زيارة دون ضجيج… ماذا يفعل وزير الخارجية الصيني في مصر؟
اختتم وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ، جولته في القارة الإفريقية وشملت خمس دول هي إثيوبيا والغابون وأنغولا وبنين بزيارة للعاصمة المصرية القاهرة يوم الأحد 15 يناير/كانون الثاني، والتقى غانغ نظيره المصري سامح شكري وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وعقد لقاء ثنائيا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تحمل تلك الزيارة إلى العاصمة العربية الوحيدة في جولة وزير الخارجية الصيني الإفريقية دلالات كبيرة من حيث التوقيت والظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط ومصر تحديدا. فلماذا مصر وما هي أهداف بكين من توثيق عرى الروابط مع القاهرة؟ وبماذا ستستفيد القاهرة من علاقاتها مع بكين؟
تعد تلك الزيارة الثالثة من نوعها لوزير خارجية صيني للقاهرة في السنوات الأربع الماضية، والرابعة لمقر جامعة الدول العربية في مصر. كما تأتي هذه الزيارة بعد شهر تقريبا من انعقاد القمة العربية الصينية في السعودية في ديسمبر/كانون الأول 2022 والتي شارك فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتقى على هامشها بالرئيس الصيني شي جينبينغ، وهو ما يوحي بأهمية الملفات التي يبحثها الطرفان وتستدعي لقاء آخر في مدة قصيرة.
علاقات اقتصادية قوية
يقول اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، على موقع المركز إن مصر والصين تربطهما علاقات اقتصادية قوية حيث إن التبادل التجاري بين الجانبين قد وصل إلى نحو 20 مليار دولار خلال العام الماضي فقط إضافة إلى الحجم الكبير للاستثمارات الصينية في مصر.
فيما يشير إيمانويل فيرون، أستاذ الجغرافيا السياسية والمتخصص في العلاقات الصينية والدولية المعاصرة في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية (إينالكو)، إلى أن العلاقة مع مصر كانت دائما وأبدا مهمة للصين، وهذا هو الحال منذ عهد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.
ومن وجهة نظر بكين، تتمحور هذه العلاقة حول مكانة مصر في العالم العربي الإسلامي والشرق الأوسط كفاعل سياسي واستراتيجي مهم في المنطقة. بالنسبة لبكين، تعد مصر “بوابة” للحوار مع العالم العربي الإسلامي بأكمله ودول الشرق الأوسط. علاوة على أن مصر تحتل موقعا استراتيجيا مهما على طرق التجارة الأوروبية الآسيوية الرئيسية بامتلاكها قناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر والمحيط الهندي.
لا شك أن القمة العربية الصينية الشهر الماضي كان لها، كما يقول الدويري، تأثيراتها الإيجابية على العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية إجمالا، وهو ما يصب بدوره في مصلحة الاقتصاد المصري المنفتح على العالم والذي يهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتقديم كافة التسهيلات الممكنة التي توفر المناخ الملائم للمستثمرين، متوقعا أن تشهد العلاقات الثنائية بين مصر والصين تطورا ملحوظا خلال الفترة القادمة.
110 ملايين مستهلك
لا يجب إغفال أن القاهرة تمثل أهمية اقتصادية كبيرة للصين بوصفها سوقا يضم 110 ملايين مستهلك، إضافة لأكثر من مليار مستهلك يقطنون في الدول التي تتمتع فيها السلع المنتجة في مصر بمعاملة تفضيلية، مثل دول الاتحاد الأوروبي والكوميسا (السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا) والدول العربية والولايات المتحدة. كما إن مصر هي همزة الوصل عبر قناة السويس بين أسواق غرب آسيا وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا والتي تمثل نقطة ارتكاز في مشروع طريق الحرير البحري الصيني.
والعلاقة مع الصين هي وسيلة لمصر في سعيها لإقامة روابط قوية مع ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. وتتمثل الدوافع الرئيسية للقاهرة في فرص التكامل الاقتصادي والتجاري مع بكين. كما إنه من المهم لمصر إقامة علاقات دائمة مع الصين.
ومع كون هذه العلاقة مهمة كما يقول إيمانويل فيرون لفرانس24، لكنها ليست بهذا القدر من الأهمية من وجهة نظر بكين، ولكن بالأحرى من وجهة نظر القاهرة. فهي نوع من الشراكة غير المتكافئة. فالقوة الضاربة لمصر أقل بكثير من قوة الصين على الصعد التجارية والاقتصادية أو حتى الدبلوماسية والعسكرية.
لكنها علاقة تشكلت خلال الحرب الباردة، والمنافسة في ذلك الوقت بين بكين والاتحاد السوفيتي، ولا تزال مستمرة إلى اليوم. كما إنه من المهم أن يكون لدى الصين هذه البوابة إلى العالم العربي الإسلامي من خلال إقامة حوار عن كثب وتعزيز العلاقات مع مصر، بغض النظر عن أية حكومة تحكم البلاد.
فالصين كانت دائما قريبة من مصر سواء في حقبة مبارك أو حتى عندما كان الإخوان المسلمون في السلطة لبضعة أشهر (بعد ثورة يناير عام 2011 – أسرة التحرير)، والآن قريبة من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي لكل تلك الأسباب الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية.
العملة الصعبة الأجنبية
يقول إيمانويل فيرون إنه من الناحية الهيكلية فإن مصر لا تمر بظروف جيدة هذه الأيام، وأن الصين تلعب دورا كبيرا في توفير العملة الصعبة الأجنبية (الدولار واليورو) للحكومة المصرية التي يعاني اقتصادها من أزمة عميقة تتمثل في تدهور قيمة العملة المحلية الجنيه وفقدانها لأكثر من 50 بالمئة من قيمتها في الشهور الأخيرة. لذا تسعى مصر للاستفادة محاولات الصين تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية لتستقطب قدرا من الاقتراض منها لتعويض النقص في الدولار. فالصين باتت تشكل المصدر الثالث للدين الخارجي المصري بنحو 7,5 مليار دولار. كما تحاول القاهرة الحصول على موافقة بكين لإصدار سندات باليوان الصيني قيمتها نصف مليار دولار.
وطبقا لأرقام وبيانات السفارة الصينية بالقاهرة، فقد صمدت التجارة بين الصين ومصر في عام 2020 أمام اختبار وباء فيروس كورونا وأظهرت نموا مطردا، بحيث يمكن التأكيد معه على اعتبار الصين لا زالت هي الشريك التجاري الأكبر لمصر. فوفقا لإحصاءات الجمارك الصينية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2020 نحو 12,895 مليار دولار، بزيادة قدرها 10٪ على أساس سنوي. وأشارت السفارة الصينية إلى أن الصين تدعم مصر في إنشاء مركز إقليمي للطاقة وتأمل في زيادة واردات الطاقة من مصر.