في مواجهة عملية لمشروع التهجير

محسن أبو رمضان

حتى الآن لم يتم التعامل بمخطط ترمب حول تهجير أهل غزة وتحويلها إلى ريفيرا الشرق بالجدية الكافية، ولم يتم بلورة خطوات عملية ترمي إلى إفشال هذا المشروع الرامي لاستكمال نكبة عام 1948 وتحقيق المشروع الاستعماري الصهيوني القائم على إفراغ السكان الأصليين وإحلال المستوطنين الصهاينة الجدد على أنقاضهم .

صحيح أن القمة العربية التي عقدت مؤخرا بالقاهرة تبنت خطة بديلة متكاملة، والتي تبناها العرب بالإجماع ردا على مقترحات ترمب، وصحيح أن الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي عبر عن موقف رافض لمشروع التهجير، إلا أن ذلك بحاجة إلى مزيد من الخطوات والإجراءات العملية، بهدف إفشال هذا المشروع التصفوي .

وإذا أردنا تأصيل الموضوع، أي التهجير والمحو والإزاحة والتطهير العرقي، فهذا يقع في صلب الأيدولوجيا الصهيونية، وبالقلب منه مشروع اليمين الفاشي الذي يقود حكومة الاحتلال.

علينا أن ننتبه إلى قيام هذه الحكومة باتخاذ إجراءات عملية (لتسهيل مغادرة الفلسطينيين طوعا) مستغلين حالة الأوضاع الإنسانية الصعبة والمأساوية الناتجة عن حرب الإبادة الجماعية، ومغلفين ذلك بشعار (التهجير أو الاختيار الطوعي) والذي سيكون قسريا في هذه الحالة عندما لاتتوفر مقومات الحياة الأساسية من غذاء ودواء ومسكن  .

وما يعزز هذه الإجراءات التصريحات المتكررة لأركان حكومة الاحتلال، ابتداء من نتنياهو مرورا بكاتس

وساعر وصولا إلى كل من سموتريتش وبن غفير.

وليس من الدقيق التخفيف من جدية وعملية مخطط التهجير عبر الحديث عن أهداف ترمب التي ترمي إلى رفع السقف بالحد الأقصى من أجل الوصول إلى الحد الأدنى ومثل مقايضة وقف التهجير بالتطبيع مع السعودية أو من أجل موافقة العرب على ضم الضفة الغربية مقابل وقف تهجير أهل غزة  .

علينا إدراك أن هناك شعورًا لدى دولة الاحتلال بأن اللحظة التاريخية أضحت مهيأة لتنفيذ ذلك، مترافقا مع العمل على تنفيذه ولو جزئيا بالضفة الغربية، على طريق ضمها أو ضم مساحات واسعة منها في سياق رؤية نتنياهو الذي يعتقد أنه يعمل على تحقيقها على الأرض، والقائمة على تحقيق الشرق الأوسط الجديد، والتي ستكون لدولة الاحتلال كلمة الفصل بها وفق مخططه.

الخطورة في أن مقترح التهجير جاء من ترمب، وهو الشخص النرجسي الذي يؤمن بالمال والأعمال والصفقات العقارية، والذي يريد الاستثمار وتحقيق الأرباح من ساحل وبحر غزة، ولا يؤمن أو يكترث بالقانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان.

ولكي يتم إفشال مخطط التهجير لابد من اتخاذ قرارات وإجراءات عملية على المستوى الفلسطيني، ومتابعة ذلك عربيا ودوليا .

لقد آن الأوان لعقد دورة نظامية للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، وذلك بهدف تفعيل القرارات التي اتخذها منذ عام 2015، والرامية إلى تعليق الاعتراف بدولة الاحتلال ووقف التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي، وتجديد الإعلان عن دولة فلسطين وفق القرار 19/67 بوصفها تقع تحت الاحتلال، ومطالبة بلدان العالم بإنهاء الاحتلال عنها .

