قمة الرياض العربية – الإسلامية.. رهانات بحجم التحديات

الجمعي قاسمي

تتجه أنظار الأوساط السياسية والدبلوماسية العربية والإسلامية، ومعها دوائر صنع القرار في مجمل المنطقة، نحو المملكة العربية السعودية، وتحديدا نحو العاصمة الرياض التي تحتضن يوم غد الاثنين الـ11 من نوفمبر الجاري، قمة عربية إسلامية مشتركة هي الثانية التي تستضيفها الرياض في غضون عام.

وتأتي هذه القمة، التي تُعتبر امتدادا للقمة التي عُقدت بالرياض يوم 11 نوفمبر 2023، في ظل متغيرات في المواقف السياسية أملتها تطورات جيوإستراتيجية بالغة الأهمية تُغذّيها سياقات خطيرة ناتجة عن تواصل حالة الاضطراب والتوتر التي تحيط بالمشهد على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ومن بين هذه السياقات التي فرضت على الدول العربية والإسلامية تحديات جيوسياسية جسيمة ومتعددة الأبعاد، يبرز العدوان الإسرائيلي الآثم والهمجي على الأراضي الفلسطينية، واتساعه ليشمل لبنان، وهو عدوان قلب رأسا على عقب المعادلات التي كانت سائدة قبل السابع من أكتوبر 2023.

ويستدعي، بل يستلزم هذا العدوان الوحشي المتواصل على مرأى ومسمع الجميع، موقفا عربيا وإسلاميا تجاهه، وتجاه مجمل قضايا الأمة المصيرية، وكذلك أيضا تجاه العلاقات الدولية بمختلف توازناتها التي بدأت تنزلق تدريجيا نحو مربعات دراماتيكية في فصولها المتواصلة على مسرح المشهد العالمي.

وليس أدل على ذلك، أن تلك المربعات التي يدفع الإسرائيلي نحوها بعنجهية داست على كل القوانين والمواثيق الدولية، وعربدة تجاوزت كل النواميس السياسية والأخلاقية، لا تخرج عن سياق إعادة رسم هندسة الخارطة الإستراتيجية في المنطقة وتغيير ملامحها وفق حساباته المشبوهة التي لم تعد خافية على أحد.

ونحسب أن توقيت هذه القمة التي جاءت الدعوة إلى عقدها بناء على توجيهات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، واستكمالا للجهود التي بذلها ويبذلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أكسبها أبعادا أخرى في علاقة بتسارع وتيرة التحولات السياسية التي بدأت تتشكل على وقع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وقد سرّعت هذه العودة حركة الأحداث السياسية، كما ارتفع معها سقف المراهنات التي دفعت غالبية الدول إلى إعادة ترتيب أوراقها على وقع المتغيرات الجديدة التي تشي بتوازنات ناشئة ستحكم لاحقا معادلات المشهد الدولي، وذلك في مسعى لاحتواء أو على الأقل التأقلم مع تداعياتها وتأثيراتها.

على هذا الأساس، تتطلع الأوساط السياسية والدبلوماسية العربية والإسلامية، ومعها دوائر صنع القرار في مجمل المنطقة، إلى هذه القمة، وتُراهن على نتائجها لجهة الخروج بقرارات ترتقي إلى مستوى التحديات بعناوين جديدة، وبمعايير تأخذ بعين الاعتبار حسابات التوازنات القادمة، التي فرضتها المُتغيرات الناشئة.

ومع ذلك، قد يُسارع البعض إلى القول إن هذه الرهانات تبقى محدودة لعدة اعتبارات في مقدمتها أن القمة العربية والإسلامية المشتركة المُرتقب عقدها في الرياض، ليست الأولى التي تنعقد بشأن تطور الأوضاع في فلسطين ولبنان، دون تسجيل أدنى تغيير يُذكر في المواقف.

هذا الرأي صحيح، باعتبار أن المشهد السياسي العربي والإسلامي شهد منذ السابع من أكتوبر 2023، وإلى غاية الآن، عقد أكثر من قمة سواء أكانت عادية أم طارئة، حيث استمر العدوان الإسرائيلي الذي أوصل الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حد الانهيار على مختلف الأصعدة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى لبنان الذي أصبحت جغرافيته مستباحة على كافة المستويات.

وصحيح كذلك، أن الأشهر الماضية أظهرت أن الدول العربية والإسلامية فقدت الكثير من عوامل التأثير تجاه هذا العدوان الإسرائيلي الهمجي، وبدت كأنها غير قادرة على الدفاع عن القضايا المصيرية للأمة نتيجة العديد من العوامل في مقدمتها التباينات السياسية المرتبطة بحسابات أملتها أجندات متضاربة أضرت كثيرا بالمصالح المشتركة.

