فيتو أمريكي ضد مشروع قرار جزائري لقبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة
فشل مجلس الأمن الدولي الخميس، في منح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة حيث استخدمت الولايات المتحدة، الخميس، حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي، ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة.
وصوت لصالح مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر نيابة عن المجموعة العربية، 12 عضواً من بين أعضاء المجلس الـ15، فيما امتنعت بريطانيا وسويسرا عن التصويت، وعارضته الولايات المتحدة.
وقالت فانيسا فريزيير، مندوبة مالطا ورئيسة الجلسة، إن مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة “لم يعتمد، نظراً للصوت السلبي لعضو دائم في المجلس”.
وبعد استخدامه الفيتو، قال روبرت وود إنه لم يكن هناك إجماع بين أعضاء “لجنة قبول الأعضاء الجدد”، حول ما إذا كان مقدم الطلب يستوفي معايير العضوية، على النحو المنصوص عليه في المادة الرابعة من مـيثاق الأمم المتحدة.
إجراء الإصلاحات اللازمة
وأضاف: “طالبنا السلطة الفلسطينية منذ فترة طويلة بإجراء الإصلاحات اللازمة للمساعدة في تحديد سمات الاستعداد لإقامة الدولة، ونلاحظ أن حماس، وهي منظمة إرهابية، تمارس حالياً السلطة والنفوذ في غزة، وهي جزء لا يتجزأ من الدولة المتوخاة في هذا القرار. ولهذه الأسباب، صوتت الولايات المتحدة ضد قرار مجلس الأمن”.
ولكن روبرت وود قال إن هذا التصويت “لا يعكس معارضة لإقامة دولة فلسطينية، بل هو اعتراف بأن ذلك لن يتأتى إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين”، مشيراً إلى أن بلاده تدعم بقوة حل الدولتين.
غير نزيه وغير أخلاقي
وأدانت الرئاسة الفلسطينية استخدام الفيتو الأميركي، ووصفته بأنه “غير نزيه وغير أخلاقي وغير مبرر، ويتحدى إرادة المجتمع الدولي الذي يؤيد بقوة حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة”، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفلسطينية.
واعتبرت الرئاسة الفلسطينية أن “هذه السياسة الأميركية العدوانية تجاه فلسطين وشعبها وحقوقها المشروعة تمثل عدواناً صارخاً على القانون الدولي، وتشجّع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وتزيد في دفع المنطقة إلى شفا الهاوية”.
وقالت أيضاً إن الفيتو الأميركي “يكشف تناقضات السياسة الأميركية التي تدّعي من جانب أنها تدعم حل الدولتين، فيما هي تمنع المؤسسة الدولية من تنفيذ هذا الحل عبر استخدامها المتكرر للفيتو في مجلس الأمن ضد فلسطين وحقوقها المشروعة”.
بدوره، أكد رياض منصور ممثل فلسطين لدى الأمم المتحدة أن حق الفلسطينيين في تقرير المصير حق طبيعي وتاريخي وقانوني “في العيش في وطننا فلسطين كدولة مستقلة حرة ذات سيادة”، وأنه “حق لا يؤجل ولا يعلق ولا يسقط بالتقادم، ولا يخضع لأي تحكم أو تسلط أو تشرّط؛ لا سيما من قبل إسرائيل”.
وأكد خلال جلسة مجلس الأمن، أن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة هي استثمار في السلام، ولا تنتقص من حقوق أي من الدول الأعضاء، ولا تهدد أو تنفي عضوية أي منها، مشدداً على أن “عدم تبني القرار لن يكسر إرادتنا، ولن يثنينا ولم يهزم عزيمتنا”.
وجدّد منصور الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية دولية متعددة الأطراف يهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق استقلال دولة فلسطين. وشدد على أن الشعب الفلسطيني شعب يتوق للحرية والحياة الكريمة والعيش بسلام، وأنه “لن يختفي ولن يندثر”.
