه، ورغم ذلك لا زالت بعض الاستطلاعات تشير إلى أنه يمكن أن يصل إلى المرتبة الثانية في البرلمان، وتتوقع تقدمه على “المحافظين” الحاكم بثلاثة نقاط.
رئيس مركز “القرن الجديد” للدراسات جعفر الأحمر، يقول إن حزب ريفورم “دعاية” سياسية وليس حزباً بالمعنى الحقيقي، لذا سينتهي بمقعدين إلى 5 مقاعد في البرلمان الجديد، لافتاً في حديث لـ”الشرق”، إلى أن الدولة بمختلف أجهزتها ومنظماتها تعرف خطورة التطرف بمختلف أوجهه، والبريطانيون كأغلبية لا يميلون إلى التشدد في اليمين واليسار، لذا لن يحقق فاراج الاختراق المهول ولكنه ظاهرة تستحق الانتباه بعد الانتخابات.
العرب والمسلمون
وفيما يتعلق بـworkers، يراهن زعيمه جورج جالاوي على ورقة حرب غزة التي تهم فئة من البريطانيين وتعني الجالية المسلمة والعربية بشكل كبير، ولكن برأي الأحمر، قد لا تكفي هذه الورقة للفوز في الانتخابات، أو على الأقل بالقدر الذي يتوقعه البعض، منوهاً إلى فرص جيدة للحزب في بعض المناطق بمدينتي لندن وبرمنجهام ولكن يصعب التنبؤ بنتائجها.
وبرأي مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني جريس دويل، جمعت قضية غزة ودعم فلسطين المسلمين والعرب في المملكة المتحدة إلى حد كبير، ولكن تصويت الجاليتين قد لا يكون كافياً لهزيمة “العمال” في مناطقه التقليدية.
وأضاف دويل لـ”الشرق”، أن البريطانيين عادة يصوتون لمرشح الحزب الأكبر في مناطقهم، كما أن العرب والمسلمين موزعون على مناطق مختلفة، وينقسمون بين مرشحين عدة مستقلين أو ينتمون لأحزاب.
ولا يبدي مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني أيضاً تفاؤلاً كبيراً لناحية فرص المرشحين المستقلين في الانتخابات رغم عددهم القياسي، إذ تقدم للاستحقاق نحو 460 مستقلاً بعضهم انشقوا أو أبعدوا عن أحزاب كانوا يمثلونها سابقاً، والبعض الآخر وجدوا الظروف مواتية للتأهل عن مناطقهم لأسباب مختلفة.
يقول دويل إن النظام الانتخابي يشترط الحصول على أكثرية الأصوات للفوز بمقعد الدائرة ومن دون أحزاب سياسية يصعب على المستقل الحصول على هذه الأكثرية إلا في حالات استثنائية مثل حالة جيرمي كوربين، زعيم “العمال” السابق والنائب عن الحزب في منطقة “إيسلينجتون نورث” لأكثر من 40 عاماً قبل أن يترشح كمستقل.
عناوين رئيسية
وبغض النظر عن أسباب واتجاهات الناخبين في الاستحقاق الجديد، فإن 3 عناوين رئيسية هيمنت على المشهد قبل فتح صناديق الاقتراع، وهي الضرائب والصحة الوطنية والهجرة.
أما الأولى فتعهد المحافظون بتخفيضها إذا بقوا في السلطة في حين قال “العمال”، إنهم لن يرفعوا المستويات الحالية في بعضها دون أن يفصحوا عن تفاصيل خطط زيادة بعضها الأخر. وهي نقطة سجلت على المعارضة ولكنها لم تؤثر على فرص فوزها.
وفيما يخص خدمات الصحة الوطنية المعروفة اختصاراً بـNHS، وعد الحزبان الرئيسيان بتحسينها وتقليص قوائم الانتظار للحصول عليها، لكن مشكلة “المحافظين” أن رئيس الحكومة ريشي سوناك أخفق في تحقيق هذا الأمر عندما أطلقه بين 5 وعود للعام الأول من ولايته في نهاية عام 2022.
وكذلك الحال بالنسبة لضبط الحدود لأن أرقام “مهاجري القوارب” أو حتى القادمين بشكل نظامي لم تتراجع في عهد سوناك وفق الإحصاءات.
وعلق “المحافظون” خطة ترحيل المهاجرين إلى رواندا إلى ما بعد الانتخابات، بعدما أمضوا أعواماً في الإعداد لها، أما “العمال” فقرروا التخلي عنها والبحث عن تعاون أكبر مع الاتحاد الأوروبي لوأد الهجرة غير الشرعية في منابعها.
وفي السياق ذاته، يلمح ستارمر إلى انفتاح أكبر على العلاقة مع الاتحاد الأوروبي دون الحديث عن العودة لعضويته.
ويقول المحلل الاقتصادي أسلم بوسلان في لـ”الشرق”، إن “العمال” سيحتاج لكل علاقات خارجية تمكنه من تحريك عجلة الاقتصاد بعد وصوله للسلطة، لأنه من دون الاستثمار ومشاريع في مختلف القطاعات لن يجمع أموالاً كافية لتنفيذ برامجه الانتخابية.