حقيقة الموقف الأمريكي الداخلي بشأن حظر مليشيات الحوثي
د. طارق فهمي
لا تحتاج الإدارة الأمريكية إلى دعوة مجددة عربيا ودوليا لإعادة مليشيا الحوثي إلى قائمة الإرهاب رسميا.
فالواقع الراهن إقليميا ودوليا يتطلب ذلك التصنيف كأولوية ملحة، خاصة بعد استهداف الحوثي للمنشآت المدنية تباعا في السعودية والإمارات، وهو سلوك نابع من تطور وتصاعد العمليات العسكرية والاستراتيجية الناجحة التي تقوم بها قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، والتي نجحت في تحقيق العديد من المكاسب العسكرية مؤخرا، واستطاعت تطويق التحركات الحوثية داخليا عبر تطوير وسائل المواجهة والاستهداف.
ومع كل نجاح عسكري للتحالف سيواجَه بالعديد من الخطوات المقابلة، التي تقوم بها المليشيات الحوثية، نظرا لما تتكبده من خسائر حقيقية، وهو ما سينعكس على مجمل ما يجري من عمليات في العمق الحوثي، وتطويق خيارات المليشيات الحوثية بصورة كبيرة، في ظل ما يجري من معارك في اتجاه العمل العسكري الشامل، والبدء في نقل المواجهة لمرحلة أخرى، وهو ما برز في مرحلة ما بعد مواجهات مأرب الأخيرة، والمحتمل أن يمتد إلى مسارح عمليات أخرى.
في إطار ما يجري من عمليات عسكرية ونجاحات تحققها قوات التحالف، يظل سؤال: لماذا لا تُقدِم الإدارة الأمريكية على إعادة تصنيف الحوثي إرهابيا في الوقت الراهن بعيدا عن التصريحات الدبلوماسية والاتصالات واللقاءات، التي تقوم بها حاليا؟ وذلك في إطار ما يجري من تحديات حقيقية تمثلها هذه المليشيات، لا تمس فقط أمن دول المنطقة، بل والقوات الأمريكية الموجودة فيها، إذ إن الملاحظ أن السلوك الأمريكي استمر على حاله، وتراوح في إطار ردود فعل عادية واتصالات شكلية قادها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، عبر القنوات الدبلوماسية، ومن خلال تأكيد الالتزام الأمريكي بأمن الخليج العربي، والذي هو جزء مهم في إطار استراتيجية الأمن القومي الأمريكي بالشرق الأوسط، والذي ما زال قائما ولن يُهمّش.
وما بين التردد والارتباك الأمريكي بشأن التعامل مع المليشيات الحوثية ومَن وراءها سيظل السبب كامنا في عدم وجود تفاهمات حقيقية متماسكة في الكونجرس بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن التعامل مع هذه المليشيات ومخاطرها في الإقليم، وهو ما انطبق على جماعات إرهابية أخرى مثل الإخوان، وبعض التنظيمات في سوريا والعراق وغزة ولبنان، وهو ما يثير إشكالية حقيقية في عدم وجود تفاهمات أمريكية شاملة جراء ما يحدث من تطور، حفاظا على المصداقية الأمريكية في الشرق الأوسط، وعدم الاستمرار في هذا الموقف العبثي، خاصة أن هناك تيارا بارزا في الخارجية والاستخبارات الأمريكية كان رافضا في الأصل رفع الحظر عن الحوثيين من البداية، إلا أن إدارة الرئيس جو بايدن وعددا من خبراء هذه الإدارة سعوا لرفع الحظر، الذي كلّفهم الكثير من مصداقية واشنطن، باعتبار أن هذه الإدارة اتبعت أساليب مزدوجة في التعامل، وأن هذا التوجه الأمريكي ستكون له تبعاته التي تتعلق بالدور الأمريكي في الخليج العربي حاليا، خاصة مع استمرار الاعتداءات الحوثية، وهو ما ينبغي التعامل معه بجدية، فجزء من المواجهة الراهنة والمحتملة أنها ستركز على المصالح الأمريكية الكبرى في الإقليم، وليس في الخليج العربي فقط، فمن المحتمل -وهو أمر وارد- أن تستهدف المليشيات الحوثية عبر ممارساتها الإجرامية القواعد الأمريكية في المنطقة، وفقا لتحذيرات المخابرات المركزية، وبالتالي فإن الإشكالية الكبرى ليست في الدفاعات المقابلة وتحصين هذه الأهداف، فهذا أمر طبيعي ويتم عبر المنظومات المضادة للصواريخ، وإنما الإشكالية في التأثيرات السياسية والاستراتيجية، التي قد تُحدث ارتدادات مهمة على القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة، وهو أمر قد يُفتح في الكونجرس قريبا ويتم طرحه، باعتبار أن الاعتداءات التي تقوم بها مليشيات الحوثي لم تعد تفرّق بين الأهداف المدنية وبين العسكرية، خاصة مع تحقيق قوات التحالف العربي نجاحات ساحقة في الوقت الراهن.
والمعلوم أن الكونجرس لديه طلبات استجواب عدة وجلسات استماع منذ أسابيع بشأن تطورات الأوضاع في الخليج العربي، وتطور المواجهات مع المليشيات الحوثية، وإن كان هذا الأمر مرتبطا بمسار المفاوضات الأمريكية الإيرانية، ومسعى الإدارة الأمريكية لعدم توظيف هذا الملف عبر الوكيل الحوثي، لكن هذا هو الجاري بالفعل رغم مساعي الإدارة الأمريكية والتيار المؤيد للتعجيل بتوقيع الاتفاق مع إيران لعدم ربط الملفات الراهنة بالموقف الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومجمل المواقع الأخرى، التي تتم عبر الوكلاء الآخرين لإيران، والذين سيتحركون عند الضرورة، ومن ثم فإن عدم إدراج الحوثي كمنظمة إرهابية مسألة مرتبطة أمريكيا بسيناريوهات عدة:
منها نجاح أو فشل المفاوضات النووية بين إيران وبين الولايات المتحدة، ومسعى دول الاتحاد الأوروبي لفصل المسارات، ورغبة الرئيس “بايدن” في عدم الإقدام على خطوة الحظر في الوقت الراهن والانتظار قليلا، وإن كانت حركة الكونجرس وإعادة تكرار جلسات الاستماع ستكون مهمة حال استهداف مليشيات الحوثي الوجود الأمريكي في الخليج، وهو أمر قابل للحدوث وسيؤدي لتداعيات مهمة في المدى المنظور، ولن يستطيع “بايدن” الوقوف أمامه، وحال تطور مسرح العمليات سيكون قرار إعادة الحظر أمرا مهما لوقف إمدادات السلاح، التي تباشرها مليشيات الحوثي، ومكّنتها من استهداف منشآت مدنية مؤخرا.
ومن هذه السيناريوهات أيضا احتمال إقدام وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، على إعادة ترتيب الأولويات العسكرية والاستراتيجية من جديد، والضغط في إطار الحفاظ على الوجود الأمريكي في المنطقة وعدم استهداف قواعدها، وبالتالي فإن الأمر سينتقل من بُعده السياسي إلى بُعده الاستراتيجي، خاصة أن الخيارات العسكرية تستبق كل الخيارات الأخرى الموضوعة، والتي يمكن أن تمثل خطرا على المصالح الأمريكية الكبرى، وبالتالي عدم الاكتفاء بالخطاب الرسمي الأمريكي بالبحث عن حل سياسي، أو الدفع بالوصول إلى مفاوضات جديدة على أسس مختلفة، ولن يحدث هذا الأمر إلا إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية، وفي ظل تصميم إيراني على الاستمرار في إدارة المشهد عبر الوكيل الحوثي، وعدم الانخراط جديا في مفاوضات حقيقية، الأمر الذي يشير إلى أن المعركة الحقيقية ستكون في الكونجرس حول إعادة تمرير تشريع يحظر الحوثيين في مواجهات الارتباك والتردد لدى الإدارة الأمريكية، واللذَين يدفعانها إلى استمرار المشهد الراهن سياسيا وعسكريا.
وإلى أن تتوافر الأسباب والمبررات، التي يمكن أن تدفع الإدارة الأمريكية للتحرك، ستصبح الأهداف الأمريكية في المنطقة وخارجها مستهدفة نظريا وواقعيا من وكلاء إيران، وسيرتبط كل ما يجري من تطورات سياسية وعسكرية بما يجري في المفاوضات النووية مع إيران، التي لا تزال تتبع خيار المراوغة وشراء الوقت لتحقيق مصالحها في أي اتفاق محتمل.