رئيس حكومة تونس الجديد تحت الضغط
لم يكد رئيس الحكومة التونسية الجديد أحمد الحشاني يتسلم منصبه حتى تحول إلى هدف للانتقادات من كل اتجاه.. لم يعد أحد يميز بين من ينتقدونه لكونهم معارضة لا يعجبهم العجب، وبين من ينتقدونه لمجرد الانتقاد، وهي المهنة التي باتت رائجة في البلاد منذ ثورة 2011، ويطلق فيها الناس سهامهم بمنطق الكل ضد الكل.
وضع الناس الرجل تحت الضغط من اللحظة الأولى، وبدؤوا يبحثون عن السلبيات قبل أن يتكلم أو يقول أيّ شيء سلبا أو إيجابا.
من اللحظة الأولى للإعلان عن التعديل الذي خلف فيه الحشاني نجلاء بودن على رأس الحكومة امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمفردات سلبية وتوصيفات تهدف إلى التقليل من قيمة الرجل وقدرته على لعب دور مّا في إخراج تونس من الأزمة وفق التكليف من الرئيس قيس سعيد.
الخطة الأولى في الحملة تعتمد على مصادرة ما قبلية، أي بمنطق هذا على الحساب قبل أن أقرأ الكتاب.. انتقاد من دون سماع الرجل وأفكاره.. ما له لا يتحدث ولم نسمع منه أفكارا. ومن أين جاء؟ وهو من خارج الطبقة السياسية، وكأن هذه الطبقة لم تكن السبب في ما وصلت إليه البلاد من فوضى وأزمات متعددة الأوجه ما يزال الناس يعانون منها.
وبحثت ماكينة الانتقاد في حساب الرجل على فيسبوك، ولقطوا تدوينات بشأن مواقف شخصية له في قضايا تفصيلية، بعضها سياسي يتعلق بلحظة انتخابات 2019 وخلافه مع الإسلام السياسي، وموقفه من قيس سعيد، ومن فرق كرة القدم.
في العالم المتحضر لا يتم الحكم على المسؤولين من مواقفهم الشخصية، ومن تدوينات وتغريدات في هذا الموقع أو ذاك. يتم التقييم وفق إمكانيات المسؤول وشهاداته ومدى قدرته على ملء المنصب.
كان المفروض أن نترك بعض الوقت ليجهّز أفكاره ويفهم ما يجري في الدولة، خاصة أن الوضع معقد والأزمة تطال أغلب القطاعات، ولا يمكن أن يتحدث لتسجيل الحضور، وهو ما بدأ به في الأيام الأخيرة من خلال لقائه بعدد من الوزراء لفهم أزمة الخبز والصعوبات التي تواجهها المالية العمومية.
المفارقة أن النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي يريدون من الرجل أن يظهر سريعا ويتحدث، ولديهم تجارب سلبية سابقة مع من كانوا يتحدثون صباح مساء بمناسبة ودونها، لكنهم فشلوا في إدارة الدولة وأورثوا من بعدهم أزمات معقدة.
إن الدولة لا تحتاج إلى من يتحدث أكثر بل إلى من يفعل خاصة حين يكون تكنوقراطا مهمته استنباط الحلول وتنفيذ الخطط لإخراج البلاد من أزمات مركبة.
وفي مواجهة الحملة المنظمة ضد تكليف الحشاني برئاسة الحكومة، دعا حراك 25 يوليو المساند للرئيس سعيد إلى إفساح المجال أمام الحشاني للعمل قبل البدء في تقييمه أو وضعه “تحت ضغوطات نقابية”.
وقال الحراك “لم يتم إعطاء فرصة لرئيس الحكومة الجديد، وبمجرد تعيينه بدأت الانتقادات، لا يمكن تقييمه إلا بعد مرور 90 يوما”.
هناك تقاليد في السياسة يفترض أن يلتزم بها الجميع أو يأخذونها في أيّ تقليد، وهي أن النظام الرئاسي يتيح للرئيس أن يختار رئيس الحكومة ويكلّفه، وهو من يتابعه ويعدل له خططه ويصوّب أخطاء حكومته، لأن الرئيس سيكون مسؤولا عن خياره أمام الناس، فنجاح رئيس الحكومة نجاح له، وفشله سيعتبر فشلا له، وتؤثر نتيجة ذلك على شعبيته في الانتخابات القادمة.
