حملة انتخابية لقيس سعيد: دعونا نكمل ما بدأناه

مختار الدبابي

لا تخفي المعارضة انزعاجها من غموض موعد الانتخابات الرئاسية وما يتبعه من جدولة تفصيلية للمواعيد (تقديم الترشيحات، الحملة الانتخابية، الدور الأول، والدور الثاني وإعلان النتائج)، كما يحصل عادة في أيّ انتخابات قبل أشهر من إجرائها.

ولا يبدو الرئيس التونسي قيس سعيد مهتما بموعد الانتخابات والتفاصيل التي تطالب بها المعارضة ومخاوفها بشأن عدم تكافؤ الفرص خاصة بشأن حضور أنشطة الرئيس سعيد ولقاءاته وزياراته بشكل دائم في الإعلام في ما لا تكاد وسائل الإعلام، وخاصة الفضائيات التلفزيونية والإذاعات، تنشر عن المعارضة سوى أخبار المحاكمات أو بيانات يتيمة في مناسبات عامة.

قيس سعيد يعتقد أن الانتخابات موعد عادي ولا تحتاج لأن تشغل البلاد عاما قبلها وعاما بعدها، وأن تعيد الإعلام إلى معارك الماضي التي كرهها الناس. ترك مصيرها للهيئة العليا للانتخابات أفضل من أن يهتم بها الرئيس والوزراء وتصبح حديث الناس مثلما كان يحدث في الماضي حيث كانت الطبقة السياسية تهتم بمصالحها وحساباتها وتنأى بنفسها عن مشاغل الناس.

لكن طبقة سياسية تعودت أن تتحدث كل ساعة عن الانتخابات وتصبّ كل الجهد للتحضيرات والتحالفات والحملات الانتخابية السابقة لأوانها، المعلنة وغير المعلنة، لم تكن تقدر لتنتظر حتى يمر الصيف وتفاجأ بتحديد الموعد.

دخلت حركة النهضة، التي قالت إنها ستقاطع الانتخابات الرئاسية، على خط التساؤلات مع أن الأمر يفترض أنه لا يعنيها، وأن الأفضل بالنسبة إليها تهميش الانتخابات وجعل الناس لا يهتمون لها. وقالت حركة النهضة في بيان لها الجمعة إن هناك “غموضا متعمدا من السلطة في كل ما يتعلق بتاريخ الانتخابات الرئاسية ورزنامتها”، وأن “الحد الأدنى من الشروط التي تجعل الانتخابات شفافة وديمقراطية غير متوفر إلى حد الآن”.

لكن الجدل الذي تحدثه المعارضة ليس مهما من منظور الشارع الاجتماعي، فضلا عن أن الشارع السياسي ليس موحدا ولا يلتقي على أي أرضية وفاقية ولو في الحد الأدنى. ما يزال الأمر كما هو منذ 25 يوليو 2021، فاليسار لن يضع يده في أيدي الإسلاميين ولا غيرهم، والكل يتحرك من أجل أن يكون هو الجهة المستفيدة من أيّ تغيير.

ومرّ بيان “جبهة الميثاق الجمهوري” قبل أيام مرور الكرام ولم يكن له من تأثير سوى تسجيل الموقف بشأن المخاوف على الحريات ومسار الديمقراطية. وحمل البيان توقيع أكثر من 100 شخصية في المجالات الحقوقية والأكاديمية إضافة إلى 4 أحزاب هي الحزب الاجتماعي التحرري وحزب المسار الديمقراطي والحزب الاشتراكي والاجتماعي وحزب آفاق تونس وائتلاف صمود وثلاث جمعيات.

صحيح أن هناك تغييرا طفيفا في تقييم بعض المجموعات التي دعّمت قيس سعيد على أمل أن تستفيد من سلطته وأن يتحرك وفق أجندتها. وبعد أن خابت أجندتها أصبحت تنتقد على استحياء، لكن من الثابت أن السلطة لو قالت لها تعاليْ ولو من باب الهزل لهرولت تلك المجموعات لتضع نفسها في خدمة الرئيس ومسار الرئيس وحكمه.

يتجاهل السياسيون الذين حكموا بشكل أو بآخر أو اشتركوا في “العشرية” التي تبرؤوا منها أن الناس ما يزالون ضدهم ويحمّلونهم مسؤولية الفشل اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. قد تكون لدى المعارضة تقييمات وأرقام ومقارنات تظهر أن قيس سعيد لم ينجح ولم يحقق ما وعد به الناس خلال ثلاث سنوات من إجراءاته، لكن هل تجد من يسمعها بعد أن عجزت هي خلال عشر سنوات عن أن تقدم شيئا للناس.

