قصة ظهور كورونا مثيرة للشك
ديفيد اغناتيوس
إن قصة ظهور فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان بالصين قد تسببت بمعركة دعائية سيئة بين الولايات المتحدة والصين. إذ تبادل الجانبان بعضًا من التهم الأكثر قسوة بين بلدين منذ الاتهام الزائف الذي وجهه الاتحاد السوفيتي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتصنيع فيروس الإيدز.
لا يعتقد مسؤولو المخابرات أن الجائحة سببها أخطاء متعمدة. فبدلاً من ذلك، بدأ التفشي الذي اجتاح العالم الآن بقصةٍ أبسط، حتى وإن كانت ذات عواقب مأساوية: المشتبه به الرئيسي هو الانتقال “الطبيعي” من الخفافيش إلى البشر، وربما من خلال الأسواق غير الصحية. لكن العلماء لا يستبعدون مسألة أن حادثًا في مختبر أبحاث في مدينة ووهان قد تسبب بنشر فيروس الخفافيش المميت الذي تم جمعه لغرض الدراسة العلمية.
“علمٌ جيد وسلامةٌ سيئة”، هذه هي النظرية التي طرحها السناتور توم كوتون (جمهوري عن ولاية أركنساس) في تغريدةٍ له في السادس عشر من شهر فبراير. إذ صنف مثل هذا الخلل (أو الانتقال الطبيعي) بأنه السبب الأكثر احتمالاً من بين احتمالين آخرين أكثر حِدة: تسرب عن طريق الخطأ لـ “سلاح بيولوجي مُصمم” أو “”إطلاق مُتعمد”. وقد أحدث حديث كوتون غير الدقيق عن الأسلحة البيولوجية في وقتٍ سابق ضجةً كبيرة، وذلك عندما أثاره في أول مرة في أواخر شهر يناير ووصف التفشي بأنه “أسوأ من تشيرنوبيل”.
وقد زاد الرئيس ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو الطين بلة في الشهر الماضي عندما وصفا فيروس كورونا بأنه “الفيروس الصيني” و “فيروس ووهان”، على نحوٍ متعاقب.
لقد انتقدت الصين الادعاءات الصارخة وغير المسؤولة الموجهة إليها. وفي الواحد والعشرين من شهر مارس، اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ليجيان تشاو في تغريدةٍ له [الولايات المتحدة] قائلًا: “ربما يكون الجيش الأمريكي هو من جلب الوباء إلى مدينة ووهان”. كما قام بإعادة تغريد مقال يُزعم فيه، بدون دليل، أنه ربما يكون الجنود الأمريكيون هم من نشر الفيروس عندما حضروا مهرجان الألعاب العسكرية العالمية في مدينة ووهان في شهر أكتوبر من العام 2019م.
تراجعت الصين في الثاني والعشرين من شهر مارس، وذلك عندما قال السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تسوي تيانكاي لبرنامج “أكسيوس على قناة إتش بي أو” إن هذه الشائعات كانت “جنونًا” من كلا الجانبين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية [الأمريكية] إن تعليق تسوي كان “موضع ترحيب”، كما أخبرني مسؤولٌ بارز في الإدارة أن ترمب والرئيس الصيني شي جين بينغ تعهدا في مكالمةٍ هاتفية في السابع والعشرين من شهر مارس بـ “التركيز على السلوك التعاوني”.
وللتوضيح: يعتقد مسؤولو المخابرات أنه لا يوجد دليلٌ على الإطلاق على أن فيروس كورونا قد تم صنعه في مختبر كسلاحٍ بيولوجي محتمل. ويوضح البحث العلمي القوي أن الفيروس لم يتم تصميمه من قِبل البشر، وأنه نشأ في الخفافيش.
ولكن كيف حدث التفشي؟ إن حل هذا اللغز الطبي مهمٌ جدًا لمنع الأوبئة المستقبلية. ما هو واضحٌ بشكلٍ متزايد هو أن البداية “قصة النشأة” – وأن انتشار الفيروس كان بسبب الأشخاص الذين تناولوا الحيوانات الملوثة في سوق المأكولات البحرية في مدينة ووهان – هي أمرٌ مشكوكٌ فيه. لقدد حدد العلماء السبب بأن فيروس كورونا قادمٌ من الخفافيش، من خلال التسلسل الجيني، فلم تكن الخفافيش تُباع في سوق المأكولات البحرية، على الرغم من أن ذلك السوق أو غيره من الأسواق يمكن أن تُباع فيه حيواناتٌ ذات علاقة بالخفافيش. وكانت مجلة لانسيت قد أشارت في دراسةٍ نشرتها في شهر يناير إلى أن أول حالة مصابة بفيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان لم يكن لها علاقة بسوق المأكولات البحرية.
