حمى الفوضى والصراع السياسي تضرب إقليم كردستان العراق
حمى الفوضى والتجاذبات السياسية في العراق، ضربت إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي وكان يشهد حالة من الاستقرار الكبير، حيث تم تنظيم مظاهرات مناهضة للسلطة السبت 6 آب/أغسطس في أهم مدن الإقليم، وقمعتها قوات الأمن بالقوة باستخدام الرصاص المطاطي وعبوات الغاز المسيل للدموع، خصوصا في مدينة السليمانية.
وتم اعتقال ستة نواب عن الإقليم ونائب منتخب محليا قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد بضع ساعات. وينتمي كل هؤلاء المعتقلين إلى حركة “الجيل الجديد”، وهو حزب معارض يترأسه رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد الذي دعا للتظاهر للمطالبة بتحسين ظروف العيش وإجراء انتخابات محلية في موعدها المقرر. وحسب هذه الحركة، تم اعتقال أربعين من أعضائها من مجمل 600 شخص تعرضوا للإيقاف.
إلى ذلك، تم “استهداف ما لا يقل عن 60 صحافيا من قبل قوات الأمن” خلال هذه المظاهرات، وفق أرقام منظمة “مراسلون بلا حدود” غير الحكومية. ومن مجمل 26 صحافيا تم اعتقالهم ينتمي عشرة لقناة “إن آر تي” التي يملكها شاسوان عبد الواحد، كما يشير بيان لنفس المنظمة نشر في 9 آب/أغسطس.
السفارة الأمريكية قلقلة
وأدت هذه الأحداث، التي تكشف عن توتر وسط السلطات الكردية التي يتقاسمها التشكيلان السياسيان التاريخيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى ردود فعل منددة وسط الشركاء الغربيين للإقليم المتمتع بالحكم الذاتي.
إذ عبرت السفارة الأمريكية في بغداد في 8 آب/أغسطس عن “قلقها” إزاء لجوء قوات الأمن إلى العنف، وحثت “سلطات إقليم كردستان العراق على مراجعة هذه الإجراءات وإعادة التأكيد على الأدوار الحيوية التي تلعبها الصحافة الحرة والتجمع السلمي وسيادة القانون في العملية الديمقراطية”.
انتهاكات حقوق الانسان
وتشارك عدة دول أوروبية القلق الأمريكي بما فيها فرنسا التي دعت في بيان بتاريخ 7 آب/أغسطس لقنصليتها العامة في إربيل، حكومة إقليم كردستان العراق إلى “احترام الحريات العامة”.
وخلال السنوات الأخيرة، وجهت منظمات غير حكومية بينها “هيومن رايتش ووتش” اتهامات للسلطات المحلية بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان.
ويقول عادل باخوان، مدير المركز الفرنسي للبحوث حول العراق: “الشركاء الغربيون الرئيسيون سارعوا بالتنديد بأحداث نهاية الأسبوع الماضي، وذلك لأن سلطات إقليم كردستان تمثل -منذ 2003- بأعينهم نموذج الاستقرار مقارنة بالسلطات الموجودة في المنطقة، فقوتها الرئيسية -إن لم تكن الوحيدة- هي هذه الصورة التي روجت لها منذ عدة عقود على أنها أرض للتنوع الثقافي والسياسي والتي أخذت أبعادا رمزية أكبر من خلال زيارة البابا لأربيل في مارس/آذار 2021”.
ولكن عادل باخوان الذي ألف كتابا بعنوان “العراق، قرن من الفشل من 1921 إلى يومنا هذا” يرى “أن هذه السمعة الجيدة التي يحظى بها إقليم كردستان لم تعد كما كانت في السابق”.
ويضيف باخوان “يجب الإقرار بأن هناك نوعا من العصبية داخل إقليم كردستان العراق، التي يمكن تفسيرها بعدة عوامل، مثل السياق الدولي المضطرب بعد الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية والجيوساسية بالإضافة إلى مناخ الفوضى السياسية في العراق، الذي يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى حرب أهلية تهدد مباشرة أمن واستقرار إقليم كردستان”.
ويضيف مدير المركز الفرنسي للبحوث حول العراق أن عودة مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” القوية إلى الساحة العراقية تلقي بظلالها أيضا على الإقليم الكردي المتمتع بالحكم الذاتي. زد على ذلك الغارات التركية المتكررة ضد المتمردين الأتراك المنضوين تحت حزب العمال الكردستاني شمال العراق والتي أوقعت عددا كبير من الضحايا المدنيين.
ويضيف باخوان: “يبدو أن سلطات إقليم كردستان، التي تواجه ضغوطا من بغداد حول إدارة الثروة النفطية في الإقليم، اختارت اللجوء للحل الأمني لمواجهة عدة مسائل ملحة والإبقاء على أمن واستقرار الإقليم على رأس أولوياتها. لكن ذلك كان على حساب الحوار والتفاعل مع المطالب”.
موازين القوى السياسية الداخلية
إضافة إلى السياق الدولي والمحلي المليء بالاحتقان، فإن موازين القوى السياسية الداخلية في الإقليم تلعب دورا في التوتر. فيوضح باخوان: “يجب أن نأخذ في الحسبان الطابع السياسي الكبير لأحداث 6 آب/أغسطس والتي يحاول الطرفان المتخاصمان، أي سلطات الإقليم وحركة ’الجيل الجديد‘، توظيفها سياسيا”.
وتوضح هذه الحركة المعارضة أن الدعوة للتظاهر التي أطلقها زعيمه شاسوار عبد الواحد جاءت في وقت يواصل فيه أنصار الزعيم الشيعي النافذ مقتدى الصدر اعتصامهم في بهو البرلمان العراقي ببغداد احتجاجا على ترشيح شخصية سياسية لترأس الوزراء من قبل خصومهم في “الإطار التنسيقي”.