سقوط مرشح النهضة في الجولة الأولي من الانتخابات التونسية
الشاهد شاركه الهزيمة والرجل الآلي يتصدر النتائج
تستيقظ تونس مهد الربيع العربي صباح اليوم الإثنين على وقع “زلزال انتخابي” أفضى مبدئيّاً وبانتظار النتائج الرسميّة إلى انتقال مرشّحَين “ضدّ النظام” إلى الدورة الثانية للانتخابات الرئاسيّة، وهو حدث من شأنه أن يثير ردود فعل واسعة.
واستنادًا إلى مؤسّستَي “سيغما كونساي” و”ايمرود” لاستطلاعات الرأي، حل قيس سعيّد أوّلاً بـ19 بالمئة من الأصوات، يليه نبيل القروي بـ15 بالمئة.
ويُرتَقب أن يطفو على السطح جدل قانوني بخصوص تواصل توقيف القروي ومنعه من القيام بحملته.
وقال مساعد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف ابراهيم بوصلاح في حديث لوكالة “فرانس برس”، تعليقاً على إمكان فوز القروي “إنّها القضيّة الأولى من نوعها في تونس. يجب أن أقول هنا إنّنا سنكون أمام فراغ، في حال فوزه، سنكون في مأزق قانوني”.
يُلقّب أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد بـ”الروبوكوب (الرجل الآلي)”، فهو يتحدّث بلا توقّف، حرصاً على أن تكون حملته معتمدةً على التّواصل المباشر مع الناخبين، وقد استطاع الانتقال إلى الدورة الثانية متصدّرًا نتائج استطلاعين للرأي.
اللغة العربيّة لا تُفارقه. يستضيفه الإعلام التونسي كلّ ما كان هناك سجال دستوري في البلاد، خصوصاً بين عامي 2011 و2014، ليُقدّم القراءات ويوضح مَواطن الغموض من الجانب القانوني.
ظهر سعيّد (61 عاماً) الأب لثلاثة أبناء في عمليّات سبر الآراء في الربيع الفائت، وتحصّل على ترتيب متقدّم فيها، وبدأ يلفت الانتباه إليه تدريجيّاً.
اعتمدت حملته على زيارات أجراها في الأسواق والأحياء الشعبيّة، وناقش مع التونسيّين مشاكلهم ومطالبهم وجهاً لوجه.
يُقدّم برنامجاً سياسيّاً يستند فيه على إعطاء دور محوريّ للجهات وتوزيع السُلطة على السلطات المحلية عبر تعديل الدستور.
وقال في تصريحات إعلاميّة “لستُ في حملة انتخابيّة لبيع أوهام والتزامات لن أحقّقها”.
وتابع “الوضع اليوم يقتضي إعادة بناءٍ سياسيّ وإداري جديد، حتّى تصل إرادة المواطن. فهو يخلق الثورة للاستفادة منها”.
وأكّد المرشّح المستقلّ الذي لا يلقى أيّ دعم من الأحزاب التونسيّة “علينا أن ننتقل من دولة القانون إلى مجتمع القانون…”. وأضاف أنّ “شعار +الشعب يريد+” يعني أنْ “يُحقّق الشعب ما يريد”.
ورأى مراقبون أنّ سعيّد سيهمش ويقصى من السباق، لضعف الدعم وتواضع الموارد التي يمتلكها.
وهو لم يقُم بأيّ اجتماع حزبي وجاب العديد من الأماكن الشعبية. وأوضح في هذا السياق، في تصريح لراديو “شمس إف إم” (الخاصّ) “أنا مرشّح مستقلّ ولا أمثّل أيّ حزب… أقوم بحملتي بوسائلي الخاصّة وأرفض كلّ دعم”. تُسانده في ذلك مجموعة من طلبته ومن الشباب المتطوعين.
يُدافع سعيد عن أفكار ومواقف محافظة، بنبرة الأستاذ الذي يُقدّم محاضرة.
وتصنّفه منظّمة غير حكوميّة بين المرشّحين المحافظين جدّاً، في ما خصّ مواضيع رفع عقوبة الإعدام وإلغاء عقوبة المثلية الجنسيّة.
كما عبّر سعيّد عن رفضه مبدأ المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وهو من المسائل الشائكة التي تُثير جدلاً واسعاً في تونس. وهو قال إنّ “القرآن واضح” في هذا السياق.
وظَهر المرشّح في لقاء مع رضا بلحاج القياديّ في حزب “التحرير” السلفي المحظور، وعقّب بالقول إنّه حرّ في مقابلة أيّ شخص.
