فضيحة “بارتي جيت” تضع جونسون أمام امتحان حجب الثقة
بمبادرة من حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، وبعد تورّطه بسلسلة فضائح، بما في ذلك فضيحة الحفلات “بارتي جيت”، يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الاثنين اقتراعاً بحجب الثقة عنه.
في المقابل، اعتبر ناطق باسم “داونينج ستريت”، أن التصويت سيشكّل “فرصة لإنهاء أشهر من التكهّنات والسماح للحكومة بوضع حدّ للأمر والمضيّ قدماً، والوفاء بأولويات الشعب”.
وأضاف: “يرحّب رئيس الوزراء بفرصة عرض قضيته على النواب، وسيذكّرهم بأنه لن تكون هناك قوة سياسية هائلة، عندما يتحدون ويركّزون على القضايا التي تهم الناخبين”، كما أفادت وكالة “رويترز”.
وفيما تشي الحسابات الأولية إلى إمكانية تأمين جونسون لأصوات 180 + 1 في الاقتراع، بفضل العدد الكبير من النواب الذين يتلقون رواتب من الحكومة (نحو 160 – 170) وهو ما يجنبه سحب الثقة ويحصنه ضد اقتراع مماثل لمدة عام.
إلا أن الضرر الناجم عن معارضة عدد كبير من نواب حزبه لاستمراره قد يعني أن فوزه بالاقتراع ليس نصراً نهائياً حسبما أفادت مراسلة شبكة “سكاي نيوز” البريطانية بيث ريجبي. ويذكر أن رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، اضطرت للاستقالة بعد 5 أشهر من فوزها باقتراع حجب الثقة في 2018 رغم دعم ثلثي النواب لها في الاقتراع.
وأعلنت وزيرة الخارجية، ليز تراس، أنها تدعم جونسون في التصويت، و”شجّعت بشدة الزملاء على مساندته”. وتابعت أنه “أوفى بوعده وحقق تعافياً من كوفيد-19 ودعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي. وقد اعتذر عن الأخطاء المُرتكبة. علينا الآن التركيز على النموّ الاقتصادي”.
كذلك قال وزير المال البريطاني، ريشي سوناك، إنه يدعم قيادة جونسون، إذ كتب على “تويتر”: “من خطة اللقاح (المضاد لكورونا) إلى ردّنا على العدوان الروسي، أظهر رئيس الوزراء قيادة قوية تحتاجها بلادنا. أنا أدعمه اليوم وسأواصل دعمه بينما نركّز على تنمية الاقتصاد، ومعالجة تكاليف المعيشة وتصفية متأخرات كوفيد”.
ويُعتبر سوناك وتراس مرشّحين لتولّي رئاسة الوزراء مستقبلاً، بحسب رويترز”.
احتساب الأصوات فوراً
وأشارت مذكرة إلى نواب حزب المحافظين، وجّهها جراهام برادي، رئيس “لجنة 1922” في مجلس العموم (البرلمان) البريطاني، المسؤولة عن التنظيم في الحزب، إلى “تجاوز عتبة 15% من أعضاء الحزب في البرلمان الذين يسعون إلى التصويت على الثقة بزعيم حزب المحافظين”.
وذكر برادي أن التصويت سيجرى بين الساعة السادسة والثامنة مساءً بالتوقيت المحلي، مضيفاً: “سيتم احتساب الأصوات فوراً بعد ذلك، وسيصدر إعلان في وقت” يُعلن لاحقاً، كما أفادت “رويترز”.
ويحتاج التصويت بحجب الثقة عن قيادة بوريس جونسون، توجيه 54 نواباً من حزب المحافظين كتاباً في هذا الصدد إلى برادي.
وإذا خسر جونسون التصويت لدى 359 نائباً من الحزب، يخلفه آخر في زعامة المحافظين ورئاسة الوزراء. ولكن إذا فاز، فسيكون في مأمن لمدة سنة، من تصويت آخر على تحدي زعامته، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.
ارتفاع أسعار الوقود والغذاء
جونسون الذي عُيّن رئيساً للوزراء في عام 2019، يكافح من أجل طيّ صفحة أشهر من الفضائح الأخلاقية، أبرزها بشأن تنظيم حفلات في مبان حكومية، مخالفة لقواعد الإغلاق خلال أزمة فيروس كورونا المستجد.
