عن الأكاذيب التركية في المسألة الليبية
إيميل أمين
هل حان آوان كشف أكاذيب الأغا العثمانلي المنحول تجاه ليبيا، والتي أطلقها في الشهرين الماضيين، لا سيما بعد الاتفاق سيئ السمعة الذي وقعه مع فايز السراج ممثل جماعة الوفاق، التي تعد منحلة بعد أن انقضت فترة العام التي كانت مقررة لها؟
هل من يدعم أردوغان في ليبيا غير الإخوان؟
الواقع إنه ورقتهم المحروقة الأخيرة، ولهذا يعتبرون خسارة موقعة طرابلس نهاية عهدهم بالعالمين العربي والإسلامي، غير أن صحوة الشعوب العربية والإسلامية باتت تفضح الأكاذيب الأردوغانية في الدولة الليبية.
المؤكد أن الانفصام الذي يعاني منه أردوغان هو الذي دفعه لحالة الجنون بعد رفض قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر وكافة القبائل الليبية الموافقة على بيع ليبيا للأتراك، خاصة أن تاريخ العثمانيين هناك تاريخ أسود يعلمه الباحثون والمنصفون من المؤرخين.
خلال حديثه أمام البرلمان التركي في أوائل يناير الجاري أشار أردوغان إلى أن “ليبيا كانت لعصور طويلة جزءا مهما من الدولة العثمانية ، لذلك لا يمكن لتركيا أن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يجري هناك”.
لم يتوقف أردوغان عند هذا الحد من الأكاذيب لكنه تمادى لجهة القول إن “نصرة أحفاد أجدادنا في شمال أفريقيا تأتي على رأس مهامنا”، الأمر الذي يستدعي مساءلة التاريخ، وفتح أضابيره والتساؤل.. هل من صحة تاريخية لأي مما فاه به السلطان المعتل أردوغان؟
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن الإتيان بالشواهد التي تثبت كذب أردوغان، لا سيما حين يتحدث عن فتح الخلافة العثمانية لليبيا فتحا إسلاميا، وكأن ليبيا التي دخلها الإسلام قبل ثلاثة عشر قرنا بعد مصر مباشرة، لم تعرف الإسلام إلا على أيدي العثمانيين، ما يمثل فرية مفضوحة تحاول مدارات أو موارات الاحتلال العثماني الغاشم لـ”طرابلس” كما كانت ليبيا تسمى في ذلك الوقت.
تاريخ العثمانيين هو تاريخ الخيانة المباشرة والبراجماتية المتدنية، ولم تكن نظرتهم يوما ما للعالم العربي تحمل أدنى احترام، بل انتهازية مقيتة تحدث عنها المؤرخ الروسي “نيكولاي ايليتش بروشين” في مؤلفه الشيق عن “تاريخ ليبيا”، حيث يوضح كيف احتل العثمانيون “طرابلس”، وقد كان ذلك سنة 1551 بعد أربعة عقود من صراع طاغ ومرير من الطرابلسيين ضد الغزاة الأسبان الذين احتلوا البلاد عام 1510، ثم ضد فرسان مالطة الذين تسلموا المدينة سنة 1530.
لم ينظر العثمانيون إلى الليبيين بوصفهم عربا ومسلمين قادوا كفاحا ضد المستعمرين الأوروبيين أحفاد الفرنجة الذين أذاقوا المنطقة الحروب قبل مائتي عام، بل استغلوا الضعف الذي باتت عليه دولة طرابلس، وحركوا سريعا أساطيلهم وحاصروا قلعة طرابلس لمدة ستة أيام بقيادة “سنان باشا” نائب السلطان سليم، ثم دخلوها وأعلنوا تأسيس “ولاية طرابلس الغرب” لتمييزها عن طرابلس الشامية في لبنان حاليا.
من المؤرخ الروسي إلى المناضل الليبي وكاتب التاريخ والكتب الرصينة “محمد بن عبدالجليل” صاحب الكتاب التاريخي “ري الغليل في أخبار بني عبدالجليل”، والذي كتب في مستهل عمله الرائع وصية جاء فيها “أوصيك يا عربي فلا تأمن خبث الأتراك، لأنهم ما يشتهون إلا الخراب والفتن في جميع ديارنا، وما سبب خراب بلادنا إلا فساد العثمانيين وجهلهم”.