وتساءل “هل من المفروض أن أطلب ترخيصاً قبل مقابلة أيّ شخص؟ وفي النهاية، لم ألتق شخصاً خارجاً على القانون”.
والقروي البالغ من العمر 56 عاما هو مؤسّس قناة “نسمة”، وقد ترشّح للانتخابات الرئاسيّة بعد تأسيسه حزب “قلب تونس”. ومن خلال سَعيه إلى توزيع إعانات وزيارته المناطق الداخليّة من البلاد، بنى المرشّح ورجل الإعلام مكانةً سرعان ما تدعّمت وأصبح يتمتّع بقاعدة انتخابيّة لافتة.
وقرّر القضاء التونسي توقيفه قبل عشرة أيّام من انطلاق الحملة الانتخابيّة على خلفيّة تُهم تتعلّق بتبييض أموال وتهرّب ضريبي، إثر شكوى رفعتها ضدّه منظّمة “أنا يقظ” غير الحكوميّة في العام 2017.
عندها، قرّر القروي الدّخول في إضراب عن الطعام من سجنه، بينما تولّت زوجته سلوى سماوي وعدد من قيادات حزبه “قلب تونس” مواصلة حملاته.
ومن شأن هذا الواقع الجديد، إذا ما أكّدته الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، أن يزيح طبقة سياسيّة موجودة منذ ثورة 2011، وأن يضع البلاد في حالة من عدم اليقين. وتُعلن الهيئة النتائج الأوّلية غدا الثلاثاء.
وانتقد حزب “النهضة” ذو المرجعيّة الإسلاميّة والذي قدّم للمرّة الأولى في تاريخه مرشّحًا من صفوفه للانتخابات الرئاسيّة، نتائجَ استطلاعات الرأي بعد التصويت.
وقال سمير ديلو، الناطق الرسمي باسم حملة عبد الفتاح مورو في مؤتمر صحافي عقده عشية يوم أمس الأحد، إن “الجهة الوحيدة المخوّل لها تقديم النتائج هي الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات”.
بدوره، اعتبر رئيس الحكومة الذي حلّ بعيدًا في نتائج الاستطلاعات (بين الترتيب السابع والثامن) أنّ نسبة العزوف المسجّلة “رسالة وجب التقاطها”.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة الأحد بلغت 45,02% وقد دُعي إليها أكثر من سبعة ملايين ناخب.
وقال رئيس الهيئة نبيل بفون في مؤتمر صحافي، إنّ “النسبة مقبولة وكنّا نأمل أن تكون أكبر”.
ويرى الباحث السياسي حمزة المدب أنّ هذا يُشكّل إشارةً إلى “استياء عميق ضدّ طبقة سياسيّة لم تحقّق المطالب الاقتصادية والاجتماعية”.
وطرح الصراع الانتخابي في العام 2019 معادلةً جديدة تقوم على معطى جديد إثر ظهور مرشّحين مناهضين للنظام الحالي، ما أفرز وجوهاً جديدة استفادت من التجاذبات السياسيّة، على غرار سعيّد.
لم تتمكّن تونس منذ الثورة من تحقيق نقلة اقتصاديّة تُوازي ما تحقّق سياسيّاً. فملفّ الأزمات الاقتصاديّة لا يزال يمثّل مشكلة أمام الحكومات المتعاقبة، وبخاصّة في ما يتعلّق بنسب التضخّم والبطالة التي دفعت شباباً كثيرين إلى النفور من السياسة.
وبلغ تأزُّم الوضع الاقتصادي ذروته خلال حكومة الشاهد، الأطول بقاءً مقارنة بسابقاتها، ما دفع التونسيّين إلى الاحتجاج بشكل متواصل طيلة السنوات الأخيرة، مطالبين بمراجعة السياسات الاقتصاديّة وتحسين القدرة الشرائيّة التي تدهورت. في الوقت نفسه، لوحظ تحسّن في الوضع الأمني.
وأدّى الفراغ الذي تركته السُلطة في مسألة معالجة الأزمات الاجتماعيّة، إلى ظهور مَن يطرح البديل والحلول ويعتمد في ذلك على الاقتراب أكثر من الطبقات المهمّشة.
وتنافس 26 مرشّحًا في الانتخابات الرئاسية الأحد وأمّنَها نحو 70 ألف رجل أمن، ولم يُعلن عن أيّ خلل أثّر على المسار الانتخابي.