فراغ إلكتروني.. آخر أوهام الإخوان
لم يعد لجماعة الإخوان الإرهابية أي وجود على الأرض، على الأقل في بلد مَنشئها، مصر، إلا عبر منصات افتراضية، حيث حوّلت الجماعة معاركها إلى عالم وهمي جُعلت فيه الصيحات متخيَّلة، بعيدا عن الواقع.
وتمتلك الجماعة الإرهابية مئات، بل آلاف الحسابات الوهمية في الفضاء الإلكتروني، بعضها على فيسبوك وحسابات تويتر وإنستجرام، وذلك هروبا من الواقع، الذي لم يعد لهم فيه أي أمل.
هنا انتقلت معارك الجماعة الإرهابية إلى العالم الافتراضي، لأنها افتقدت الواقع أولًا، ثم لم يعد لها وجود بين جدرانه ثانيًا، فاستغنت بالنباح، الذي لا يُعيره أحد اهتماما، عن النقاش، وبالتهديد الأجوف عن الصراخ، وبالإرهاب والتحريض عن الحوار والتعايش، وبات التخطُّف الإلكتروني ظاهرة تميز جماعات العنف والتطرف عموما، والإخوان خصوصا.
إن انتشار جماعات الإسلام السياسي في العالم الافتراضي يؤكد هروبها من الواقع الذي يرفض أفكارهم الدموية بطبيعة الحال، هنا اختبأت هذه الجماعات خلف ستر الفضاء غير المرئي، وتحول الخطاب إلى محاولات بائسة لتشويه الآخرين.
الجماعات المتطرفة لا تمل السير في سبيل السباب، فأغلب برامج هذه التنظيمات لا تقوم على تقديم قيمة وإنما مادتها التشويه بأحط الألفاظ، التي لا تتفق وأي معيار إعلامي أخلاقي، فهذه الجماعات، وعلى رأسها الإخوان، تعتقد أن تشويه الآخرين سوف يُضيف إليها أو يكون مبررًا لوجودها على الأقل بين النّاس، من هنا أطلقت الجماعة الإرهابية لجانها وذبابها الإلكتروني خلال العقد الأخير محملة بأصوات العويل على خسائرها مع أصوات الكبر والمكابرة، حتى انتقل هذا الأمر من الإخوان لغيرهم إلى الإخوان فيما بينهم، فليس غريبًا أن يقوم الإخوان من جبهة الراحل إبراهيم منير بوصف القيادي الإخواني محمود حسين بـ”الكذّاب الأشِر”، وأن ترد اللجان الإلكترونية للجبهة المناوئة بأن ممثلكم “يعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية”، وأنه “سرق أموال التنظيم وتاجر في تابعيه”.
وقد تابعتُ بدقة عمل اللجان الإلكترونية للإخوان خلال السنوات الثلاث الماضية، ففوجئت بتحول كبير في الأهداف، ربما جعلها تركز نشاطها بصورة كبيرة على الخصومة، التي تشهدها المجموعات المنشقة عن بعضها، ويمكن رصد الاتهامات التي يوجهها كل طرف للآخر، وكلها “مُخلة بالشرف”، وهو ما يؤكد تدني لغة الحوار بين هذه الجبهات المتصارعة داخل الإخوان، فضلا عن تدني المستوى القيمي للجماعة التي توشك على الانهيار.
هناك تقارير ذهبت إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية تنفق نحو مائة ألف دولار على عمل اللجان الإلكترونية، التابعة لقسم الرصد والمتابعة شهريًا، والتي يُديرها بعض الإعلاميين من كل جبهة، وهذه اللجان متصلة بقيادة كل جبهة اتصالًا مباشرًا من الناحية التنظيمية، فهي ليست مجرد ذراع إعلامية، ولكنها لسان الجماعة الحاد وقت أن فقدت كل أسلحتها وباتت منزوية عن الوجود الحقيقي.
لقد كانت جماعة الإخوان الإرهابية أكثر وضوحًا مع نفسها وأكثر اتساقًا مع واقعها، حيث أعلنت بوضوح أهدافها عن طريق نهشها في لحم الآخرين، حتى من داخل التنظيم ذاته، فيما الحل الأمثل للتعامل مع مثل هذه التوهمات الإخوانية هو التجاهل، فمثل هذه الآليات المشبوهة والصاخبة والمنفرة لا تترك أثرًا في الشعوب، التي صارت أكثر وعيا وفرزا بين الغث والثمين.