قطر وتركيا في ليبيا: صديقتان دائما
منى المحروقي
أول ما يخطر على بال المراقب للشأن الليبي وهو يرى التناحر بين عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، هو أين قطر وتركيا من هذا التناحر. فالبلدان تركا بصمتيهما على ليبيا ما بعد القذافي. وإذا كانت الكتائب التابعة لكل طرف تبدو وكأنها تدين بالولاء لهذا المتنافس أو ذاك، فإن جميع هذه الكتائب أو الميليشيات هي تنظيمات عسكرية ساهمت قطر في البداية في إطلاقها، ثم أصبح للأتراك التأثير الأهم في تسليحها وتدريبها.
يبدو أسامة الجويلي ورقة مهمة في الصراع الدائر وهو واحد من الأسماء المؤسسة لحكم الميليشيات في ليبيا. ينبغي استعادة تلك المرحلة المهمة من تحول فوضى الثورة الليبية إلى انقسامات مناطقية وأيديولوجية، كان لقطر اليد العليا فيها في البداية ثم ساهمت تركيا بشكل مستتر ثم مكشوف بها.
أحداث الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي منحت قطر فرصة للتدخل في البلد وظلت الدوحة لسنوات المتحكم الأول في البلاد التي حلم مواطنوها بالاستقرار والرخاء بعد 4 عقود من حكم القذافي.
لكن ذلك الحلم بدأ بالتلاشي ليحل محله إحساس بالخوف واللاأمان بعد أن بدأت عدة معطيات في الظهور. بحسب تقارير وتصريحات أكثر من شخصية ليبية كانت المخابرات القطرية وراء تأسيس قوات الدروع سنة 2012.
تتكون تلك القوة التي أسسها القائد العسكري المحسوب على الإخوان أسامة الجويلي من عناصر شاركت في الإطاحة بالقذافي من بينها عناصر تنتمي إلى تنظيمات متطرفة وهو ما سيكون في ما بعد سببا في إطلاق خليفة حفتر عملية الكرامة لتكون بذلك قطر قد تسببت بقصد أو دون قصد في اندلاع الحرب الأهلية.
رغم الانتقادات التي وجهها خصوم الإسلاميين في ليبيا لقطر واتهامها بدعم معركة فجر ليبيا التي قادتها ميليشيات إسلامية ضد كتائب كانت تؤيد البرلمان سنة 2014، إلا أنها استمرت في التدخل حتى بعد وصول فايز السراج إلى السلطة سنة 2016.
ورغم أنها راهنت على كل الإسلاميين في البداية، إلا أنها قررت في 2016، وربما يكون ذلك تحت ضغوط إقليمية ودولية، تمكين الإخوان أي حزب العدالة والبناء من السلطة، مقابل تهميش الشخصيات الأكثر تطرفا التي اختارت التوجه إلى تركيا.
منذ 2017 وتحت تأثير المقاطعة الخليجية، بدأ الحديث عن دور قطر يتراجع في ليبيا، لتحل محلها تركيا التي كانت ترسل شحنات من الأسلحة إلى حكومة طرابلس متحدية قرار حظر التسليح الدولي على البلاد.
لم توقف الانتقادات شحنات الأسلحة التركية واستمرت أنقرة في دعم المجموعات المسلحة في السر حتى حرب طرابلس ليخرج الدعم إلى العلن وتبدأ تركيا في إرسال ضباطها والمرتزقة السوريين إلى طرابلس.
كان دائما ينظر إلى الدور التركي على أنه مكمل للتدخل القطري وأن دخول أنقرة على الخط يندرج في سياق لعبة تبادل الأدوار، فالدوحة التي كانت متهمة من قبل جيرانها ومصر بدعم الإرهاب لم تكن تريد التدخل في حرب طرابلس لاسيما في ظل الإشارات المتناقضة التي أرسلتها واشنطن والرئيس دونالد ترامب بشأن هجوم حفتر على العاصمة.
حققت قطر من التدخل التركي ما كانت ستحققه أو ربما أكثر، فماذا تريد غير منع حلفاء خصومها الدوليين والإقليميين من السيطرة على العاصمة الليبية، في حين فتحت حرب طرابلس الباب أمام تركيا للسيطرة على غرب ليبيا وربما شرقها أيضا في ظل الهدنة الحالية مع حفتر وتودد عقيلة صالح لها.
يحسب فتحي باشاغا رئيس الحكومة الموازية المكلف من البرلمان على الإخوان، وشغل خلال فترة حكم السراج منصب وزير الداخلية وبدا في أوقات كثيرة قد انتزع السلطة من السراج خاصة خلال حرب طرابلس.
أما خصمه عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها فيسحب على التيار الذي يسمى بتيار المفتي نسبة إلى المفتي الصادق الغرياني وهو تيار أكثر تطرفا ويدين بالولاء لتركيا التي استقبلتهم بعد أن باتوا منبوذين في طرابلس ومصراتة.
تدعم تركيا الدبيبة وهذا الدعم ليس حديثا، فمنذ محادثات جنيف التي فشلت فيها قائمة باشاغا استنتج المتابعون دعم أنقرة للدبيبة على حساب باشاغا الذي يبدو أنه قد خسر ثقة الأتراك إلى الأبد والذين لن يغفروا له فتح قنوات تواصل مع باريس في أوج الحرب وكان من نتائج تلك الخطوة الزيارة التي قام بها الصحافي القريب من دوائر السلطة في فرنسا برنارد هنري ليفي.
قبل فترة من اندلاع الحرب الأخيرة في طرابلس نهاية أغسطس الماضي، أعلنت مجموعة من الكتائب تأييدها لفتحي باشاغا وسط أنباء عن إغداق رئيس الحكومة الموازية على تلك المجموعات ملايين الدينارات وهو ما دفع المتابعين للتساؤل عن مصدر تلك الأموال التي توقع كثيرون أن تكون من قطر.
وبعد نحو أسبوعين من فشل باشاغا في اقتحام العاصمة زار داعمه السياسي الأول رئيس البرلمان عقيلة صالح الدوحة وأشاد “بحرص قطر على أمن ليبيا واستقرارها” واعتبرت الزيارة مؤشرا على استمرار البرود بين الدوحة والدبيبة الذي تحاول مصر بكل الطرق إسقاطه.
وإذا كان سبب برود العلاقات بين الدبيبة والدوحة واضحا نسبيا ويعود إلى عدم رضا قطر عن حرص رئيس حكومة الوحدة الوطنية على بناء علاقات مع الإمارات، فإن سبب التوتر بين مصر وطرابلس والذي اتضح عند مغادرة وزير الخارجية المصري سامح شكري لاجتماع وزراء الخارجية العرب احتجاجا على ترؤس ليبيا للجلسة، ما زال غير واضح.
التقطت مصر الانزعاج القطري من الدبيبة وبنت عليه آمالا أكبر بكثير من الواقع مستفيدة من المصالحة مع الدوحة. تدرك قطر جيدا أنها في ليبيا يد واحدة لا يمكنها التصفيق دون تركيا، لذلك فإن مناوراتها لن تخرج عن سياق الاستعراض تحت مراقبة الأتراك، وبالتالي فإن افتراض وجود تنافس بين قطر وتركيا في ليبيا يبدو غير منطقي.
هاجم باشاغا بدعم قطري العاصمة طرابلس، فكانت تركيا جاهزة للرد عليه واستفادت قطر من الهجوم بكسب ثقة مصر وعززت تركيا ثقتها بالدبيبة، لكن لم تخسر الدوحة علاقتها بأنقرة.