حواضن “الإخوان”
منير أديب
تعتمد جماعة الإخوان الإرهابية على حواضنها في مواجهة خصومها.
فهذه الحواضن بمثابة رأس الحربة في أي معركة تخوضها الجماعة، كما أنها بمثابة السهم الأخير، الذي تلجأ إليه في وقت الأزمات، فهي -الحواضن- لا تقل أهمية عن أعضاء التنظيم وعضواته، بل قد تزيد، وقد تُولي الجماعة اهتمامًا بهذه الحواضن يفوق اهتمامها ببعض قيادات الصفوف الأولى في التنظيم.
ويُقصد بالحواضن تلك المجموعات التي تظهر حول الجماعة، ربما تكون مستفيدة منها وربما يكون مغرَّرًا بها، وقد يكون بعضها قد ساء فهمه للأهداف التي ينشدها تنظيم الإخوان.. هذه الحواضن قد يكون لبعضها انتماءات سياسية وحزبية، وكثير منها قد لا يكون مؤمنًا بكثير مما يدّعي الإخوان العمل من أجله، ولكنهم مع ذلك يُناصرون التنظيم!
وهنا تستخدم الجماعة هذه الحواضن في الدعاية لنفسها، بإلصاق الحواضن قيما أخلاقية بالتنظيم هو أبعدج ما يكون عنها، لمحاولة إيصال أن الجماعة يشهد لها مَن هُم خارجها، ويناصرُها المختلفون عنها ولا ينتمون لها، لكن الحقيقة تقول إن هؤلاء لا يختلفون عن الإخوان في شيء.. إنهم فقط يؤدون دور حواضن للجماعة ولا يكتوون بنارها بل ينتفعون من هذا الدور.
على مر التاريخ استقطب تنظيم الإخوان شخصياتٍ لها توجه أيديولوجي مختلف، وكان التنظيم الإرهابي يُقدم لأمثال هؤلاء مغرياتٍ مادية ليستمروا في لعب دور حاضنة لأفكار التنظيم وعلى ولاء إخواني عن بُعد، فتُناصر الفكرة والتنظيم معًا، فيما تكفي التنظيم عناء مواجهة أي خصم.
وكثيرًا ما يقدم الإخوان مثل هذه الحواضن في وسائل الإعلام المملوكة لهم، وكثيرًا ما يتم استثمارها على وسائل التواصل الاجتماعي، فتجد أحدهم يقدم نفسه على صفحة منتقدي التنظيم على الإنترنت بقوله: “أنا مش إخوان ولكن…”، مضيفًا أي جمل تدافع عن التنظيم وكأنه كلام موضوعي عادل.
ويوفر الإخوان بيئة عمل لهذه الحواضن في أغلب مؤسساته وربما يتفاخرون بذلك، بل وقد تجد التنظيم يقبل بعض انتقادات هذه الحواضن علنا لتكتمل التمثيلية، وحتى تبدو الحاضنة مختلفة عن التنظيم وتوجهاته، ثم تقوم بدورها فيما بعد في الدفاع عن الجماعة بالطريقة التي تُريدها الجماعة نفسها، وطبعا تكون الانتقادات المعلنة هامشية، والهدف منها الإيعاز بأنها فقط مختلفة مع التنظيم في مبادئه.. إنه مجرد عرض تمثيلي سخيف.
الأمر لم يقتصر على الحواضن الشعبية، ولكن هناك حواضن كانت جزءًا من التنظيم سابقًا، ولكنها آثرت أن تتركه زُهدًا في أفكاره، وهنا عمل التنظيم من خلال بعض البرامج على ضم هذه الحواضن إليه مرة أخرى.
الحواضن، التي يجمعها التنظيم حوله، هي التي تحميه من أي عوامل خارجية أو مواجهة، وهي التي تواجهك عند انتقاد الفكرة أو عند سعيك إلى تفكيك رؤى التنظيم الإرهابي.. هذه الحواضن ليست بالتبعية تسير مع التنظيم أو مع الفكرة الإخوانية، ولكن مصالحها مرتبطة بالتنظيم الإخواني الإرهابي، الذي تمكن من ربط هذه الحواضن به وفق إغراءات كثيرة.
وكثير من هذه الحواضن قد يكون منفلتًا من الناحية الأخلاقية، هذا طبعًا لا يهم الإخوان في شيء، المهم أن يقوم هذا المنفلت/الحاضنة بمهمة الدفاع عن الجماعة أيا كانت الأسباب والمواقف، فقد ترى هذه الحاضنة وغيرها أن الجماعة لا تُعبر عن حقيقة الإسلام، ولكن وفق معادلة المصلحة المادية تدافع عن التنظيم وكل ما يصدر عنه.
حواضن الإخوان بمثابة حائط صد وصمام أمان ضد أي هجوم أو مواجهة يتعرض لها التنظيم، ودورها ممارسة ما يمكن أن نسميه “الاغتيال المعنوي” للشخصيات التي تسعى إلى تفكيك أفكار التنظيم، فالجماعة لا تُريد أن تنشغل بمن يهاجمها أو يواجهها، وهنا تُطلق عليه الحواضن، ويُضاف إلى هذا وذاك أنها تُريد أن تثبت “نزاهة مكذوبة” مع من يختلفون مع أفكارها!
لا يستطيع الإخوان أن يعيشوا دون وجود حواضن حولهم، لذلك يبذلون مجهودًا كبيرًا في استمالة شخصيات مختلفة عنهم، وقد ينجحون في استمالة بعض منتقديهم، على أن يكون المقابل مناسبا للحاضنة، إما عمل وإما مال.
ونجد بين حواضن الإخوان الجاهل ومتعاطي المخدرات، ربما فقط لإثبات شعبية التنظيم في الشارع، كما أن الإخوان في حاجة دائما لكل الأصناف التي تخوض معارك نيابة عنهم، حتى لا تبدو الجماعة تخوض صدامًا مع أحد.
هذه الحواضن سمّاها مرشد الإخوان الخامس، مصطفى مشهور، بـ”دوائر الربط”، التي يُجيد الإخوان تكوينها حول تنظيمهم، فكل عضو في التنظيم حوله عدد كبير من هذه الدوائر، قد تتم الاستعانة بها في أي انتخابات أو اضطرابات.
واستجابة “دوائر الربط”، التي يُكونها الإخوان حول التنظيم، لا تختلف كثيرًا عن استجابة دوائر الربط الكهربائية أو اللا سلكية، فكل منها سريع الاستجابة، وتم استنباط مفهوم دوائر الربط من مرشد الإخوان، الذي كان يعمل “مهندسًا للأرصاد الجوية”.
التغافل عن حواضن الإخوان/دوائر الربط خطر شديد، حيث تسعى الجماعة إلى الاستعانة بها في ظل الأزمات التي تعيشها، ولا مواجهة كاملة مع الإخوان دون مواجهة المنتفعين من الإخوان أولا.