كما أدانت حركة “حماس”، الجمعة، بأشد العبارات استخدام الولايات المتحدة للفيتو في وجه مشروع القرار، وقالت إن أميركا باستخدامها الفيتو “تقف ضد شعبنا الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة”.
إشادة إسرائيلية
من جهته، أشاد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس باستخدام أميركا للفيتو، من أجل رفض ما وصفه بـ”الاقتراح المخزي” في مجلس الأمن الدولي.
كما شكر سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، الرئيس الأميركي جو بايدن على وقوفه إلى جانب ما وصفها بـ”الحقيقة في مواجهة النفاق والسياسة”، من خلال استخدام الفيتو ضد مشروع القرار.
وقال إنه “من المحزن أن معظم أعضاء المجلس قرروا مكافأة الإرهابيين بدولة فلسطينية”، مضيفاً أن تصويتهم “لن يؤدي سوى إلى تشجيع الرفض الفلسطيني (للحلول)، ويجعل السلام شبه مستحيل”.
وتابع قائلاً: “التحدث إلى هذا المجلس يشبه التحدث إلى جدار من الطوب. أدعو أن يأتي اليوم الذي تفهمون فيه حجم الخطأ الذي ترتكبونه هنا. أدعو أن تفهموا قبل فوات الأوان”.
محاولة يائسة لوقف المسار الحتمي للتاريخ
وعقب التصويت، قال ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، إن هذه هي المرة الخامسة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الفيتو ضد قرار للمجلس، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأضاف: “أظهر الأميركيون مرة أخرى ما يؤمنون به حقاً تجاه الفلسطينيين. بالنسبة لواشنطن، فإنهم (الشعب الفلسطيني) لا يستحقون أن تكون لهم دولة خاصة بهم. فهم مجرد عائق في طريق تحقيق مصالح إسرائيل”.
وأشار إلى أن أغلبية مطلقة من المجتمع الدولي في الوقت الراهن، تؤيد طلب فلسطين لتصبح كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
واعتبر أن “استخدام الوفد الأميركي لحق النقض اليوم هو محاولة يائسة لوقف المسار الحتمي للتاريخ”، مشيراً إلى أن “نتائج التصويت” تظهر أن “واشنطن كانت في عزلة تامة تقريباً”.
وأضاف السفير الروسي أن الهدف هو “كسر إرادة الفلسطينيين لإجبارهم دفعة واحدة وإلى الأبد، على الخضوع لقوة الاحتلال، وتحويلهم إلى خدم وأشخاص من الدرجة الثانية”، وربما إجبارهم على الخروج إلى الأبد من أراضيهم الأصلية.
وأشار إلى أن “واشنطن نفسها ستخرج نهائياً من قائمة الدول المحبة للسلام والمحترمة. بعد أن تقاسمت المسؤولية الكاملة مع حلفائها الإسرائيليين عن قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين”.
ولموافقة المجلس على أي قرار، يلزم تأييد 9 دول على الأقل وعدم استخدام أي من الدول دائمة العضوية، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، حق النقض (الفيتو).
حق غير قابل للتصرف
ووصف السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو تسونج، الفيتو الأميركي بـ”اليوم الحزين” لأن الدولة الفلسطينية تعتبر حلماً لأجيال عدة من الفلسطينيين.
وقال إن “حلم الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة، تلاشى في الوقت الذي أصبح فيه قبول فلسطين عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة ضرورة ملحّة أكثر من أي وقت مضى”.
وأضاف أنه “خلال الأعوام الـ13 الماضية، تغير الوضع في فلسطين، بسبب التوسع الاستيطاني، وبالتالي فإن التشكيك في قدرة فلسطين على الحكم أمر غير مقبول”.
وأكد أن “تأسيس دولة مستقلة حق غير قابل للتصرف للشعب الفلسطيني، ولا يمكن التشكيك فيه”، مضيفاً أن “قبول فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة، من شأنه أن يساعد بالفعل في المفاوضات مع إسرائيل بشأن حل الدولتين”.