هناك نظرية منافسة أخرى – عن إطلاقٍ غير مقصود لفيروس كورونا القادم من الخفافيش من أحد المختبرات – حيرت العلماء لما يقارب أربعة أسابيع. إن فرع المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها في مدينة ووهان يقع على بعد أقل من 300 ياردة من سوق المأكولات البحرية. لقد نشر الباحثون في تلك المنشأة ومعهد ووهان لعلم الفيروسات الذي يقع بالقرب منها مقالاتٍ حول جمع فيروسات كورونا القادمة من الخفافيش من جميع أنحاء الصين، وذلك بهدف دراستها لمنع الأمراض المستقبلية. هل تسربت إحدى تلك العينات، أم تم رمي المخلفات الخطيرة في مكانٍ يمكن للفيروس الانتشار من خلاله؟
قال لي ريتشارد إبرايت، عالم الأحياء الدقيقة وخبير السلامة الأحيائية في جامعة روتجرز، في رسالة بريد الكتروني: “إن الإصابة البشرية الأولى بالعدوى يمكن أن تكون قد حدثت بشكلٍ طبيعي”، من خلال انتقال الفيروس إلى الإنسان من خلال الخفاش، أو ربما من خلال حيوانٍ آخر. ولكن إبرايت حذر من أنه “يمكن أيضًا أن يكون ذلك قد حدث نتيجةً لحادث غير مقصود في إحدى المختبرات، على سبيل المثال، إصابة عرضية لأحد العمال في المختبر”. وأشار إلى أن فيروس كورونا القادم من الخفافيش كان يُدرس في ووهان تحت إجراءات سلامة حيوية من الدرجة الثانية، “التي توفر الحد الأدنى فقط من الحماية”، مقارنةً بإجراءات السلامة الحيوية من الدرجة الرابعة التي تُعد هي المُثلى.
ووصف إبرايت مقطع فيديو نُشر في شهر ديسمبر لموظفي مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بمدينة ووهان بأنه يُظهر الموظفين “يقومون بجمع فيروس كورونا القادم من الخفافيش بـ [معدات حماية شخصية] غير كافية وبممارسات تشغيلية غير آمنة”. وبشكلٍ منفصل، قمت بمراجعة مقالتين صينيتين، من عام 2017 وعام 2019، تصف بطولات الباحث في مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بمدينة ووهان تيان جوهوا، الذي “نسي اتخاذ التدابير الوقائية” اثناء التقاطه للخفافيش في أحد الكهوف لدرجة أن “بول الخفاش كان يقطر على رأسه كقطرات المطر”.
ثم هناك الدراسة الصينية التي سُحبت بشكلٍ غريب. ففي شهر فبراير، نشر موقعٌ الكتروني يُدعى ريسيرتش غيت ResearchGate مقالةً موجزة بقلم بوتاو جياو و لي جياو من جامعة جنوب الصين للتقنية في مدينة غوانزو. إذ خلصت المقالة بالقول: “بالإضافة إلى منشأ إعادة التركيب الطبيعية والمُضيف الوسيط، فمن المحتمل أن فيروس كورونا القاتل قد نشأ في مختبرٍ بمدينة ووهان. قد يحتاج مستوى السلامة إلى تعزيز في المختبرات ذات الخطورة الحيوية العالية”. وقال بوتاو جياو لصحيفة الوول ستريت جورنال في شهر فبراير إنه سحب المقالة لأنها “لم تكن مُدعمة بأدلة مباشرة”.
إن الحوادث تقع، سواءً كانت بشرية أم مخبرية. وإن حل لغز طريقة بدء فيروس كورونا المستجد ليس لعبةً لإلقاء اللوم، وإنما هو فرصة للصين والولايات المتحدة للتعاون في الأزمات ومنع حدوثها مستقبلًا.
الأوبزرفر العربي