حفتر وخطاب ضبط الإيقاع
رضا شعبان
جاء خطاب القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، في ذكرى تأسيس الجيش الليبي، مؤكداً على الموقف الثابت للجيش الذي استجاب لمبادرات التهدئة ووقف إطلاق النار انتظارًا لتحقيق ما اتفق عليه سالفا من دعم الاستقرار في ليبيا واستعادة السيادة والقضاء على الإرهاب والتي قطعت قوى دولية عهداً على نفسها لتحقيق ذلك واتخذت قرارات بالخصوص.
لم يأت قرار الهدنة ووقف الحرب في ليبيا في يونيو 2020 إلا بناءً على وعود دولية للمؤسسة العسكرية الليبية بالسعي لإنهاء الحالة الميليشياوية والإرهاب وفوضى السلاح ودعم المؤسسة العسكرية والأمنية الليبية وتمكينها من بسط نفوذها على كامل التراب الليبي وحفظ سيادته.
وكان السبب الرئيسي للحرب الأخيرة في ليبيا 4 أبريل 2019 إلى رغبة المؤسسة العسكرية الليبية المنضبطة والشرعية في تطهير طرابلس وتحرير إرادتها وبعض مدن غرب ليبيا من سطوة التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية والمافياوات الدولية والتي تحالفت معها سلطة الأمر الواقع (حكومة الوفاق) التي فرضت نفسها بقوة السلاح وبوشاحها الأيدولوجي والمطعون على شرعيتها محلياً والتي لم تحظ إلا بقدر ضئيل من الاعتراف من المؤيدين الداعمين والمستفيدين من مشروع تمكين الإسلام السياسي من ليبيا.
وفي يناير 2020 جاء مؤتمر برلين الأول ليؤكد على استعانة هذه السلطة، منقوصة الشرعية، بميليشيات خارجة عن الإطار المؤسسي وتنظيمات إرهابية مدرجة على قوائم الإرهاب مشدداً على ضرورة إنهاء فوضى السلاح والتوقف عن استخدام الأغطية السياسية للإرهاب لما له من تبعات وأضرار تنسحب على المنطقة بالكامل مؤكداً على ضرورة دعم المؤسسة العسكرية واستكمال توحيدها وفق ما انتهت إليه ورقة القاهرة في مارس 2018.
ويعود الفضل الأكبر في حالة التهدئة النسبية التي شهدتها الأزمة الليبية، منذ أكتوبر 2020 وإلى الآن، إلى جهود المؤسسة العسكرية الليبية (ذات العقيدة الوطنية) والتزامها بالقرار الدولي المنبثق عن اجتماعها في جنيف وسعيها للتهيئة للحوار السياسي لفض الاشتباك تمهيدا لبناء كيانات سياسية باختيار ليبي مباشر ينهي فوضى الشرعيات والمرجعيات السياسية المزعومة التي أطالت عُمر الفوضى التي صنعها تنظيم الإخوان الإرهابي خدمة لأهداف محركيه الطامعين في ليبيا والداعمين لمشروع تمكين الاسلام السياسي من ليبيا كأهم نقطة انطلاق لها لاستكمال مخطط الاستيلاء على ثروات شمال وغرب إفريقيا.
وجاء الاتفاق العسكري المبرم في جنيف 23 أكتوبر 2020 كأحد صور توحيد المؤسسة العسكرية وفق ورقة القاهرة في مارس 2018 والتي أفرزتها اجتماعات بين العسكريين المهنيين شرقا وغربا ومؤكدا على ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا ونزع سلاح الميليشيات وتفكيكها.
ومهد هذا الاتفاق العسكري لعقد جولة سياسية في تونس في نوفمبر 2020 للبدء في مرحلة تمهيدية قدرها عام يكون من شأنها (حصراً) الإعداد لاختيار هذه الكيانات (برلمان ورئيس) وفي مارس 2021 تم اختيار سلطة وطنية مؤقته كحل مبدئي لإنهاء فوضى الشرعيات السياسية بين الشرق والغرب كخطوة أولى لتوحيد الوجدان الليبي العام باختيار برلمان ورئيس بشكل مباشر من الشعب لاستكمال شكل الدولة والبدء في معالجة الأزمات الليبية المتراكمة منذ 10 سنوات.
لكن ومنذ وقف إطلاق النار واختيار السلطة الوطنية الموحدة لم تتحرك القوى الدولية لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا ولم تتحرر الإرادة الليبية في غرب البلاد من سطوة الميليشيات ولم ينزع السلاح المنفلت ولم يقض على الإرهاب وتنظيماته.
بينما في المقابل زاد الضغط على المؤسسة العسكرية الليبية وزادت المساعي لإضعافها شرقا ومحاولة تحويل دفة إدارتها غربا وزعزعة استقرار مناطق نفوذ الجيش الليبي التي اختار البقاء فيها انتظارا للحل الجاد وكثرت الضغوط غير المعلنة على الجيش الليبي لإزاحته من سرت وهو ما يدفع للشك في جدية وجدوى ما يحدث منذ الاتفاق العسكري في 23 اكتوبر 2020 وحتى الآن.
هذا ما دفع حفتر إلى التذكير بما قطعته القوى الدولية على نفسها من وعود لإعادة الاستقرار إلى ليبيا وفق تراتبية زمنية تتوافق مع الإرادة الوطنية الليبية كما جاء الخطاب مذكرا بالعقيدة القتالية والوطنية للجيش الذي أسس أصلا لطرد الاستعمار من ليبيا وتحرير أراضيها عام 1940 وفضح الاستعمار الجديد المستعين بالتنظيمات الإرهابية والمستخدم لادعاءات تنظيم الإخوان الإرهابي تحت غطاء الثورة والحقوق السياسية.