صراع علني وإعلامي في تنظيم الإخونجية لحسم شرعية القيادة
نقل الصراع على قيادة تنظيم إخونجية مصر من مرحلة المواجهات العلنية والإعلامية إلى مرحلة الصراع الداخلي لحسم شرعية القيادة استنادًا إلى لائحة التنظيم والحصول على دعم المرشد المحبوس منذ 2013، بعد فشل مبادرات الوساطات المختلفة بين جبهتي محمود حسين وإبراهيم منير.
وفي حال نجاحه، فقد يؤدي هذا الأمر إلى قلب موازين الإدارة والإطاحة بالقيادي إبراهيم منير الذي يقوم بأعمال المرشد من لندن، وتغيبه عن مشهد الإدارة يعني اتساع الخلل ليشمل التنظيم الدولي كله.
وتدور المعركة داخل تنظيم الإخونجية حاليًا حول “شرعية” مَنْ يتولى قيادة الفرع المصري، حيث الأمين العام المعزول محمود حسين، المقيم في تركيا والمدعوم بخمسة من القيادات الكبرى مُوزعة بين الدوحة وتركيا، في مواجهة فريق الإدارة الرسمي بقيادة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد، مدعومًا بلجنة إدارة معاونة على رأسها القيادي حلمي الجزار، بالإضافة إلى مكتب إدارة إخونجية مصر في تركيا وعدد من القيادات موزعة بين عدد من الأقطار.
قرار مُوقع من المرشد محمد بديع
مِن جانبهم بدأ فريق حسين الإعداد لُمباغتة خصومه بالإعلان عن تكليفه بمهام المرشد العام عبر قرار “مُوقع من المرشد محمد بديع” المحبوس منذ 2013، وهو الإجراء الذي تؤكد مصادر تتبع حسين أنَّه تم دون الإعلان وأعقبه اعتماد له من مجلس شورى أخوان مصر في الداخل والخارج، والذي أصدر قرارا بإعفاء إبراهيم منير من موقعه وإلغاء كافة ما صدر عنه من قرارات، وتكليف (مكتب إداري) لإدارة شؤون إخونجية مصر في الخارج، وتُشير المصادر إلى أن تأجيل إعلان هذه القرارات يأتي بهدف “ضبط الإجراءات لمنع مختطفي الجماعة من الطعن في صحتها أو التشكيك فيها خاصة وأن اجتماع مجلس الشورى نظرًا للظروف الأمنية تم إلكترونيًا أو بالتمرير وهو الإجراء الاحترازي الذي طالما كان يتم حتى أيام حكم نظام مبارك”.
في المقابل تُتابع جبهة منير الإجراءات التي يقوم بها حسين عبر عناصر تم تكليفها باختراق جبهة الأخير، حيث تعمل على استباق إعلان هذه الإجراءات بحملات واسعة لضم كل المختلفين مع حسين في تركيا وأوطان اللجوء المختلفة، بالإضافة لفتح قنوات اتصال مع مكاتب المحافظات في الداخل المصري لإقناعهم الخروج عن التبعية لحسين دون “الإعلان عن ذلك لضمان استمرار الحصول على الدعم المالي شهريًا والذي يُسيطر حسين على موارده”.
حملة إعلامية داخل صفوف التنظيم
تشمل إجراءات مجموعة منير الاستباقية لقطع لإجراءات حسين المرتقبة، حملة إعلامية داخل صفوف التنظيم في تركيا وقطر تؤكد رسائلها على “فشل كل محاولات الخروج على قيادة الجماعة الشرعية منذ حسن البنا لليوم – كل من حاول اختطاف الجماعة انتهى بعد فترة وجيزة – قيادات التنظيم الدولي لا تنحاز إلا للقيادة الشرعية”، مصدر داخل مكتب إخوان مصر في تركيا المُنتحب حديثًا ويتبع منير، طلب عدم الإشارة لاسمه، يُعلق على ما يتم تسويقه لقواعد التنظيم مؤكدًا “هذه الرسائل للتذكير فقط لكن الصف الإخواني ليس بحاجة لمَنْ يطالبه بالتمرد على حسين ومجموعته بعدما فاض بالجميع الكيل وتحملوا فوق طاقتهم، وأصبحوا على يقين بأن مُعاناتهم لن تنتهي طالما بقي في موقعه، بالإضافة إلى أن حالة الثقة في حسين ورجاله باتت معدومة على المستوى المالي وكذا الأمني خاصة وأنهم متورطون في تسليم عدد ممن خالفوهم للأمن التركي وترحيل آخرين”.
