فوبيا الإنقلاب تسيطر على عقل أردوغان
اعتقال عشرة أدميرالات متقاعدين بسبب انتقاد مشروع قناة اسطنبول
أصدر قضاء النظام التركي، يوم الاثنين، مذكرات توقيف بحق عشرة أدميرالات متقاعدين بسبب الرسالة المفتوحة التي وقعها مئات من الضباط السابقين تنتقد مشروع قناة اسطنبول المدعوم من أردوغان.
وأفاد مكتب المدعي العام في أنقرة أن الأدميرالات العشرة المتقاعدين وضعوا في الحبس على ذمة التحقيق. ولم يوقف أربعة ضباط سابقين آخرين بسبب سنهم لكن طلب منهم المثول أمام شرطة أنقرة في الأيام الثلاثة المقبلة.
فوبيا الإنقلاب
لا شكّ أن حكومة العدالة والتنمية ورئيس النظام التركي أردوغان شخصياً يعانون بشدّة من فوبيا الإنقلاب، إنه مثل شبح يلاحقهم في بلد عُرِف على أنه مهد الإنقلابات بامتياز.
أردوغان ومن معه أوجدوا على مرّ عقدين من الزمن جميع الوسائل التي تحول دون وجود أدنى احتمال لإنقلاب مستقبلي.
أما المشكل الحقيقي فيكمن في أنّ أي رأي خاصة اذا كان صادراً من عسكريين فإنه سرعان ما يفسّر من طرف اردوغان وحكومته على أنها محاولة انقلابية وهكذا جرى التعامل مع بيان أدميرالات البحرية التركية المتقاعدين.
فخلال 24 ساعة الماضية قامت قيامة حكومة العدالة والتنمية ولم يبق مسؤول منهم دون أن يدلي بدلوه محذّراً من وجود انقلاب على الأبواب ثم اختتم الموقف بما كنا توقّعناه، ليلة اعتقال الأدميرالات.
آخر المروجين
آخر المروّجين لفوبيا الإنقلاب كان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي قال في بيان له، أن البيان الصادر عن الضباط المتقاعدين برتبة أدميرال من القوات البحرية بأنه أسلوب يستحضر انقلابا.
ونقلت وكالة الأناضول التركية اليوم الاثنين عنه القول في مقابلة إعلامية أن قناة إسطنبول التي تعتزم تركيا فتحها، لا تؤثر على اتفاقية مونترو (الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية)، وأن الاتفاقية ليس لها تأثير كذلك على مشروع القناة.
وقال جاويش أوغلو عن بيان الضباط المتقاعدين: “إنه جاء بأسلوب استحضار الانقلابات كما كان في السابق”. وأكد دفاع أردوغان والحكومة عن الوطن الأزرق (المياه الواقعة تحت السيادة التركية) وعن مصالح البلاد.
وأضاف أن الذين يقفون وراء البيان لا يعنون منه اتفاقية مونترو، وإنما يستهدفون أردوغان وحكومته وتحالف الشعب (يضم حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية).
وفتحت النيابة العامة بأنقرة أمس تحقيقا حول بيان الضباط المتقاعدين.
ويؤيد الموقعون على البيان الالتزام بمعاهدة مونترو التي تنظم المرور عبر البوسفور والدردنيل، وهما مضيقان بين البحر الأسود والبحر المتوسط.
وجاء في البيان أنه تم استقبال النقاش حول الانسحاب المحتمل من المعاهدة بقلق. كما قال إنه يجب على القوات المسلحة التركية التمسك بمبادئ الدستور، الذي ينص على الالتزام بالعلمانية.
تحذيرات جاويش أوغلو من شبح الإنقلاب كان قد ردّدها زملاؤه من طاقم الحزب الحاكم ومن بينهم رئيس البرلمان مصطفى شنطوب، ونائب رئيس الجمهورية فؤاد أوقطاي، والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، وعدد من الوزراء.
وقال ابراهيم قالن المتحدث باسم الرئاسة إن البيان يحمل سمات مؤامرة عسكرية للإطاحة بالحكومة.
وأضاف “مجموعة من الجنود المتقاعدين يضعون أنفسهم في وضع مضحك وبائس ببيانهم الذي يردد أصداء زمن الانقلابات”.
وتحكم اتفاقية مونترو الموقعة عام 1936 استخدام سفن الشحن من الدول الموقعة عليها لمضيقي البوسفور والدردنيل.
وتعطي الاتفاقية تركيا السيطرة على المضيقين داخل حدودها وتضمن دخول السفن المدنية في أوقات السلم كما تقيد دخول السفن الحربية.
خطة أردوغان
وتخطط تركيا لشق قناة ضخمة تربط البحر الأسود شمالي اسطنبول ببحر مرمرة في الجنوب قال مسؤول تركي إن الاتفاقية لن تشملها.
وبحسب وكالة نوفوستي الروسية للأنباء، فإن “ما أثار الانتقادات هو نشر مثل هذه الرسالة باسم الأميرالات بغض النظر عن مضمونها حتى وإن كانت بريئة تماما. ذلك أن كاتبيها لم يتصرفوا بصفتهم أشخاص عاديين بل بصفتهم عسكريين متقاعدين كبارا”.
وأوضحت الوكالة أن “هذه الرسالة يُنظر إليها على أنها تدخل الجيش في السياسة وهذا أمر تنظر السلطات إليها نظرة سيئة جدا، مع الأخذ بعين الاعتبار تجربة سلسلة من الانقلابات العسكرية في تركيا”.
وكان بيان الأميرالات المتقاعدين دعا إلى تجنب جميع أنواع الخطابات والأعمال التي قد تجعل اتفاقية “مونترو” (الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية) موضوعا للنقاش.
وأشار إلى أن بعض الصور “غير المقبولة” في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي شكلت مصدر قلق. وأدان البيان ذاته الجهود الرامية إلى إظهار الجيش التركي وقوات البحرية “بعيدين عن المسار المعاصر الذي رسمه أتاتورك (مؤسس الجمهورية)”.
وتابع: “وإلا فإن الجمهورية التركية يمكن أن تواجه مخاطر وتهديد التعرض لأحداث يشوبها الاكتئاب وهي الأخطر بالنسبة إلى وجودها، وهناك أمثلة عليها في التاريخ”.
وردت وزارة الدفاع التركية على بيان الضباط المتقاعدين ببيان أكدت فيه أنّ هذا البيان لن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بديمقراطيتنا والتأثير سلبا على معنويات ودوافع أفراد القوات المسلحة التركية وإسعاد أعدائنا”.
وكرد فعل عاجل أصدرت النيابة العامة في العاصمة التركية أنقرة، تحقيقا حول بيان صادر عن 103 جنرال متقاعد تركي بخصوص اتفاقية مونترو الدولية.
وأوضحت النيابة في بيان، الأحد، أنه سيتم التحقيق مع الموقعين على البيان ومن يقف وراء إعداد هذا البيان.
بينما دعا اردوغان الى اجتماع عاجل لحكومته ومساعديه واجهزته الأمنية ظهر هذا اليوم لتدارك تداعيات بيان الاديمرالات.
حالة الهلع التي انتابت أركان حكم اردوغان والخوف من شبح الانقلاب تثبت هشاشة اركان هذا النظام وعدم استعداده أن يكون ديموقراطيا بما فيه الكفاية فيتقبل الرأي والرأي الآخر.