خريف الإخوان.. زمن الانحسار والانكسار
لا أحد ينكر أن جماعة الإخوان الإرهابية تمر بأسوأ أوضاعها بنيويا وتنظيميا، وكذا على مستوى “التمكين”، الذي طرحه مؤسسها الأول، حسن البنا.
فلا الجماعة بقيت وِحدة متماسكة، ولا هي حققت مشروعها السياسي أو الفكري.
المدقق في وضع التنظيم الإرهابي يُدرك حجم التحولات، التي مرت بها الجماعة على الأقل في العقد الأخير، وأن مآلاته إلى زوال، خاصة وأن مشكلات التنظيم لم تقتصر على مجرد الخلافات السياسية أو حتى التنظيمية، رغم شراستها، ولكنها تتعدى إلى المشروع القيمي الغائب عن التنظيم، وهذا ما دفع كثيرا من الشعوب العربية إلى الثورة على التنظيم وألاعيبه.
سقطت الجماعة يوم أن فهمها الباحثون والكتّاب والمثقفون والسياسيون وأدركت الشعوب مهيّتها وكشفتها، فلا يمكن للمواجهة أن تؤتي ثمارها دون فهم ووعي لماضي التنظيم وحاضره وتحولاته، وما ينتوي القيام به من خطط مستقبلية، ما ساعد كثيرًا في هذه المواجهة.
لقد مكّن الكذب هذه الجماعة لبعض الوقت، ولكن الكذب نفسه أسقطها في نظر الشعوب أخيرا بعد عام 2011.. الأمر لم يستغرق سوى المعرفة التي مكّنت النّاس من وضع التنظيم في مكانه الحقيقي، حتى بات بعد ذلك سطرًا في كتب تاريخ تحكي عنه كما تحكي عن الفِرق الخارجة عن الإسلام وقوانين الدولة كالخوارج.
فالخوارج صاروا من التاريخ، كذلك الإخوان أشباههم سطر مشوه من سطور التاريخ في هذه المنطقة.
قراءة واقع الجماعة الإرهابية بشكل دقيق ربما يؤهلنا إلى مواجهة أقرب للواقع، وأكثر حسمًا مع بقايا التنظيم في كل مكان، فالجماعة لم تعد كما كانت، لكنها لم تنتهِ بشكل كامل، فقد تكون المرحلة الأخيرة للقضاء على ما تبقى من التنظيم والأفكار هي المرحلة الأهم والأخطر.. لذلك من المهم وضع برامج ترتبط بتفكيك أفكاره، التي طُرحت على امتداد وجوده منذ نشأته.
فالجماعة، التي تُعاني الانهيارات الداخلية والانقسامات البنيوية، سبق وتعرضت لمواجهات سابقة، صحيح لم تكن بحدة المواجهة الحالية، ولم تكن ذات صبغة شعبية، ولم ترتقِ إلى مستوى المواجهة الفكرية الحاصلة، استطاعت أن تعود بعدها للمشهد السياسي، وأعادت إنتاج نفسها في غفلة من الزمان، ولا يجب أن يحدث الآن ما حدث في اللحظة السابقة، خاصة أن كل الظروف ضدها، فضلا عن أنها غير مهيأة لمثل هذه العودة.
دراسة المراحل، التي مر بها تنظيم الإخوان الإرهابي ومحاولاته السابقة للعودة إلى المشهد السياسي، لا بد أن تكون مثار نقاش طويل وممتد للاستفادة من قراءة هذه التجارب، فلا أثر لأي مواجهة دون دراسة تاريخ التنظيم أولا ودراسة صور المواجهات السابقة بكل ما فيها من إيجابيات ومثالب.
ولعل ما حدث للإخوان بعد عام 2011 دليل على أهمية قراءة تاريخهم، فقد كرروا أخطاء ماضيهم وأكدوا تشككات الحاضر، فاختصروا على النّاس الوقت والصبر، وكانت نهايتهم على يد الشعوب، التي كانت العاصم الوحيد أمام شرورهم.
ما تشهده جماعة الإخوان الإرهابية حاليا داخل هياكلها التنظيمية ليس مجرد خلاف ينتهي، ولكنه صورة التنظيم الحقيقية التي تتهاوى.. تنكسر انكسار النهايات.