شمال سوريا.. بين الاحتلال والإذلال
عبد الجليل السعيد
يجمع المراقبون للمشهد السوري على حقيقة مفادها أنه معقدٌ سياسياً لدرجة كبيرة، يصعب من خلالها معرفة المزيد عن مآلات الأمور داخل بلد عربي مزقته الحرب وأنهكت مواطنيه أزمات إنسانية واقتصادية يطول شرحها، لأن الحابل فيها اختلط بالنابل نتيجة انعدام وغياب الرؤية الموحدة لإدارة الصراع السوري من قبل اللاعبين الدوليين كروسيا وأمريكا ومثلهم اللاعبون الإقليميون كتركيا وإيران .
ويأخذ المشهد نفسه أبعاداً سيئة حين نناقش مسألة الشمال السوري غربي وشرقي نهر الفرات، حيث احتلت تركيا منذ سنوات ولاتزال مساحات واسعة من محافظات اللاذقية وإدلب وحلب والرقة والحسكة السورية، وانتشرت وحدات مخابرات أردوغان هناك على الفور ضمن ما بات يعرف بمناطق “درع الفرات وغصن الزيتون وينابيع السلام”، وكلها أسماءٌ براقة لوجه الاحتلال التركي البغيض هناك.
ولأن الإخوان المسلمين السوريين تم تقديمهم من قبل على الدولة التركية على أنهم معارضون لحكومة دمشق منذ بدء الأزمة السورية، فإن مخططات أردوغان الرامية لاقتطاع أجزاء مهمة من الأرض السورية وجدت ضالتها بهم، فدربت المخابرات عناصرهم في معسكرات داخل تركيا وزجت بهم عند الحاجة في شمال سوريا، ضمن عملية منظمة تقضي بجعلهم ميلشيات إنكشارية عثمانية جديدة توالي أنقرة، وتحصل على رواتبها شهرياً من الخزينة القطرية.
ويعيش في شمال سوريا ملايين المواطنين السوريين الهاربين من جحيم الحرب في بلدهم إلى مناطق قالت حكومة أردوغان في أكثر من مناسبة دولية إنها تعمل على جعلها منطقة آمنة، لكن الواقع يقول: إن الاحتلال التركي يعتمد على أشخاص متطرفين ذوي ميول داعشية وقاعدية كي يشرفوا على يوميات الحياة في جميع تلك البلدات والقرى والمدن المستباحة من قبل “الجندرمة” التركية .
فمن رغيف الخبر إلى تفاصيل التجارة الداخلية مروراً بقضية المعابر الحدودية وليس انتهاء بتوريد السلع التركية إلى هاتيك المناطق، يدفع السوريون أثماناً باهظة من أرزاقهم وقوت أطفالهم لجيوب رجالات أردوغان المتنفذين أو من يسمون بجماعة “الحجي”، وهو الجنرال التركي المتقاعد “أبوفرقان” الذي يحكم الشمال السوري باسم الاحتلال وبصيغ مختلفة من الإذلال المباشر وغير المباشر للمنكوبين.
ويروي الأهالي بخوف شديد حكايا بؤسهم حين يتحدثون على سبيل المثال لا الحصر عن ” أبوعمشة ” زعيم ميلشيات السلطان سليمان شاه، الذي يملك أسطولاً ضخماً من السيارات الفارهة، وثروات ضخمة أودعت في بنوك تركية، ويحفل سجله الإجرامي كذلك بقصص الاغتصاب والنهب من بيوت الفقراء، ويسوم الناس هناك سوء العذاب، مستمداً قوته – كما يصرح بذلك في تسجيلات موثقة – من الرئيس التركي أردوغان شخصياً، حيث يزين أبوعمشة هذا مكاتبه الشخصية ومقرات عمله بأعلام تركيا ودولة بني عثمان البائدة وشعارات وصور لاتمت بصلة لثقافة السوريين أو ماضيهم .
وتنتشر في الشمال السوري السجون السرية التركية التي تُمارس فيها أبشع أنواع التعذيب بحق من يرفع صوته منادياً بضرورة رحيل المحتل التركي عن أرضه، أو من يعبر عن رأيه الشخصي في مجالس خاصة أو عامة منتقداً رحلات الارتزاق نحو ليبيا، وتجنيد اليافعين كي يكونوا وقوداً لحروب أردوغان التي لاتنتهي، ولاتتوقف أيضاً عند حدود استغلال فقر هؤلاء البسطاء وجهلهم بفظاعة ما سيقومون به حين يستقلون طائرات تركية تنقلهم إلى الموت المحتوم .
الأوبزرفر العربي