صراع “جيو-اقتصادي” عالمي على أفريقيا
توجد إجابة عن لغز الحرب الجيو-اقتصادية الخفية، التي تحدث في إفريقيا، والتي تُعرف عادة باسم “العالم متعدد الأقطاب”.
وكان الفيلسوف وعالم السياسة الروسي، ألكسندر دوغين، أكثر من كتب حول هذا الموضوع.. ووصف الفترة الممتدة من 1991 إلى 2016 بأنها “عالم أحادي القطب”، وابتداءً من العام الماضي أصبح “عالما متعدد الأقطاب”.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، عقدت منظمة شنغهاي للتعاون اجتماعا في سمرقند، قال فيه الرئيس الصيني بالحرف الواحد: “سنواصل اتباع توجيهاتكم ونحن نمضي قدما لتحقيق الأهداف”، في إشارة إلى إنشاء حدود جديدة في السياق العالمي متعدد الأقطاب.
صحيح أن استراتيجية الصين في الحرب الجيو-اقتصادية هي على المديين المتوسط والطويل، ولكن في هذه المنافسة برز لاعبون آخرون مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو روسيا، رغم دخولهم المنافسة قبل فترة قصيرة، وهنا يشتد الصراع بين الدول، حيث تكون أفريقيا هي مسرح هذه المعارك.
في العالم متعدد الأقطاب، حيث تسود الحرب الجيو-اقتصادية، تعد وسائل الإعلام سلاحا ذا أهمية كبيرة، وحرب المعلومات داخل المنطقة الاقتصادية، التي تُعرف باسم الحرب المعرفية، ضرورية لهذا النوع من القتال.
وتحدث هذه المواجهات غير العسكرية الآن في أفريقيا، وقد تحوّل هذا الصراع إلى مصلحة استراتيجية أساسية للدول.
وتحل المواجهة الجيو-اقتصادية محل الحروب التقليدية، أما البلدان التي لا تفهم ماهية هذا الصراع، فستجد نفسها خارج اللعبة في العالم الجديد متعدد الأقطاب.
وتستثمر الصين مبالغ مالية ضخمة في أفريقيا، وكذلك تفعل روسيا.. ولم تتردد الولايات المتحدة مؤخرًا في دعوة 50 قائدا أفريقيا لزيارتها، لمحاولة للحد من النفوذ الصيني والروسي.
وفي إطار الدفاع عن مصالحها، وعدت الولايات المتحدة بالتبرع بمبلغ 55 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة للدول الأفريقية.
وبعد خروج فرنسا من مالي وقرب مغادرتها بوركينا فاسو ودخول روسيا، بدت النيجر الهدف التالي لـ”بوتين”، ما دفع فرنسا للتحرك، حيث استقبلت مؤخرا الرئيس النيجيري في باريس.
وبعد توقيع اتفاق اقتصادي، يبدو أن فرنسا نجحت في إبعاد النيجر عن روسيا مؤقتا.
ولا تتردد وسائل الإعلام الروسية والغربية في نشر معلومات “مضللة” لتحقيق مكاسب في أفريقيا، كما لم يتردد الغرب أيضا في مهاجمة وجود شركة “فاغنر” الأمنية الروسية في مالي.
وذهبت الولايات المتحدة إلى مطالبة أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري إعلان شركة “فاغنر” “منظمة إرهابية”.
وفيما يتعلق بمالي، لا نجد في تقارير خبراء الأمم المتحدة خلال عام 2022 أي إشارة إلى وجود “فاغنر” هناك، والسبب بسيط للغاية: القوات المنتشرة في مالي تابعة للجيش الروسي وليست عناصر الشركة الأمنية الخاصة.
ويستخدم الغرب وجود “فاغنر” في أفريقيا كسلاح ضد روسيا، ويبدو أن دول الغرب تناست أن شركات غربية أمنية خاصة انتشرت في الخارج أيضا للدفاع عن مصالح بلدانها.. ومن بينها على سبيل المثال: شركات “إم بي سي إس” الأمريكية، مجموعة “ديك الاستشارية الجنوب أفريقية”، أو مجموعة “أوميغا” الاستشارية الأوكرانية، أو أسجارد الألمانية.
من ناحية أخرى، فإن الإرهابيين في أفريقيا ليسوا غافلين عن الصراع الجيو-اقتصادي والسياسي العالمي على القارة السمراء، ويستغلونه لمصلحتهم، بما في ذلك دعايتهم، رغم كونهم أعداء لكل من الشرق والغرب.
ويتهم الإرهابيون في دعايتهم كل البلدان المتصارعة هناك بالرغبة في استنزاف موارد أفريقيا، فيما أصبحت القدرة التنافسية للدول نوعا آخر من الحروب، التي غالبا ما تتقدم على الحرب ضد الإرهاب، والتي يجب أن تكون ذات أهمية قصوى وليست ثانوية، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فالزمن كفيل بإظهار نتائج ذلك الخطأ الجسيم لدول العالم.