رئيس السلطة الفلسطينية يٌعزل شعبياً
العدوان على غزة أخرجه من المشهد السياسي
توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، بعد أن أودى بحياة نحو 250 فلسطينيا، وأصاب ما يزيد على 1900 آخرين بحسب القارير الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، وتدمير المباني التجارية والأبراج السكنية والمنازل الخاصة أو إلحاق أضرار بها في ذلك الجيب الساحلي الصغير.
وفي حين أن ميزان القوى العسكري يميل بوضوح لصالح إسرائيل، وهي قوة عسكرية متفوقة، شعر العديد من الفلسطينيين بأن الجولة الأخيرة من الصراع جلبت لهم نصرا أعاد إليهم بعض الأمل لمواجهة الآلة الحربية الإسرائيلية وسياسة الاستيطان والترويع والعنف، في الوقت الذي لم تسفر فيه المفاوضات السلمية والدبلوماسية التي تتبناها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس عن أي شيء يذكر.
من الإحباط إلى النصر
أول مرة منذ فترة طويلة، شعر الفلسطينيون بأنهم أظهروا استياءهم من التجاوزات الإسرائيلية بدلا من مكوثهم صامتين في انتظار أن ينتبه العالم لذلك. اتحدوا ليس فقط في غضبهم من استخدام إسرائيل غير المتناسب للقوة ضد سكان غزة ولكن أيضا في دعمهم لرد حماس على إسرائيل.
ورأى الفلسطينيون وابل الصواريخ الذي تم إطلاقه على إسرائيل على أنه رد مناسب من قبل شعب ساخط، وليس استفزازا. ومع انتهاء المعركة دون تنازل أي من الطرفين، احتفل الآلاف من الفلسطينيين بالنصر.
واعتبر خبراء ومتابعون أن أولئك داخل الأراضي المحتلة وكذلك أولئك الذين يعيشون كمواطنين إسرائيليين داخل إسرائيل، يرحبون بتنظيم حملة موسعة للمقاومة المسلحة لتكثيف نضالهم من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضد الفصل العنصري المزعوم من قبل إسرائيل.
وأعرب العديد ممن تحدثت معهم مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عن سأمهم من انتظار المحادثات أو الاتفاقات التي تؤدي إلى فصل الدولة على طول الحدود كما تم تحديدها حتى عام 1967 قبل ضم إسرائيل للقدس الشرقية. وقالوا إنهم سيدعمون انتفاضة مسلحة فقط لتذكير إسرائيل بأنهم لم يتخلوا عن حقهم في تقرير المصير ولن يقبلوا أبدا بالوضع الراهن الذي ترغب إسرائيل في فرضه عليهم كأمر واقع.
هذه الإحباطات التي يعايشونها تتمثل في إسرائيل التي تريد إدارة الصراع بدلا من حله، وأيضا في رئيسهم محمود عباس الذي يرى معظم الفلسطينيين أن أدائه ضعيف وغير فعال، فيما يؤكد المتابعون أن النزاع الأخير قاد إلى إضعاف الرئيس عباس.
فقدان النفوذ
وأظهر التصعيد الأخير في الأراضي الفلسطينية بين حماس وإسرائيل أن عباس أصبح غائبا عن المشهد الفلسطيني بشكل كامل، فيما تشير أوساط فلسطينية إلى أن أبومازن فقد نفوذه فلسطينيا بعد تأجيل الانتخابات إلى أجل غير معلوم، وهي خطوة باعدت بينه وبين حماس من جهة، ومن جهة ثانية أفقدته تأثيره في حركة فتح التي صارت مقسومة إلى أجنحة وتكتلات بعد عجز رئيس السلطة عن استيعاب خصومه واضطراره إلى فصل القيادي ناصر القدوة من عضوية الحركة ليتشكل جناح قوي من تحالف بين ناصر القدوة ومروان البرغوثي يضاف إلى جناح أكثر حضورا هو جناح التيار الإصلاحي بزعامة محمد دحلان.
وحسب روبرت فورد السفير الأميركي السابق لدى سوريا والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن لا يملك أيّ من الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن حلا لمشكلات القيادة الفلسطينية، ومن دون وجود قيادة فلسطينية قوية ستزداد صعوبة جهود الوساطة الأميركية كثيرا، بل وربما تصبح مستحيلة. ومن الممكن أن يبذل الأميركيون الكثير من الجهود ويقضون الكثير من الوقت من دون الوصول إلى حل.
وزادت جولة الصراع الأخيرة من تراجع شعبية عباس، بينما من المتوقع أن تزداد شعبية حماس، وفيما يشك البعض في أن المزيد من الشباب يمكنهم الاستجابة لنداء حركة حماس لحمل السلاح إذا شعروا بأنه ليس لديهم خيارات أخرى ولا شيء يخسرونه في مواجهة عدوهم التاريخي، يعتقد آخرون أن الأزمة أعطت زخما لحركة فتح التي يتزعمها عباس، أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية متعددة الأحزاب، وحماس لتوحيد جبهة المقاومة الفلسطينية وإعادة تنظيمها.
عباس المعتدل
فضلت إسرائيل والولايات المتحدة عباس، المعتدل من وجهة نظرهما، ليحل محل ياسر عرفات، وهو شخصية مثيرة للجدل في الغرب لكنه زعيم يتمتع بشرعية بلا منازع في المجتمع الفلسطيني ويحظى بشعبية قوية وهو في نظر غالبية الفلسطينيين رمزا للنضال والصمود.