أهم ما في هذا العمل الكبير والذي يتوجب قراءاته في حاضرات أيامنا، لا من قبل الشعب الليبي فقط، بل من الشعوب العربية قاطبة ليصحو المغيبين بنوع خاص، الوصية المؤكدة لأبناء الأمة العربية بأن يستيقظوا ويتنبهوا لظلم الطغاة الأتراك الذين أضاعوا مجد العرب وقوتهم، طيلة أربعة قرون من الاحتلال، وخانوا العهد والدين في نهاية المطاف وتركوا المنطقة العربية وسكانها نهبا وفريسة للاستعمار الأوروبي.
يكذب أردوغان حين يقول إن الليبيين الجدد استدعوه، وهو يعلم تمام العلم أنه لم يعزف إلا على أوتار الخونة من جماعة الإخوان المسلمين الذين يتماهون معه ويعتقدون أنه مقدمة حربهم ضد العالمين العربي والإسلامي، لا سيما أن تاريخ الليبيين الحقيقيين ممتلئ بالمفاخر والمقاومة ضد الظلم والجور العثمانيين.
الثابت تاريخيا أن ما جرى في ليبيا كان مقدمة لما سيحدث من إبادة في أرمينيا تاليا، فقد قتل الأتراك في مذبحة واحدة نحو عشرة آلاف ليبي.. ماذا عن تلك الكارثة لا الحادثة والتي يتوجب على المجتمع الدولي تحميلها لتركيا الحالية كما حملتها إبادة الأرمن؟
باختصار غير مخل دبّر العثمانيون مذبحة الجواري في نهار شهر رمضان، وذبحوا العشرات من أبناء القبيلة وهم صائمون.
لا يمكن لأردوغان أن ينكر حقيقة الوثائق الخاصة بالخارجية العثمانية، والتي طالبت ضباطها بالانسحاب من ليبيا وتركها للإيطاليين، وهناك وثيقة رسمية بتاريخ 28 ديسمبر 1912 تطلب فيها تركيا رسميا انسحاب العسكر التركي من ليبيا بعد توقيع اتفاقية “أوشي لوزان” مع إيطاليا، وتنص على إعطاء تركيا أوامرها لجنودها بالانسحاب من قيادتي بنغازي وطرابلس، وقد انسحبوا بالفعل، إلا أن فتوى أحمد الشريف السنوسي المجاهد والزعيم الوطني الليبي، للاستمرار في الجهاد ضد الإيطاليين كفرض عين وقتل كل من يخالف الأمر جعل جنودا أتراكا يضطرون لمسايرة هذا الأمر حتى تتسنى لهم الفرصة بالانسحاب.
أخيرا وهذا هو السؤال المهم والحيوي: “هل تكذب الأرقام أحاديث أردوغان كافة عن الليبيين من أصل تركي في البلاد؟
تشير الإحصائيات إلى أن عدد الليبين من أصول تركية لا يتجاوز 300 ألف نسمة، منهم نحو 160 ألفا في مصراتة، التي يبلغ تعدادها السكاني 550 ألف نسمة ويتوزع البقية بين مدن أخرى كالعاصمة طرابلس وزلتين والزاوية والخمس وتاجوراء ومسلاته، وجميعها غرب البلاد، والمرج ودرنة في الشرق، ويطلق عليهم اسم الركاغلة أو الكراغلية والكول أوغلية، وتعود جذروهم إلى الجنود الانكشاريين الذين دخلوا البلاد مع بداية الغزو العثماني.
قبل بضعة أسابيع فتح مجلس مشايخ وأعيان قبائل الكراغلة في ليبيا النار على أردوغان؛ حيث شنت القبال هجوما حادا عليه، متهمين إياه بالترويج لأكاذيب حول وجود نحو مليون ليبي من أصول تركية يرغب في حمايتهم.
رسميا تحدث مجلس مشايخ وأعيان الركاغله في بيان لهم قالوا فيه “تصريحات أردوغان -وصفوه بالرئيس التركي الإخواني- باطلة وغير مسؤولة، أجدادنا وأجداد أجدادنا وآباؤنا وأولادنا ولدوا وعاشوا في هذا الوطن، وتربينا على خيره، ولن نسمح لأي دخيل أن يدنس أرضنا.. وأكملوا بالقول.. أبناء الشعب الليبي الذي طرد العثمانيين والطليان وقضى على عهد الاستبداد، وانتصر على الدواعش والمتطرفين سيكون بالمرصد لكل من تسول له نفسه أن ينتهك حرمة أرضه وسماه.
هل من يدعم أردوغان في ليبيا غير الإخوان؟
الواقع إنه ورقتهم المحروقة الأخيرة، ولهذا يعتبرون خسارة موقعة طرابلس نهاية عهدهم بالعالمين العربي والإسلامي، غير أن صحوة الشعوب العربية والإسلامية باتت تفضح الأكاذيب الأردوغانية في الدولة الليبية.