سوريا: الجولاني يناور بلجنة التحقيق لتجنب العقوبات الدولية

يسعى حكام سوريا الجدد برئاسة أبو محمد الجولاني “أحمد الشرع”، إلى تحقيق توازن دقيق بين السيطرة الداخلية وتجنب العقوبات الدولية، في ظل ضغوط متزايدة على حكومته بعد مجازر الساحل الطائفية. وبينما تعلن الحكومة تشكيل لجنة تحقيق وطنية، يشكك المجتمع الدولي في استقلاليتها.

فيما يبدو أنه التقاط للأضرار التي أصابت صورة الحكم الجديد بعد أعمال العنف التي شهدها الساحل السوري، واستباق لاحتمال تأثير ذلك على العقوبات الغربية ضد بلاده، وربما زيادتها، أكد الرئيس الانتقالي أبو محمد الجولاني في مقابلة مع وكالة “رويترز” أن العقوبات المفروضة على سوريا تعرقل قدرة حكومته على ضبط الأمن وإعادة الاستقرار، مشيرًا إلى أن تصاعد العنف في البلاد مرتبط بـهجمات يقف وراءها موالون لنظام الأسد ودولة أجنبية، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

الجولاني الذي أعلن عن لجنة تحقيق وطنية لمحاسبة المتورطين في أعمال العنف ضد العلويين والأقليات في الساحل، أكد أن المتورط سيحاسب “حتى لو كان أقرب الناس إلينا”، مؤكدًا التزام حكومته بتحقيق العدالة وعدم السماح بتحويل الوضع الحالي إلى “فرصة للانتقام” من مظالم الماضي.

وفي الوقت نفسه، رفض الرئيس السوري الإفصاح عن هوية المتورطين في عمليات القتل الأخيرة، مكتفيًا بالإشارة إلى أن الجهات الأمنية تعمل على كشف الحقيقة وتقديم المسؤولين للعدالة.

فهل هذا يعني تحولاً في الخطاب الذي كان في بداية الهجوم على الساحل، والذي كان فقط تحت مسمّى ملاحقة “فلول نظام الأسد”؟

انتقادات دولية واسعة

دخلت سوريا مع أحداث الأسبوع الثاني من مارس، مرحلة حرجة حيث زادت التحديات في وجه حكامها الجدد، وبدا المجتمع في غليان يهدد بانفجارٍ أمني طويل الأمد. فسرعان ما تحولت أحداث الساحل إلى أزمة سياسية وإنسانية أثارت انتقادات دولية واسعة، خاصة بعد ورود تقارير وفيديوهات وشهادات حية عن عشرات المجازر الطائفية بحق المدنيين العلويين.

الضغوط الغربية المتزايدة، والمطالبات بتحقيق مستقل وشفاف، دفعت حكومة الجولاني إلى تغيير خطابها من التركيز على “القضاء على فلول النظام السابق” إلى إعلان تشكيل لجنة تحقيق، في خطوة وصفها البعض بأنها “استجابة للضغط أكثر من كونها التزامًا حقيقيًا بالمساءلة”.

المجازر الطائفية

وشهد الساحل السوري نهاية الأسبوع الماضي، لا سيما محافظتا اللاذقية وطرطوس، أعمال عنف مروّعة ضد الطائفة العلوية أدت إلى سقوط مئات القتلى، بينهم عدد كبير من المدنيين. في البداية، تبنت الحكومة السورية خطابًا يركز على “القضاء على مجموعات مسلحة تابعة للنظام السابق”، وأكد الجولاني في تصريح رسمي أن قواته كانت “تخوض معركة ضرورية ضد فلول الأسد الذين يسعون إلى زعزعة الاستقرار في البلاد”.

إلا أن التقارير الميدانية التي نشرتها منظمات حقوقية وإعلام دولي قدمت رواية مختلفة، إذ تحدثت عن “مجازر تطهير طائفي”، وأكدت وقوع “عمليات إعدام جماعي وتهجير قسري للمدنيين العلويين”.

وقد أثارت هذه التقارير موجة من الإدانات الدولية، ووضعت حكومة الشرع تحت ضغط متزايد لمحاسبة المسؤولين.

الضغوط الأمريكية والأوروبية

مع تزايد التقارير عن “جرائم ممنهجة ضد الأقليات”، سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى الضغط على حكومة الشرع لاتخاذ خطوات ملموسة لضمان عدم الإفلات من العقاب.

ووصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأحداث بأنها “مجزرة لا يمكن التغاضي عنها”، داعيًا إلى “إجراء تحقيق دولي مستقل لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم”. كما حذرت واشنطن من أن “أي تهاون في تحقيق العدالة قد يعرض الحكومة السورية لعقوبات أمريكية”.

من جهته، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا شديد اللهجة أكد فيه أن “عدم محاسبة مرتكبي المجازر سيؤدي إلى تعليق الدعم السياسي والاقتصادي للحكومة الجديدة”. كما طالبت فرنسا وألمانيا بإشراك مراقبين دوليين في أي لجنة تحقيق لضمان شفافيتها.

أما الأمم المتحدة، فقد دعا أمينها العام أنطونيو غوتيريش إلى تحقيق دولي محايد، مشيرًا إلى أن “اللجان الوطنية لا توفر دائمًا الضمانات الكافية للاستقلالية والعدالة”.

وفي مواجهة هذه الضغوط، وجدت حكومة الشرع نفسها في موقف حرج، حيث باتت بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لاحتواء الأزمة، من دون أن تبدو خاضعة تمامًا للمطالب الدولية.

تشكيك دولي في موضوع لجنة التحقيق

وفي محاولة لاستعادةزمام المبادرة، أعلن الجولاني عن تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل، مؤكدًا أن الحكومة “لن تتهاون في محاسبة أي شخص يثبت تورطه في جرائم ضد المدنيين”.

إلا أن هذا الإعلان قوبل بتشكيك واسع من قبل جهات دولية وحقوقية، حيث اعتبرت بعض الأطراف أن اللجنة ليست مستقلة بشكلٍ حقيقي، وأن الهدف منها هو امتصاص الغضب الدولي من دون محاسبة فعلية للمتورطين.

وعلى الرغم من ترحيبها المبدئي بالإعلان، شددت الخارجية الأمريكية على أن “أي تحقيق لا يشمل مشاركة خبراء دوليين لن يكون كافيًا”، وأكدت أنها “ستراقب عن كثب تنفيذ عمل اللجنة ونتائجها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى