خبراء: تحرك قوات الدعم السريع لإجهاض محاولة انقلابية خطط لها فلول نظام البشير
استيقظ سكان العاصمة السودانية الخرطوم، السبت، على مشاهد من المواجهات الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي تمددت سريعاً إلى الولايات لتروي مرحلة جديدة في تطورات هذا الصراع.
هذه المواجهات لم تكن مفاجئة، فهي بالنسبة إلى محللين سياسيين “فتنة” نُسجت خيوطها علانية في فضاءات المشهد السوداني بواسطة بقايا نظام البشير الإخونجي والتي تتهمها دوائر واسعة بالتورط في تأجيج الخلاف بين الأجهزة العسكرية وجرها إلى خيار الحرب.
وثمة شواهد يستند عليها خبراء في اتهامهم لاتباع الرئيس المعزول عمر البشير بالتسبب في الحرب الدائرة الآن بين الجيش والدعم السريع أبرزها تهديدات صريحة أطلقها الأمين العام المكلف للحركة الإسلامية علي كرتي في أول ظهور له الشهر الماضي، بأن تنظيمه لن ينتظر طويلا بعد الآن، في إشارة ضمنية إلى اتجاهه نحو العنف، وتبع تهديدات مماثلة من عناصر الإخونجية خلال إفطارات رمضانية في الخرطوم.
تحرك قوات الدعم السريع
وأجهض تحرك الدعم السريع السبت ما تردد بشأن محاولة انقلابية جديدة بمعرفة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والذي ظل يناور ويراوغ الفترة الماضية للتنصل من عملية تسليم السلطة للقوى المدنية وفقا للاتفاق الإطاري.
ويقول خبراء ومراقبون إن السودان أمام ربيع عسكري يمكن أن يفض الاشتباك بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع بعد أن أصبح وضع الجنرال البرهان صعبا في ظل معلومات متداولة حول وجود انقسام داخل الجيش، وممانعة بعض القيادات العسكرية لميوله ودعم تسليم السلطة للمدنيين، والقبول بتحرك قوات الدعم السريع.
ويضيف المراقبون أن عناصر كثيرة في الجيش أدركت أن الهدف من التسويف والمماطلة التي ظهرت ملامحهما في ممارسات قائد الجيش مؤخرا هو توفير فرصة لعودة فلول البشير والإخونجية من خلال تهيئة الأجواء لانقلاب عسكري.
التمهيد للانقلاب
وقال المحلل السياسي السوداني شوقي عبد العظيم إن ما يدور في السودان يرجع إلى أن أطرافا داخل الجيش كانت لديها رؤية مخالفة لما يجري في الفضاء السياسي العام، وهي من دفعت نحو الانزلاق إلى الصراع المسلح، وأن حديث بعض قيادات الجيش عن الهدوء والتفاهم لم يكن محل اتفاق داخل صفوفه.
وأشار عبد العظيم إلى أن استخبارات الدعم السريع رصدت تحركات مريبة منذ فترة تتجه إلى تمهيد الطريق نحو الانقلاب على اللعبة السياسية، وبدا أن الحديث عن التهدئة مجرد مراوغة ضمن الخداع الإستراتيجي الذي تتسم به الحروب.
ولفت عبد العظيم إلى أن كل طرف يحاول كسر قوة الطرف الآخر، ومن قام بإطلاق أول رصاصة قد لا يعلم كيف يُنهي الصراع الذي من المتوقع أن ينتقل من الخرطوم إلى مناطق أخرى، وأن التعويل يبقى على تدخل الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية والإقليمية لحث الطرفين على وقف القتال.
اتصالات مع الآلية الرباعية
وأجرت قيادة قوات الدعم السريع اتصالات مع الآلية الرباعية، المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، ومجموعة الوساطة المشكلة من ثلاثة من قادة حركات مسلحة، وهم: مالك عقار ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، وأطلعتهم على الأمر وما جرى من تطورات في الساعات الأخيرة.
وقدم كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع رواية متناقضة مع الآخر حول أسباب اندلاع الاشتباكات بين الجانبين، فقد أصدر مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش بيانا قال فيه “في مواصلة لمسيرتها في الغدر والخيانة حاولت قوات الدعم السريع مهاجمة قواتنا في المدينة الرياضية ومواقع أخرى”.
بينما أصدرت الدعم السريع بيانا جاء فيه “تفاجأت قوات الدعم السريع صباح السبت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل إلى مقر تواجد القوات في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم، وضربت القوات السودانية حصارا على القوات المتواجدة هناك ثم انهالت عليها بهجوم كاسح بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة”.
وأوضح الجنرال حميدتي في تصريحات إعلامية السبت “لن نتوقف إلا بعد السيطرة على كل مواقع الجيش، ولا أستطيع أن أحدد متى ينتهي القتال، فالحرب كرّ وفرّ”.
موقف القاهرة
وكان لموقف القاهرة من الأزمة بين البرهان وحميدتي أهمية كبيرة، وكان العديد من السودانيين ينتظرونه لمعرفة فحواه بعد أن راجت معلومات حول وجود طائرات مصرية في قاعدة مروي العسكرية في إطار تدريبات وتعاون بين جيشي البلدين قيل إنه يمكن أن تستخدم في الصراع العسكري بين القوتين السودانيتين.
وحسمت وزارة الخارجية المصرية هذا الأمر السبت عندما أصدرت بيانا قالت فيه “تتابع مصر بقلق بالغ تطورات الوضع في السودان على إثر الاشتباكات الدائرة هناك، وتطالب كافة الأطراف بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب الشقيق، وإعلاء للمصالح العليا للوطن”.
وعرضت مصر وجنوب السودان، يوم الأحد، الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد المواجهات المسلحة التي بدأت بينهما.
الخلاف داخل الجيش
وخشيت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن يكون العقد العسكري قد انفرط في السودان، بما يجعل من الصعوبة العودة إلى العملية السياسية، بعد أن وصلت الأوضاع إلى الصراع المسلح الذي لا يعلم أحد المنتصر فيه.
وأوضحت الطيب، أن ما حدث انتصار للثورة السودانية، لكن قد يمثل وبالاً على المكونات العسكرية، حيث برهن على مدى الخلاف الكبير داخل الجيش الذي كان يتّهم المدنيين بشكل مستمر بأنهم من يعرقلون عملية التحول الديمقراطي، وتأتي أهمية ما يحدث ليؤكد أن المؤسسة العسكرية لن تعود إلى الحكم.
وأكدت تماضر الطيب أن اشتباكات السبت هي بداية النهاية لكل الخارجين عن القانون داخل المؤسسة العسكرية، وسوف تقود إلى تصفية جديدة داخل قوات الجيش، وربما تكون لها تأثيرات سلبية على الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.
إجهاض الاتفاق الاطاري
ويؤكد المحلل السياسي محمد المختار محمد، إن “الإخونجية هم من يجرون الأوضاع في البلاد إلى حرب، لإجهاض الاتفاق الاطاري والعملية السياسية التي تؤدي في نهاية الأمر إلى حكومة مدنية، وخروج العسكريين من السلطة وممارسة السياسة”.
يضيف مختار “لا أحد في السودان لديه مصلحة في الحرب غير بقايا النظام البائد لقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي وتفكيك بنية تنظيمهم داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية”.
الهدف المحوري لتنظيم الإخونجية
ويرى الضابط المتقاعد في الجيش السوداني خليل محمد سليمان، أن الحركة الإسلامية سعت وعملت بجهد خلال الفترة الماضية لأجل جر البلاد الى الحرب بغرض الحيلولة دون الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي يعيد مسار الانتقال الديمقراطي وتشكيل سلطة مدنية جديدة.
ويضيف سليمان إن “الحركة الإسلامية معنية بشكل أساسي بما يدور في المشهد الحالي، فهي وصلت ما تصبوا اليه، وبعد أن فقدت رفاهية الخيارات كان لزاماً دخول معركة كسر العظم”.
بحسب الخبير العسكري، فإن الهدف المحوري لتنظيم الإخونجية ليس استعادة السلطة بالمعنى، بل خلق أوضاع فوضوية في السودان ليتسنى لهم التمتع بالامتيازات التي حصلوا عليها وضمان عدم محاسبة منسوبيه على الجرائم التي ارتكبوها خلال فترة حكمهم، ولكن في تقديره لن تمضي الأمور كما يشتهي أنصار البشير، فرغم الحرب ستنتصر إرادة الشعب السوداني.
في ذات المنحى يذهب الباحث السوداني في شؤون الجماعات الإرهابية عبد الواحد إبراهيم والذي يقول إن “الحركة الإسلامية سعيدة ومبتهجة بالحرب الدائرة اليوم، فهي تنظر إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي كخصم لدود ساهم بشكل أساسي في ابعادها عن الحكم وتراهن على كتائبها للقضاء عليه”.