ولفت إلى أن “عجلات التاريخ تمضي قدماً، وسوف تعيش فلسطين وإسرائيل يوماً ما في سلام جنباً إلى جنب”، متعهداً بدعم الصين من “أجل أن نشهد حدوث ذلك”.
بريطانيا وفرنسا
من جانبها، قالت المندوبة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، الخميس، إن بلادها “تؤكد التزامها بإحراز تقدم نحو حل الدولتين، حيث تعيش إسرائيل في سلام وأمن إلى جانب دولة فلسطينية ذات سيادة تتمتع بمقومات البقاء”.
وأضافت: “نحن نوافق على أن سكان الضفة الغربية وغزة لا بد أن يحصلوا على المنظور السياسي لمسار ذي مصداقية إلى دولة فلسطينية ومستقبل جديد، وهذا لا بد أن يكون لا رجعة فيه”.
وبعد أن صوّتت فرنسا لصالح مشروع القرار، قالت نائبة السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة ناتالي برودهيرست، إن الوقت قد حان لتحقيق تسوية سياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين.
وأوضحت أن بلادها “تؤيد مبادرة الجزائر برفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة، وقبولها عضواً كاملاً، مشددة على ضرورة أن يسمح هذا الاعتراف باستئناف عملية حاسمة، ولا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين وتعزيز السلطة الفلسطينية، كي تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها بفعالية وكفاءة في جميع أنحاء أرض الدولة الفلسطينية المستقبلية”.
وأوضحت المندوبة الفرنسية أن “الصراع في غزة يبين مدى أهمية أن يلتزم مجلس الأمن بشكل حازم بالتوصل إلى حل سياسي للصراع، وفي الوقت نفسه تعزيز عمله الإنساني”.
“أقوى وبصوت أعلى”
وعقب التصويت، أكد السفير الجزائري عمار بن جامع أن “التأييد الساحق” في مجلس الأمن للطلب يبعث برسالة واضحة مفادها أن “دولة فلسطين تستحق مكانها المستحق بين أعضاء الأمم المتحدة”.
ووعد بأن تعود بلاده إلى مجلس الأمن “أقوى وبصوت أعلى” بدعم من “الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة”، وأعرب عن أمله في أن أولئك الذين لم يتمكنوا من دعم قبول دولة فلسطين اليوم “سيضطرون إلى القيام بذلك المرة القادمة”.
وعبّرت وزارة الخارجية المصرية في بيان، عن أسفها “لعجز” مجلس الأمن عن إصدار قرار يمكن الدولة الفلسطينية من الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
كما أعرب الأردن عن الأسف الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني القرار، ودعا كل الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية “التي لن يتحقق الأمن والسلام في المنطقة من دون تجسيدها”.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط عبر منصة “إكس”، إن من المؤسف أن يستخدم الفيتو لإعاقة “إرادة دولية واضحة” بالموافقة على انضمام فلسطين للأمم المتحدة.
ويحظى الفلسطينيون في الوقت الراهن بصفة دولة غير عضو لها وضع مراقب، كانت أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2012..
وتأتي المحاولة الفلسطينية لنيل عضوية كاملة بالأمم المتحدة بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وفي ظل توسيع إسرائيل مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أمام مجلس الأمن، الخميس، في جلسة بشأن الوضع في الشرق الأوسط: “التصعيد الحديث يجعل دعم الجهود حسنة النوايا أكثر أهمية لتحقيق سلام دائم بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة بالكامل، وتتمتع بمقومات البقاء وذات سيادة”.
وأضاف: “الفشل في إحراز تقدم صوب حل الدولتين سيزيد فحسب من التقلبات، والمخاطر أمام مئات الملايين في أنحاء المنطقة، إذ سيواصلون العيش تحت تهديد مستمر بالعنف”.