ويشار هنا إلى أن مكانة دولة فلسطين قد تعززت أثناء عدوان الاحتلال على غزة، من خلال اعتراف حوالي 149 دولة بها، إلى جانب القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بخصوص الوحدة السياسية والجغرافية والقانونية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، آي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

إن تجديد الاعتراف بدولة فلسطين مترافقا مع تحقيق الوحدة الوطنية عبر تنفيذ مخرجات إعلان بكين سيعمل على اعتبار جميع إجراءات وممارسات الاحتلال، سواء من خلال الاستيطان أو تهويد القدس أو مخططات التهجير والتطهير العرقي أو تعزيز التجزئة والفصل بين الضفة والقطاع، سيعتبر جميعها غير شرعية وتتنافى مع القانون الدولي.

إننا بحاجة إلى استثمار قرار محكمة الجنايات الدولية بخصوص إصدار مذكرات تجاه كل من نتنياهو وغالانت بوصفهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسحب ذلك على العديد من الضباط والجنود والمسؤولين من دولة الاحتلال المتورطين في حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في القطاع، وكذلك في الضفة، مترافقا ذلك مع تفعيل حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال.

لقد بات مطلوبًا مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بتجميد عضوية إسرائيل بها، بوصفها دولة مارقة لا تحترم القانون الدولي، بل تمعن بتقويضه وتدميره، بما يحفز إمكانية المطالبة بتجديد  قرار 3379 الصادر عن الجمعيه العامة للأمم المتحدة عام 1975 والقاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية، والذي تم الغاؤه على إثر المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاق أوسلو.

لقد أصبحت صورة دولة الاحتلال سيئة جدا أمام الرأي العام العالمي، وأمام الشعوب وحركات التضامن الشعبي الدولي والحركات الطلابية والشبابية في العالم، الأمر الذي يتطلب استثمار حالة السقوط الأخلاقي لدولة الاحتلال، والتي تضع المدنيين في عين العاصفة وتدمر المستشفيات، وتفرض التجويع وتستخدمه كسلاح في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة.

إن تمسك شعبنا بأرضه وعدم الاستجابة إلى (تسهيلات) الاحتلال التهجيرية، وذلك عبر تشكيل لجان شعبية تعمل على توعية المواطنين بمخاطر ذلك، وكذلك القيام بعودة العائلات التي اضطرت للمغادرة من  مصر وغيرها من البلدان بسبب العدوان إلى غزة، سيعمل على إفشال مخطط التهجير.

لقد بات من الضروري قيام الفاعليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وكل المكونات المجتمعية بالتضافر بهدف تعزيز مقومات الصمود، ومنع الاحتكارات وارتفاع الأسعار وصيانة السلم الأهلي ووحدة النسيج الاجتماعي وتحقيق قيم التكافل والتضامن، وذلك عبر تشكيل لجان شعبية مشتركة تحقق هذا الهدف وتفشل مخطط (التسهيلات) التهجيرية لدولة الاحتلال.

إن التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار يعتبر مقترح التهجير والتطهير العرقي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، إلى جانب جريمة العقاب الجماعي من خلال فرض الحصار الشامل على القطاع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، يشكل مدخلا مهمًا عبر التسلح بالشرعية الدولية، وذلك بالاستناد إلى القانون الدولي الذي عززته مخرجات القمة العربية، بما يشمل الحث على اتخاذ خطوات وعبر التنسيق مع الأمم المتحدة تدفع للضغط على دولة الاحتلال لإدخال المساعدات وكسر الحصار المفروض، وذلك تنفيذًا لقرارات القمة العربية السابقة، وإعمالا للإرادة الدولية والقانون الدولي الإنساني.

ويشار هنا إلى أن دولة الاحتلال ملزمة بفعل وثيقة جنيف الرابعة بإدخال المساعدات، وذلك بغض النظر عن اتفاق الدوحة الأخير بخصوص وقف إطلاق النار .

أعلاه بعض المقترحات التي أرى إمكانية تنفيذها، للمساهمة العملية في إفشال مخاطر مخطط التهجير الذي بدأ يأخذ أبعادا عملية.

إننا أمام تحديات مصيرية، الأمر الذي يتطلب خطوات ملموسة على المستوى الوطني، للعمل على إفشال مخطط التهجير وتعزيز صمود شعبنا على أرضه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى