حلم الثورة كابوس “الإخوان”!
محمد صلاح
لم يترك المصريون موقفاً إلا وكتبوا فيه مثلاً شعبياً، وفي كل مناسبة ستجد المثل الذي يناسبها، وينطبق على المشاركين بها أو المؤثرين فيها، أو الساعين إلى الاستفادة منها. من تلك الأمثال الشعبية المصرية الشهيرة: “القرعة تتعايق بشعر بنت أختها”.
المعني واضح والمغزى مفهوم رغم كون المثل ضارباً في اللهجة العامية المصرية، وصار يستخدم كثيراً منذ أزيح تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي من المشهد السياسي، وجرى عزل محمد مرسي عن المقعد الرئاسي. هذه المرة وجد “الإخوان” في أزمة افتعلتها أسرة ناشط يساري يقضي عقوبة السجن في قضية جنائية مجالاً لتحرض الناس واستعداء المجتمع الدولي ضد الحكم في مصر.
بالفعل يبدو أن ذلك التنظيم الإرهابي وقادته لا يتعلمون من الأخطاء ولا يستوعبون دروس التاريخ. لم يُقدِّر “الإخوان” حجم الاعتراضات على حكمهم وفوجئوا بما جرى في حزيران (يونيو) 2013، وبعدها سعوا أولاً إلى استعداء العالم الخارجي، خصوصاً الغرب، ضد الدولة المصرية الجديدة، ووجدوا في تدني مستوى الخدمات والأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر بالتزامن مع الدعم الذي قدم لهم من حكومات وجهات وأشخاص وقنوات فضائية تلفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية رصيداً لهم، كما وجدوا في أزمات فرضتها ضرورة علاج أمراض الماضي وإعادة هيكلة الدولة وتطوير البنية التحتية مادة خاماً ساعدتهم على الاستمرار في تسخين الشارع، ووضع القضية المصرية على المحك، لكن كل محاولات العودة فشلت، خصوصاً مع تحسن الأوضاع الاقتصادية وتزايد العنف في الشارع، وكشف تفاصيل تورط عناصر الجماعة في تخريب مقومات الدولة وتعطيل عمل المؤسسات، اعتقاداً منهم بأن فشل حكم ما بعد “الإخوان” كفيل بإقناع الشعب بأن “الإخوان” لم يفشلوا وإنما تم إفشالهم، ما يسهل عودة السلطة إلى الجماعة والمقعد إلى مرسي.
سعى “الإخوان” طوال تلك الفترة إلى استغلال كل تجمع احتجاجي، لا فرق بين مشجعي الكرة أو تجمع لحفل فني! ولم يتركوا حادثاً عارضاً أو حتى هطول الأمطار من دون السعي إلى تحقيق هدف الجماعة الجديد، ولم يدركوا أن مشكلتهم لم تعد مع نظام حكم، كما كانت حالهم مع مبارك والسادات وعبد الناصر، وإنما مع شعب تعاطف معهم لعقود حين كانوا يمارسون معارضة سلمية هادئة ملتحفة بالدين ثم غيَّر مواقفه منهم بعدما نالوا السلطة والنفوذ ومقاعد البرلمان وكرسي الحكم.
كان أسبوعاً مفعماً بالأحداث في مصر، فمؤتمر المناخ استلزم شحذ همم الدولة لاستقبال هذا العدد الضخم من الضيوف والوفاء بالتزامات مصر تجاه الأمم المتحدة في تهيئة الأجواء ليعقد المؤتمر وسط أجواء آمنة وترتيبات دقيقة، بينما كان “الإخوان” وحلفاؤهم من ناشطي مواقع التواصل إضافة الى أجهزة ومنظمات وربما دول يصعدون حملة في مسارين: الأول لتنظيم تظاهرات يوم 11 الجاري والثاني تكثيف الحضور الإعلامي بهدف الضغط على الحكم لاطلاق المحكوم علاء عبد الفتاح. هنا وجد “الإخوان” أن لا ظهير جماهيرياً لهم وشعروا بأن دعوتهم الدورية الى التظاهر أو الاعتصام أو نشر الفوضى ستفشل، فركبوا موجة قضية عبدالفتاح وروجوا لكل مقطع مصور لعائلته وكل بيان لمنظة حقوقية غربية وحرضوا كل ضيف في مؤتمر المناخ على إثارة الموضوع مع الرئيس السيسي أو نثره في أروقة وقاعات المؤتمر. أما صراخ الآلة الإعلامية “الإخوانية”، وجهود اللجان الإلكترونية لتحريض الناس على النزول إلى الشوارع والميادين والتظاهر والتحرش بقوى الأمن لتحقيق حلم “الإخوان” بـ”التمكين”، فجاءت بلا تأثير بل مثيرة للسخرية والتهكم و”التريقة”، ولم يتوقف المصريون عن مواجهة أصحابها وإذلالهم بأن ما يدعون إليه لن يتحقق حتى في الأحلام!
كعادتهم في استغلال كل تطور أو مشكلة أو قرار أو تصرف، لمحاولة الإساءة إلى الحكم أو تحريض الناس، اقتنصت المنصات الإعلامية مطالب أسرة عبدالفتاح، وجرى “الشغل” على أن السيسي انقلب على الثوار، وأنه غاضب من ثوريتهم وناقم على شهرتهم، ونشط “الإخوان” في الصيد في مياه ردود فعل المنظمات الحقوقية الغربية، لكن الحيلة فشلت، إذ ظهر أن السلطات المصرية تعاملت مع القضية منذ وقوعها وفقاً لإجراءات كلها اتخذت وفقاً للقانون. تخيل “الإخوان” وداعموهم أن قذائف المنصات الإعلامية ستجعل معارضي السيسي يبدأون “الثورة” لتنضم إليهم بعدها باقي فئات الشعب، وأن المصريين سيأتون من المحافظات الأخرى إلى الميدان! حلم الثورة الضائع مع منظمات غربية ما زالت تساند التنظيم الإرهابي، إضافة إلى بعض الثورجية والناشطين، حوّله المصريون كل فترة إلى كابوس كبير يضرب خططاً ومؤامرات لا يبدو أنها ستتوقف قريباً.