صحوة عربية تنبش في التاريخ المزيف للاحتلال العثماني
يبدو أن الدول العربية وشعوبها قد تنبهت إلى الجانب المظلم في علاقة الاحتلال العثماني مع العرب، وبادرت المملكة السعودية إلى إزالة اسم السلطان العثماني “سليمان القانوني” من أحد شوارعها، الأمر الذي لاقى صداه في ليبيا، حيث رد النظام التركي بإعلان بدء تتريك وعثمنة ليبيا.
رد متعجل فضح سياسة خارجية انفعالية على إزالة مدينة الرياض اسم “القانوني” من أحد شوارعها، وفق ما أظهرته صور تداولها مغردون سعوديون قبل أيام قليلة، وأجبر رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان على فضح مساعيه التوسعية في ليبيا.
الاحتلال كشف النوايا الحقيقية للنظام التركي من وراء تدخلها في ليبيا، تماما مثلما فعلت في الشمال السوري، وتحديدا في المناطق التي استعمرتها بحجة حماية حدودها من الأكراد، حيث غيرت أسماء الشوارع وفرضت استخدام الليرة التركية في التعاملات اليومية.
لا يزال “الخلافة العثمانية” المصطلح الرائج بالمناهج الدراسية لمعظم البلدان العربية، حين يتعلق الأمر بالاصطلاح على الاحتلال والوجود العثماني في مختلف أنحاء المنطقة.
لكن السعودية اختارت الاستجابة لأصوات خبراء ومواطنين ممن رأوا أنه من الضروري إعادة كتابة تاريخ العثمانيين بشكل غير انتقائي، واعتباره صراحة “غزوا واحتلالا”، ليحصل العثمانيون بذلك على وصف دقيق يضعهم في خانة الغزاة.
وفي ذات النهج، تداول مغردون سعوديون مؤخرا عبر موقع تويتر صورا أظهرت لحظة قيام أمانة منطقة الرياض بالمملكة، بإزالة اسم “القانوني” من أحد شوارعها.
وتأتي الخطوة بعد عامين من قرار محافظة القاهرة حذف اسم السلطان سليم الأول، من أحد شوارعها بمنطقة الزيتون، معتبرة أنه لا يصح أن يحمل أحد شوارع البلاد اسم مستعمر.
ويرى مصطفى الونيسي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية، أنه “بات من حق الشعوب اليوم الحصول على رواية حقيقية وغير مزيفة للتاريخ، خصوصا في ما يتعلق بالاحتلال العثماني للبلدان العربية، ومنحها معطيات توثق انتهاكات شخصيات عثمانية لحقوقها وإذلالها لها، قبل أن يصنع منها قادتها أصنام تجبر ذات الشعوب على عبادتها من جديد”.
وقال الونيسي إن “هناك الكثير من الشخصيات العثمانية التي أهانت العرب، وقد حان الوقت لكشف تاريخها الإجرامي”.
ولفت إلى أن الكثير من البلدان العربية التي استعمرها العثمانيون تضم شوارع بأسماء شخصيات عثمانية، داعيا حكوماتها إلى النسج على منوال القاهرة والرياض، وإزالة آثار الاحتلال العثماني من مدنهم وتاريخهم.
وردا على إسقاط “القانوني” من منطقة الرياض السعودية، أعلنت بلدية تاجوراء الواقعة شرقي العاصمة الليبية طرابلس، إطلاق اسم السلطان العثماني على طريق رئيسية بالمدينة.
الونيسي أشار إلى أن قرار البلدية الخاضعة لما يسمى بحكومة الوفاق الإخونجية في طرابلس، لم يكن نابعا من إرادتها وإنما كان قرار أردوغان، “انتقاما” لموجة السخرية من العثمانيين، والتي فجرها قرار منطقة الرياض.
فأنقرة، يتابع الباحث، دأبت على تبني سياسة المراحل والتكتم في ما يتعلق بـ”عثمنة” المناطق التي تحتلها، تفاديا لغضب السكان المحليين من جهة، وهروبا من وصمة الاستعمار والغزو التي تلاحقها، من جهة أخرى.
لكنها اضطرت هذه المرة، يستدرك الونيسي، لتبعث برسالة إلى المملكة العربية السعودية مفادها أنها ستجد دوما مكانا تحتله وتضع أسماء شخصياتها على شوارعها، وترد على التأييد الواسع والأصداء الإيجابية التي حظيت بها الخطوة السعودية.
وأكد الخبير أن أنقرة تتعامل حاليا مع المناطق الخاضعة للوفاق على أنها مستعمرات عثمانية، محذرا من أن مخطط أردوغان في ليبيا يتجاوز يافطة الدعم العسكري للفرع الإخواني إلى الاحتلال.
صورة نمطية مغلوطة لـ”البطل التاريخي” لا تزال حتى اليوم عالقة بأذهان الأجيال العربية المتعاقبة عن القانوني، يرى الونيسي أنها ساهمت إلى حد كبير في صناعة رأي عام غير متوازن وفاقد لسند تاريخي واقعي، ساهم بدوره في منح أنقرة مجالا لتفعيل مخططها بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وشدد الباحث على أن “القانوني لم يكن أبدا بطلا، بل كان ظالما غاشما يبطش بالإسلام والمسلمين، كما أنه نصره للإسلام في الظاهر، لكنه في قناعة نفسه كان يستخدم ذلك مطية لتحقيق أهدافه الشخصية”.
واعتبر أن “القانوني” وأمثاله ليسوا سوى شخصيات وظفها العثمانيون القدامى والجدد، ضمن قراءة انتقائية ومزيفة للتاريخ، من أجل تصدير وهم عظمة إمبراطورية تبددت جراء الصراعات والخيانات.
وتابع قائلا: “رغم أنهم يدعون مناهضة الأصنام، إلا أنهم صنعوا من الأولين أصناما يحاولون إقناع العالم بكمالها وقدسيتها، لكن وعي الشعوب بالكذبة العثمانية الكبرى سيحطم كل ذلك عاجلا أو آجلا”.
الأوبزرفر العربي