خطر الإرهاب وهشاشة الجماعات الإرهابية
الإرهاب أضعف من أن يصمد أمام ملاحقات وضربات أمنية متتالية، لكن يمكن للإرهابيين إعادة إنتاج نشاطاتهم في أشكال جديدة لا تلبث أن تُكشف، فيلجأ غيرهم إلى استبدالها، فإن أعيتهم الحيل يختبئون أو يكمنون. وقد ينتقلون إلى مواقع أخرى بحثاً عن فرصة إلى أن يُكشفوا مُجدَّداً. وهذا ما فعله عناصر تنظيم «داعش»، الذين فروا من سوريا والعراق في منتصف العقد الماضي، واتجهوا إلى منطقة الساحل والصحراء في غرب أفريقيا، حيث توجد جماعات تابعة لتنظيم «القاعدة» أيضاً.
الإرهاب، إذن، يَضعف وينكمش وينحسر، لكنه لا ينتهي تماماً. ولهذا تبدو غريبةً الاستهانةُ به الآن على الصعيد الدولي مقارنةً بما كان قبل عقد أو أقل. ففي الوقت الذي يزداد خطره في غرب أفريقيا، يشتد التنافس بين بعض الدول الكبرى على هذه المنطقة تحت شعار مواجهته، بدل تشكيل تحالف دولي قوي على نحو ما حدث عام 2015. ومع نشوب صراع مسلح جديد في السودان، لابد أن يزداد القلق من أن يجد الإرهابُ موطناً له هناك، ويتمكن من إقامة قوس يمتد من غرب القارة إلى شرقها.
تعاظم الأخطار
لكنها الاستهانة التي تؤدي إلى تعاظم الأخطار. استهانةُ يبدو أنها لا تقتصر على الإرهاب الحركي، بل تشمل منابعه الفكرية أيضاً باستثناء جهود تقوم بها بعض الدول في منطقتنا، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة. فأهم عوامل استمرار الإرهاب في حالة هزيمته أنه يَنهل من مخزون عنف تُغذِّيه تفسيراتٌ وتأويلات مغلوطة لنصوص دينية وفقهية. ولهذا تبدو الاستهانةُ بأكبر مخزن لهذا العنف في الوقت الراهن مثيرةً للدهشة. مخزن عنف مهول في مخيم الهول، وما أدراك ما هذا المخيم الكائن في بلدة الهول تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (أو «قسد») في شمال شرق سوريا. حوالي 55 ألف شخص ما زالوا في هذا المخيم الضخم الذي احتُجزوا فيه عقب سقوط آخر معاقل «داعش» بمحافظة دير الزور السورية في مارس 2019.
وليس من العقل في شيء التعامل مع هذا الخطر بطريقة دفن الرؤوس في الرمال. انغماس الجماعة التي تسيطر على المخيم في معارك طول الوقت يَشغلها عن متابعة أوضاعه بدقة. الحملات الأمنية التي تقوم بها قواتها من وقت لآخر لا تُقلَّل الخطرَ، ولا تزعزع ولاءَ مَن حافظوا على انتمائهم للتنظيم. وعملية إعادة المحتجزين في المخيم إلى الدول التي يحملون جنسياتِها تَسير ببطء شديد. فلم يُعَد خلال أربع سنوات سوى نحو 15 ألفاً، أي أقل من 20 في المائة ممن احتُجزوا في 2019.
ويتطلب تفكيك هذه القنبلة الموقوتة تعاوناً دولياً جاداً لإجراء فرز شامل ودقيق للتمييز بين مَن يصرون على الولاء للتنظيم ومَن تراجعوا، لتحديد مَن تتعين محاكمتهم ومعاقبتهم، ومَن تمكن إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع. وما لم يحدث ذلك، سيبقى خطر توسع الإرهاب مرة أخرى مُحلّقاً فوقنا.