وأعرب العشرات من نواب حزب المحافظين، عن قلقهم بشأن ما إذا كان جونسون (57 عاماً) فقد سلطته في حكم بريطانيا، التي تواجه أخطار ركود وارتفاع في أسعار الوقود والغذاء، وفوضى سفر أحدثتها إضرابات في لندن، بحسب “رويترز”.
وكان جيسي نورمان، الذي شغل منصب وزير دولة في وزارة المال، بين عامَي 2019 و2021، أحدث نائب من حزب المحافظين يطلب علناً التصويت على الثقة بقيادة جونسون، معتبراً أنه لم يعُد يستطيع مساندته.
وكتب في رسالة نشرها على “تويتر”: “الأحداث الأخيرة ساهمت في توضيح الموقف الذي يشهده هذا البلد تحت قيادتك، بما لا يدع مجالاً للشك، وأخشى أنه لا يمكنني رؤية أيّ ظروف يمكن أن أخدم فيها في حكومة بقيادتك”.
عزل جونسون
ويُعتبر فقدان نواب كثيرين الثقة بجونسون، بمثابة ضربة قوية له، علماً أنه قاد حزب المحافظين إلى أضخم فوز له في الانتخابات العامة منذ أكثر من 3 عقود، في عام 2019. لكن هذا التصويت قد لا يعني نهاية رئاسته للحكومة، بحسب وكالة “بلومبرغ”.
وقال وزير الصحة ساجد جاويد لشبكة “سكاي نيوز” الاثنين، قبل إعلان برادي: “سيقف رئيس الوزراء ويحارب بحجّة قوية جداً. لذلك دعونا ننتظر ونرى ما سيحدث”.
ويتطلّب عزل جونسون أغلبية من أعضاء الحزب، البالغ عددهم 359 نائباً، علماً أن أيّ امتناع عن التصويت يغيّر الحسابات.
وقد تصبّ عدة عوامل في مصلحة رئيس الوزراء، بما في ذلك العدد الكبير من النواب الذين يتلقون رواتب من الحكومة، وعدم وجود خلفاء واضحين في زعامة الحزب، للالتفاف حولهم.
ويُظهِر التاريخ أن رؤساء الوزراء يضعفون عادة بشكل كبير، ولو فازوا في الاقتراع، لأنه يكشف عمق المعارضة لهم.
وأُرغمت رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، على التنحّي بوسائل أخرى، بعد أشهر على فوزها في اقتراع بحجب الثقة عنها، على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بحسب “بلومبرغ”.
ويأتي عدم اليقين بشأن مستقبل جونسون، فيما تعاني المملكة المتحدة من التداعيات الاقتصادية لـ”بريكست”، وكورونا الذي جعل المستهلكين يواجهون أسوأ ضغوط على مستويات المعيشة منذ خمسينات القرن العشرين، ناهيك عن تفاقم أزمة الغلاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
إساءة للموظفين الحكوميين
وكان جونسون نفى الأسبوع الماضي، خرقه مدوّنة السلوك الوزاري للحكومة البريطانية، علماً أنه بات أول رئيس وزراء بريطاني يكتشف أنه خالف القانون أثناء تولّيه منصبه، عندما غرّمته الشرطة بسبب حضوره حفلة عيد ميلاد في يونيو 2020.
ورغم اعتذاره، رفض جونسون الاستقالة مرات، ووجّه رسالة في هذا الصدد، إلى مستشاره المستقلّ المعنيّ بالمصالح الوزارية، اللورد كريستوفر جايت، الذي أصدر تقريراً سنوياً أوضح فيه أن على جونسون شرح زعمه أنه لم يخرق المدوّنة، في ضوء غرامة الشرطة.
وقال جونسون: “لم أنتهك المدوّنة. لم تكن هناك نيّة لخرق القانون”. وشدد على أنه أقرّ بـ”المسؤولية التامة” أمام البرلمان “واعتذر عن الخطأ” الذي ارتكبه.
كذلك اعتذر جونسون لعمال تنظيف وحراس أمن في “داونينج ستريت”، بعدما أظهر تحقيق أشرفت عليه الموظفة الحكومية البارزة سو جراي، أنهم تعرّضوا للإساءة من موظفين حكوميين كانوا ينظمون حفلات صاخبة خلال فترة الإغلاق المرتبط بكورونا.
ووَرَدَ في تقرير جراي: “ما كان ينبغي السماح بإقامة العديد من تلك الفعاليات… يجب أن يتحمّل القادة مسؤولية هذه الثقافة، سواء كانوا سياسيين أو رسميين”، وفق وكالة “فرانس برس”.