كما أن التقاليد تقول إن أيّ رئيس حكومة يحتاج في حد أدنى إلى فترة ثلاثة أشهر لتقييم الخطوات الأولى لحكومته ووزرائه والحكم لها أو عليها. لكن في تونس بدأ التقييم قبل أن يتكلم الرجل وقبل أن يتسلم مهامه بشكل فعلي، وقبل أن يختار وزراء جددا لمعاونته أو يقرر الإبقاء على الحاليين.
يمكن أن نفهم التقييم السلبي للمعارضة، وهو تقييم مرتبط بالموقف من الرئيس سعيد، وليس من الشخص حتى وإن كان الكلام موجها له مثل ماء جاء على لسان رئيس جبهة الخلاص نجيب الشابي حين قال إن “الحشاني، الذي اختاره قيس سعيد لتعويض نجلاء بودن نكرة تامة ولم يسمع به أيّ تونسي”، متسائلا “أيّ رؤية وأيّ برنامج للحشاني؟”.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن رئيس الحكومة في النظام الرئاسي ليس أمّة برأسه، وهو لا يضع لنفسه برنامجا معلقا في الهواء، فهو يأتي وفق برنامج الرئيس سعيد ومطلوب منه التنفيذ، وقد حدد له الرئيس مهمة واضحة هي إصلاح الإدارة من الداخل وضرب اللوبيات التي تعرقل خطط الدولة وتعمل على إثارة الاحتقان ضدها.
قال قيس سعيد في موكب تعيين رئيس الحكومة الجديد إن من أهم التحديات مواجهة “إرهاب الكرتلات”، في إشارة إلى لوبيات الإدارة التي تقف وراء أزمة النقص في عدد من المواد الاستهلاكية بالأسواق.
الرئيس يعتقد أن أزمة الخبز والكهرباء والماء التي هزت الشارع التونسي قبل أسبوعين لا تتعلق بأزمة تمويلات ولا عملة صعبة، ولا بندرة السلع، ولكن بوجود أياد خفية تلعب بهذه المواد الحساسة لإرباك السلطة وتحريك الشارع ضدها بعد أن فشلت تلك الأيادي في تحركات سياسية سابقة في لفت نظر الناس أو كسب تعاطفهم.
فهل يمكن أن نطلب من رئيس حكومة جاء لمهمة واضحة حددتها جهة التكليف أن يحل مشكلات أخرى تطالب بها المعارضة أو النقابات؟ مع العلم أن صيغة التكليف تحدد مربع تحرك الرجل بأن تجعل منه شخصية تنفيذية وليس رجل سياسة يمكن أن يطرح من مهامه محاورة المعارضة أو فتح قنوات حوار مع اتحاد الشغل خارج ما تتطلبه مهمته.
اتحاد الشغل عاد ليلوّح برغبته في الحوار مع الحكومة في مسعى لاختبار موقف الحشاني، فهل هو مستعد لذلك أم يحتاج ضوءا أخضر من الرئيس سعيد؟
تساءل الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي بشأن رئيس الوزراء الجديد “هل سيكون منفتحا على مختلف المكونات الموجودة في البلاد من أجل التغلب على المصاعب والتحديات؟”.
هل الطبوبي غافل عن فكرة أن الحشاني ليس هو صاحب القرار في فتح قنوات التواصل مع اتحاد الشغل خارج نطاق التفاوض بشأن قضايا الوظيفة العمومية، أي خارج مربع التفاوض التقليدي بين سلطة إشراف والنقابة؟
أم أن هذا التصريح هو نوع من الضغط الاستباقي على رئيس الحكومة في وقت كانت رسالة الرئيس سعيد قد وصلت إلى الاتحاد بمناسبة موكب تعيين الحشاني حين أعلن أن زمن الإضرابات القطاعية العبثية قد انتهى، وأن أسلوب ليّ ذراع الحكومات بالإضرابات المفاجئة والمطالب التعجيزية لم يعد ممكنا.
ونقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء، الوكالة الرسمية، عن الرئيس سعيد قوله “من الواجب وقف التواكل والوقفات الاحتجاجية والقطاعية وتعطيل عمل المستشفيات أو المدارس (…) هذه الظاهرة انتشرت بعد 2011، وتم احتواء المد الثوري عبر المنح والمقاربات القطاعية والمفاوضات، وكأن الدولة تدار بمحاضر الجلسات”.
إن التعامل مع الحشاني يجب أن يتم وفق مربع التكليف الذي وضع له، وهي الرسالة التي لا تريد المعارضة ولا اتحاد الشغل أن يفهماها، وأن القضايا الخلافية الكبرى ستظل بيد الرئيس سعيد دون سواه.