ويرى المصدر أن إجراءات حسين، المُعتزم الإعلان عنها، مطعون في صحتها جملة وتفصيلًا حيث كان هو من أعلن عبر قناة فضائية قبل عامين تكليف المرشد بديع كتابيًا لمنير بتولي مَهامه، هذا فضلًا عن استحالة تمكنه من الحصول على قرار جديد مكتوب من المرشد في ظل تشديد الإجراءات داخل السجون المصرية، أما استناده على انعقاد “مجلس شورى الجماعة” فهو مجرد “قصة ملفقة لا يمكن أن تقنع أي عضو بالجماعة نظرًا لسجن أغلبيتهم”، ولا تمثل حسب المصدر إلا “تهمة بالتزوير تُضاف إلى التهم التي يجب أن يُحاكم عليها حسين ومجموعته”.
لا انتصار حاسم
هذا الصراع غير المعلن عطل إجراءات مجموعة منير لإعلانه التنحي من موقعه وتسليم قيادة التنظيم لإدارة جديدة يتصدرها القيادي حلمي الجزار، فيما تم ترشيح القيادي محي الزايط ليتولى إدارة مرحلة الصراع بحكم خبراته في قسم التربية ونجاحه القضاء على انشقاق إدارة التنظيم بـجامعة الأزهر مطلع التسعينات، وهو ما يجعله مؤهلًا لاحتواء قواعد التنظيم مِن جهة وتجاوز الطعن في مؤهلاته أو ولاءاته للإخوان.
التقديرات الأولية لا تُشير إلى انتصار حاسم لأحد جبهتي الصراع على القيادة داخل التنظيم، حيث يستند كلا الطرفين على نصوص لائحية تسمح له بالتمسك بالقيادة وإقصاء الطرف الآخر، فيما تُشير مصادر مُرتبطة بأسر قيادات مكتب الإرشاد بالسجون أن غالبيتهم “ضد حالة الإقصاء التي يتعرض لها حسين بسبب علاقاته الوطيدة بهم خاصة المرشد بديع”، لكنهم بسبب وضعيتهم داخل السجون يرفضون إعلان موقف صريح من الصراع حتى لا يدخلون في خصومة مباشرة مع قواعد التنظيم التي تُعاني من سوء استخدام حسين لورقة الدعم المالي الموجه لأسر ضحايا التنظيم وسجناءه، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الخلافات القائمة فعلًا بين القواعد والقيادات داخل السجون.
فشل وساطات التنظيم الدولي
إلى ذلك باءت بالفشل وساطات رموز التنظيم الدولي للتوفيق بين حسين ومنير، وهو ما دَفَع شخصيات الثقل مثل العراقي محمد أحمد الراشد، والفلسطيني خالد مشعل، والمصري محمد البحيري، إلى الانحياز لجانب منير وتبني سيناريو مُطور من نموذج إدارة إخونجية فلسطين –حماس- حيث تنقسم إدارة التنظيم ومؤسساته بين داخل مصر وخارجها، وينسحب منير ومجموعات القيادة التابعة له تدريجيًا ليحل محله وجوه جديدة، فيما يُترك حسين ومجموعته للعمل منفردًا حتى تنفد مواردهم المالية وينفض عنهم الأتباع، أو يعودوا من جديد خاضعين للقيادة الرسمية.
حالة الصراع المتصاعد في رأس تنظيم إخونجية مصر، بدأت مع صعود التنظيم للمشهد الرسمي المصري في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك 2011، وكان حسين فاعلًا في الإطاحة بقيادات عديدة بدءً بنائب المرشد محمد حبيب وعضو مكتب الإرشاد عبد المنعم أبو الفتوح، وعضو الشورى إبراهيم الزعفراني وامتدت لمرحلة ما بعد إسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي عام 2013، وأطاحت بالعشرات على رأسهم القياديين محمد كمال رئيس مكتب إخونجية مصر في الداخل، وأحمد عبد الرحمن رئيس مكتب إخونجية مصر في الخارج، لكنهم جميعًا لم يكونوا متحكمين في ودائع التنظيم المصري المالية كما حسين، وكذا لم يكن تحت أيديهم مفاتيح الاتصال مع قيادات التنظيم في الداخل المصري، وهو ما يجعل حسين قادرًا على مقاومة إقصاءه مرحليًا أملًا في أن يُنقذه رفاقه في السجون والذين من الممكن أن يقلبوا موازين الصراع برسالة تأييد له يتم تسريبها من السجون.