في المقابل يتحرك قيس سعيد غير مبالٍ بما تقوله البيانات السياسية ولا تصريحات من يرغبون في الترشح كمنافسين، ويرفع شعار “دعونا نكمل ما بدأناه”. وخلال الأيام الأخيرة، لا يكاد يخلو لقاء للرئيس سعيد من اهتمام بقضايا مباشرة تهم الناس، سواء ما تعلق بالنقل أو التعليم أو الخدمات الاجتماعية. هو إلى ذلك يستجيب إلى مطالب الناس التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي من ذلك الحملات لتسوية أوضاع عمال الحظائر، وهم بالآلاف، أو أوضاع المدرسين النواب في الابتدائي والثانوي بالرغم مما حف بعملية انتدابهم من شكوك فساد، أو أوضاع المتقاعدين .

ولا يفتأ الرئيس سعيد يذكّر بإحياء دور الدولة التقليدي الذي يقوم على خدمة الناس وتحسين مستوى عيشهم، وهو دور تراجع في السنوات الأخير. وحث في أحد لقاءاته مع الوزراء على “تعاضد جهود كل أجهزة الدولة حتى يتمكن المواطنون التونسيون من حياة كريمة ولا أقلّ من حقّهم في الشغل وفي الصحة وفي النقل وفي التعليم فكلّها من الحقوق الأساسية للإنسان، وسياسة الدولة لا يجب أن تقوم على الرتق وعلى مقاربات قطاعية بل يجب أن تكون قائمة على تصوّر لمشروع تحرير كامل للمواطن وللوطن”.

وفي سياق هذا المسار، أعلنت الحكومة التونسية الجمعة عن زيادات في الأجر الأدنى للعاملين في القطاع الخاص بنسبة 14.5 في المئة بما في ذلك جرايات (معاشات) نحو مليون متقاعد.

وأوضحت وزارة الشؤون الاجتماعية في تفاصيل القرار عن زيادة أولى بنسبة 7 في المئة بأثر رجعي بدءا من أول مايو الماضي. كما يتضمن القرار زيادة ثانية بنسبة 7.5 في المئة بداية من شهر يناير 2025. وستسمح الزيادة برفع الأجر الأدنى إلى 491 دينارا تونسيا (حوالي 164 دولارا أميركيا). وقالت الوزارة إن الزيادات تشمل آليا المتقاعدين في القطاع الخاص والبالغ عددهم حوالي مليون متقاعد.

من المهم الإشارة إلى أن هذه الإجراءات لم تأت مسقطة بل هي نتاج متابعة لجدل على مواقع التواصل خاصة بالنسبة إلى أوضاع المتقاعدين الذين قادوا حملة إعلامية يطالبون من خلالها بأن تلتف لهم الدولة وأن تجعلهم يستفيدون من الزيادات في الرواتب التي يحصل عليها العاملون المباشرون لوظائفهم، كما طالبوا بالتوقف عن اقتطاع الأداءات لفائدة الصناديق الاجتماعية.

السلطة تتابع المزاج العام وتتعامل معه بليونة وتنفذ ما تقدر عليه من دون أن تتغافل عن الجانب الآخر، من ذلك موقفها من إصلاح التعليم وشكاوى الناس من أن التعليم العمومي (الحكومي) لم يعد فيه التكافؤ في ظل تفاوت كبير بين الجهات. فأن تقطع مسافة ميل واحد خير من ألاّ تتحرك أبدا، وهذه نقطة الخلاف بين منظومة قيس سعيد ومنظومة من سبقوه.

وفي هذا السياق، أكدت وزيرة التربية سلوى العباسي في تصريح لإذاعة محلية “التفكير في إرساء أقطاب تعليم تقني من خلال استغلال الأرصدة العقارية في المناطق المهمّشة لانتشال شبابها من البطالة والانقطاع المدرسي والفشل والغش”، حسب وصفها.

وأضافت أن “هذه الأقطاب تتمثل في بناء مدارس إعدادية مع معاهد حسب نظام الأقاليم أي بمعدل قطب في كل إقليم وتكون مجهزة بكافة مقومات الإعاشة من مطاعم ونقل”، معلنة أن “الاعتمادات المخصصة لتنفيذ هذه الفكرة متوفرة بقيمة 50 مليون دينار من قرض للدولة التونسية”.

وتستمر السلطة/ الدولة في الكشف عن مخلّفات منظومات الفساد المتعاقبة وتأثيرها على واقع الناس بتقديم صور صارخة مثل ما حصل خلال زيارة قيس سعيد الأخيرة إلى أحد مقار بلدية تونس، ليشاهد التونسيون عقلية “رزق البيليك”، أي الاستهانة بأملاك الدولة وأدواتها وتركها للصدأ من دون المسارعة لإصلاحها والعمل من خلالها على تحسين أوضاع الناس.

الحملة الانتخابية الحقيقية تكون بتحريك الأوضاع نحو الأحسن وبعث الأمل في التغيير لدى الناس من خلال الأفعال.. عشر سنوات كاملة من حكم الشعارات جعل الشارع التونسي لا يصدق إلا الأفعال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى