طالبان ومنتخب الإرهاب
سمير عمر
لم تخلف الهيئة المسماة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الظنون ولم تخالف التوقعات، وبادرت بإصدار بيان مسجل لتأييد حركة طالبان الأفغانية أعتبر فيه رئيسها أحمد الريسوني ما قامت به الحركة نصرا وأنه نموذجا جديدا لإسلام الرحمة والتعاون والتوافق والتنمية.
أقول كان هذا متوقعا من الهيئة التي تتخذ من العاصمة القطرية الدوحة مقرا لها، اتخاذ مثل هذا الموقف، فالدوحة هي العاصمة التي كانت الساحة السياسية المفتوحة أمام قادة حركة طالبان تماما كما كانت الملاذ لقادة التنظيمات المتطرفة والإرهابية بشتى صنوفها.
ومن يتابع المنصات الإعلامية التابعة لها يكتشف دون أي جهد حجم الدعم الذي تحظى به طالبان والجهود الإعلامية المستمرة لتسويق الحركة وترويج ما تسعى لتمريره من كونها نسخة جديدة أقل تطرفا عن نسختها الأصلية التي حكمت أفغانستان لسنوات كانت خلالها مستقرا وملجأ لكل إرهابي العالم.
وفي البيان المتلفز الذي نقلته وسائل الإعلام التابعة للتنظيمات الإرهابية المختلفة قال الريسوني: “نوصي القادة الجدد من طالبان ومن غير طالبان ندعوهم جميعا إلى أن يستمر هذا النهج التصالحي والتسامحي وأن يكون دائما وليس مؤقتا وأن يحكم العلاقات بين مختلف القيادات والأطراف والمذاهب والمناطق في البلاد
كلام الريسوني يشبه ما ردده بعض قيادات الحركة الذي أطلقوا عدة رسائل تطمينية مزدوجة للداخل حيث مواطني أفغانستان المرعوبين من سيطرة الحركة على مقاليد الحكم في البلاد، وللخارج الذي يخشى تكرار التجربة السابقة التي حولت أفغانستان إلى ميدان الرماية والتدريب الأوسع للتنظيمات الإرهابية بمختلف توجهاتها.
فهل يصدق قادة طالبان، وهل يمكن أن نتعامل مع دعوة ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بحسن نية؟
القاهرة في أغسطس 2011
كنا في المؤتمر الصحفي لإعلان الجماعة الإسلامية عن تأسيس حزبها الذي سمته البناء والتنمية، وكان في المؤتمر قادة الجماعة الذين قالوا إنهم أجروا مراجعات فكرية وأنهم باتوا منفتحين على العمل السياسي وفق القانون والدستور المصري، وانهالت الأسئلة على قادة الحزب والجماعة فكان ردودهم تطمينية إلى حد ما وإن راوغت في بعض المواضع، وبعد المؤتمر صافحني عدد من قادة الحزب كان من بينهم صفوت عبد الغني وعصام دربالة وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر وسألوني عن رأيي في المؤتمر وما قيل فيه فقلت مبتسما أفلح إن صدق، فبادرني صفوت عبد الغني وقال يا أخ سمير لا تقلق فقد تجاوزنا تلك المرحلة ومصر الآن في عصر جديد ونحن أيضا في مرحلة جديدة.
ثم ربت عاصم عبد الماجد على كتفي وقال يا رجل لا تجعل انتمائك الفكري حائلا بيننا فنحن جميعا مصريون ونحب هذا البلد.
لم أرد تفويت الفرصة وقلت له حسنا يا سيدي وأدعوكم جميعا لتذكر أن القوى المدنية في مصر كانت تدافع عنكم وعن حقوقكم كمسجونين سياسيين فلا تجعلوهم يندمون على ذلك. فردوا جميعا هذا عهدنا ولن نخلفه!!
ولا أحتاج أنا أو غيري للتذكير بما حدث بعد ذلك من حزب البناء والتنمية وقادة الجماعة الإسلامية في مصر خاصة في اعتصام النهضة وما تلا ثورة الشعب المصري على حكم الإخوان وإبعادهم عن حكم مصر.
لكنني أجد نفسي مطالبا بالإشارة لما أعلنه عاصم عبد الماجد تعليقا على استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان إذ نشر على حسابه بموقع تويتر قائلا: ” قبل أن تهاجم طالبان أو غيرها حدد موقفك أولا هل أنت مع خضوع البشر والجماعات والحكومات لله رب العالمين أم لا؟ إن قلت نعم فلابد من خضوعنا جميعا لله خالقنا فنحن عبيد لله ملزمون بطاعته وإقامة شرعه بعد ذلك ابحث عن حكم الله فيما تفعله طالبان أو غيرها وهل ما تفعله للشرع أم لا”.
طبعا عاصم عبد الماجد يعتبر ما تفعله وستفعله طالبان هو شرع الله وهو يغرد قائلا: “طالبان قالت لا لأميركا ففتح الله بها ولها”.
أصل الداء
المشكلة ليست فيما قاله قادة طالبان أو أعلنه ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ولا حتى فيما كتبه وسيكتبه عاصم عبد الماجد وغيره من رموز التطرف وأمراء الإرهاب.
المشكلة فيما يؤسس له وصول طالبان لحكم أفغانستان. فحركة طالبان هي تجسيد للفكر المتشدد والسلوك العنيف وقراءة شبكة علاقات مؤسسي الحركة وخريطة انتماءاتهم الجغرافية وجذور نشأتهم الفكرية يكتشف بسهولة أننا أمام النسخة الأكثر بداوة في صفوف الجماعات المتشددة، وهذه النسخة وإن كانت بحكم التكوين لا تسعى لحكم العالم تحت راية الخلافة كما يزعم أمراء التنظيمات الإرهابية الأخرى كداعش والقاعدة إلا أنها تمثل لهؤلاء ظهيرا وسندا ميدانيا سيفتح حدود أفغانستان أمام لاعبي منتخب الإرهاب الدولي، وغير مستبعد أن يبدأ قادة الإرهاب في العالم في التواصل مع قادة الحركة فور استتباب الأمور في أفغانستان للتنسيق معهم وإرسال عناصرهم إلى كابل لدراسة كيفية التعاون مع الحركة/ الدولة.
إن ما حدث في مرحلة ما كان يعرف بالجهاد في أفغانستان مازال حاضرا في ذاكرة الجميع، وظاهرة الأفغان العرب الذين تدربوا وحاربوا في أفغانستان ثم عادوا لبلادهم قنابل موقوتة وأحزمة ناسفة قابلة للتكرار بصورة أشد عنفا وأكثر ضراوة وهنا مصدر الخطر.