وبعد وفاة عرفات في العام 2004، تم اختيار عباس بالفعل كزعيم لحركة فتح، وفي ديسمبر من ذلك العام أثناء ترشحه للرئاسة الفلسطينية، دعا إلى إنهاء العنف في الانتفاضة الثانية، وهي انتفاضة مستمرة منذ العام 2000. ومنذ ذلك الحين، بينما تخوض حماس المتمركزة في غزة حروبا صغيرة بشكل متقطع مع إسرائيل، كان النهج الأوسع للسلطة الفلسطينية بقيادة عباس، والذي يعتبره المجتمع الدولي ممثل الشعب الفلسطيني، هو الدخول في مفاوضات مع إسرائيل والغرب لحل الأمور سلميا.
لكن لم تؤد المحادثات إلى أي نتيجة، وإذا كان هناك أي أمل من الممكن أن يتشبث به الفلسطينيون، فقد تم القضاء عليه من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، المدينة المقدسة المتنازع عليها، في عام 2018.
ومع اقتحام الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى في رمضان الماضي، كانت تلك نقطة التحول، حيث أطلقت حماس الصواريخ ردا على ذلك، وشعر العديد من الفلسطينيين بالوحدة والقوة.
وأكد طيف واسع من الشارع الفلسطيني أن سياسة الخنوع والمفاوضات التي يتبناها عباس لم تكن مجدية منذ سنوات، معتبرين أن التفاوض الذي لا نهاية له أو المطالبة بعقد المفاوضات ليس فقط عبثا ولكنه مهين أيضا.
ويتوقع خبراء فلسطينيون أن يرتفع رصيد حركة حماس في أعين الفلسطينيين في أعقاب الصراع الأخير، وأن عباس سيفقد المصداقية المتبقية لديه.
يأس من عملية السلام
وأوضح علي الجرباوي، الوزير السابق في حكومة السلطة الفلسطينية والمحلل السياسي، أن اليأس من عملية السلام البائدة بين الناس كان ملموسا ومن المتوقع أن يزيد الدعم لحركة حماس.
وقال الجرباوي “أعتقد أنه سيكون هناك المزيد من الدعم للمقاومة المسلحة لحماس، لأن الفلسطينيين المعتدلين مثل عباس ليس لديهم شريك جيد في إسرائيل. حماس ستحشد المزيد من الناس، نعم بالتأكيد. لكن ما هي خياراتنا؟ لا توجد طريقة أخرى غير المقاومة المسلحة. لا أمل في المفاوضات، فهي عملية لا نهاية لها. المقاومة المسلحة أعطت الناس أخيرا بعض الأمل”.
ورأى مصطفى البرغوثي، وهو سياسي فلسطيني يشغل منصب الأمين العام لحزب سياسي يدعى المبادرة الوطنية الفلسطينية وعضو في المجلس التشريعي الفلسطيني منذ عام 2006، إنه بعد الأزمة الأخيرة وجد الفلسطينيون المقاومة العسكرية أكثر نجاحا من الدبلوماسية.
وقال البرغوثي “آخر ما يريد الناس رؤيته هو تكرار الماضي، الاتفاقات المؤقتة، وما شابه. نحن بحاجة إلى أن نقرر ما يجب أن تكون عليه استراتيجيتنا السياسية وأي شكل من أشكال النضال، سواء أكان مسلحا أم سلميا يجب الاستعانة به ومتى. اتفق الجميع على استخدام المقاومة الشعبية اللاعنفية ولكن أيضا المقاومة العسكرية عندما يكون ذلك دفاعا عن النفس”.
ويقول آخرون إن عباس البالغ من العمر 85 عاما ليس لديه ما يدعو إلى القلق وسيظل رئيسا مدى الحياة، حيث لم يتم إعداد أي شخص لتوليه أو تحديه. وكان عباس قد أرجأ الانتخابات تحت ذريعة أن إسرائيل لم توافق على إشراك الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية في التصويت.
ويعتبر مروان البرغوثي،، الذي يُنظر إليه على أنه زعيم الانتفاضتين الأولى والثانية، منافسا قويا، ووفقا لاستطلاع للرأي أجراه مركز القدس للإعلام والاتصالات، كان سيحصل على أصوات أكثر من عباس لو كانت الانتخابات قد تمت. لكنه يقبع الآن في سجن إسرائيلي، محكوم عليه بخمس أحكام بالسجن المؤبد بالإضافة إلى 40 عاما، كما يشكل محمد دحلان الذي يتزعم تيار “الإصلاح الديمقراطي” منافسا قويا لعباس في حال قرر الترشح للانتخابات.
عباس خارج المعادلة
وفيما يجمع المتابعون على أن حرب غزة الأخيرة أخرجت عباس من المعادلة وأضعفت حضوره وشعبيته، مقابل ارتفاع شعبية حماس، إلا أن الأخيرة مازالت تتعرض لانتقادات حادة داخليا وخارجيا، بسبب أيديولوجيتها وخضوعها لإملاءات النظام الإيراني الذي يوفر لها الدعم المالي والعسكري على مدى سنوات طويلة.
ويستنتج المتابعون أن المستجدات ستكشف ما إذا كان الفلسطينيون سيختارون فعليا المقاومة المسلحة أو إذا كان هذا الدعم الغاضب سوف يتلاشى وأنه مجرد تفاعل عاطفي مؤقت أعقاب أحداث العنف الأخيرة.
لكن مما لا شك فيه فإن الدعم الشعبي الفلسطيني لصورايخ حماس أظهر مدى اليأس الذي يشعرون به من الدبلوماسية وسياسة المفاوضات التي تتبناها السلطة في رام الله والتي فشلت إلى اليوم في تغيير المسار.