ولكن، الصحيح أيضا، هو أن هذه القمة التي توصف بـ”المصيرية” ستكون مختلفة في نتائجها، وحاسمة في قراراتها، وقد تشكل مقدمة لإعادة الروح إلى مفهوم التضامن عبر شحن العمل العربي والإسلامي المشترك، على قاعدة توحيد المواقف بما يُعيد الفاعلية للقرارات العربية والإسلامية.

ويستند هذا الرأي الذي تدفع به تلك الأوساط السياسية والدبلوماسية العربية والإسلامية، إلى جملة من المؤشرات التي جعلت رهاناتها تبدو مشروعة لجهة خروج هذه القمة بقرارات عملية من شأنها المساهمة ولو بالحد الأدنى في فرض موقف عربي إسلامي فاعل ومؤثر وقادر على إغاثة غزة، والتأكيد على حل شامل للقضية الفلسطينية.

وفي المعايير السياسية، يبدو هذا الرهان قابلا للتحقيق، وذلك لعدة اعتبارات منها أن هذه القمة تأتي استكمالا لقمة نوفمبر 2023، التي أقرت لجنة وزارية مشتركة من أجل تضافر الجهود السياسية والدبلوماسية لوقف الحرب، والدفع نحو حل شامل للقضية الفلسطينية.

كما أنها تأتي بعد نحو أيام قليلة من الاجتماع الأول لـ”التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين” الذي استضافته الرياض يوم 30 أكتوبر الماضي، بمشاركة أكثر من 90 دولة بالإضافة إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، الذي خُصّص لبحث المسارات المؤدية لقيام الدولة الفلسطينية.

وساهمت الكلمة التي افتتح بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان هذا الاجتماع في جعل تلك الرهانات ترتقي إلى حجم التحديات الماثلة، حيث لم يتردد في القول إن ما تشهده المنطقة من تصعيد واستمرار للعدوان الإسرائيلي في غزة ولبنان “يُحتم على الجميع اتخاذ موقف حازم وفوري لوضع حد للجرائم التي ترتكبها إسرائيل”.

وأردف قائلا بلهجة سياسية مُتحررة من كل الضغوط الإقليمية والدولية، وبعيدة عن الحسابات السياسية الضيقة “… لم يعد مجديا الاكتفاء بالإدانات والحلول الجزئية، أمام حجم المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ومضاعفة المستوطنات وتغيير الوضع التاريخي والقانوني للقدس الشريف، وتفشي خطاب الكراهية والتحريض”.

وشدد في المقابل، على أن أمن المنطقة مرتبط ارتباطا كاملا بوجود “حل للقضية الفلسطينية وقيام دولتها”، وأن التطبيع مع إسرائيل “غير وارد حتى التوصل إلى حل بشأن إقامة الدولة الفلسطينية”، مُذكرا في هذا الصدد، بأن “إنشاء دولة فلسطينية لا يتعلق بما إذا كانت إسرائيل تقبل أم لا، بل إنه مرتبط بمبادئ القانون الدولي”.

ونحسب أن هذا الموقف السعودي سيتردد صداه في أروقة قمة الرياض التي تعكس دون شك نجاح الدبلوماسية السعودية التي استطاعت قراءة المُتغيرات التي تحيط بالمشهد الدولي، التي تسارعت وتيرتها مع الإعلان عن اسم الساكن الجديد للبيت الأبيض الذي سبق أن تعهد خلال حملته الانتخابية بالعمل من أجل وقف الحرب في المنطقة ومنع توسعها.

وتشي التحركات السياسية والدبلوماسية الراهنة، بمقاربات بدأت تتبلور على أسس مغايرة لما هو سائد حاليا، عكستها المصطلحات الجديدة التي تضمنها الخطاب العربي الذي بدأ يعكس قراءة سياسية متوازنة للموقف من مجمل التطورات الراهنة بات يصعب على أيّ عاقل تجاهلها.

لذلك، نحسب أن القمة العربية – الإسلامية المشتركة المُقرر عقدها بالرياض، بما تحمله في طياتها من رسائل سياسية هامة موجهة لمختلف صانعي القرار في العالم، ستُشكل نهاية حقبة وبداية أخرى جديدة تكون فيها أوراق الضغط الكثيرة جاهزة للدفاع عن مصالح الأمة، وحاضرة على طاولة كل من يريد تغييب الدور العربي والإسلامي في عملية البحث عن رسم توازنات جديدة للعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى