“كاستينغ” قيس سعيّد يحبس أنفاس الأحزاب التونسية
الجمعي قاسمي
تترقب الأحزاب والأوساط السياسية في تونس بكثير من الاهتمام المشوب بحذر شديد، نتائج المشاورات التي يجريها الرئيس قيس سعيّد لاختيار شخصية جديدة لتكليفها بتشكيل الحكومة التونسية، وسط أجواء ضبابية تفتح باب المفاجآت في كل الاتجاهات التي قد تُعيد خلط أوراق المعادلة السياسية في البلاد.
ورغم أن تلك المشاورات تحولت إلى ما يُشبه “الكاستينغ”، بعيدا عن حسابات الأحزاب ومراكز القوى والنفوذ في البلاد، فإن الأنظار اتجهت مع ذلك نحو قصر قرطاج الرئاسي، حيث تُوضع اللمسات الأخيرة على عملية “اختيار الشخصية الأقدر” بحسب نص الدستور، لتكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة التي طال انتظارها.
وينصّ الدستور التونسي على أنه في حال عدم نيل الحكومة التي يُكلف بتشكيلها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية ثقة البرلمان، يقوم رئيس الجمهورية في أجل 10 أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تشكيل حكومة في أجل أقصاه شهرا.
وتوقّعت مصادر سياسية أن يتم الكشف عن اسم هذه “الشخصية الأقدر” خلال الساعات المُقبلة، واستندت في توقعاتها إلى عاملين اثنين، أولهما انتهاء المهلة الدستورية المُحددة بعشرة أيام، الاثنين، بينما الثاني مُرتبط بزيارة الرئيس قيس سعيّد إلى سويسرا للمشاركة في فعاليات منتدى دافوس العالمي.
وقالت المصادر إن الرئيس قيس سعيّد سيُعلن عن اسم الشخصية التي اختارها لتشكيل الحكومة الجديدة قبل تحوّله إلى سويسرا التي يُنتظر أن يصلها الثلاثاء، لتكون هذه الزيارة الثانية له خارج تونس منذ توليه رئاسة البلاد في أكتوبر الماضي، وذلك بعد زيارة سلطنة عُمان في الثاني عشر من يناير الجاري، لتقديم واجب العزاء على إثر وفاة السلطان قابوس بن سعيد.
ولم يتسن التأكد من الرئاسة التونسية حول ما إذا كان برنامج الرئيس قيس سعيّد يتضمن زيارة إلى سويسرا أم لا، لكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أن الوقت أصبح ضاغطا، ولا يفسح المجال للمزيد من المشاورات التي تؤكد كافة المُعطيات أنها شارفت على نهايتها، خاصة بعد اللقاءات التي أجراها سعيّد مع عدد من الشخصيات المُرشّحة لرئاسة الحكومة القادمة.
ومنحت الأحزاب الكبرى في البلاد، الرئيس قيس سعيّد فرصة نادرة ليُمسك بزمام عملية اختيار “الشخصية الأقدر”، وذلك بعد رفض البرلمان في العاشر من يناير الجاري، منح الثقة للحكومة التي شكّلها الحبيب الجملي الذي اختارته حركة النهضة الإسلامية لهذه المهمّة، باعتبارها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية وتصدّرت النتائج برصيد 54 مقعدا برلمانيا.
والتقى الرئيس قيس سعيّد في سياق تلك المشاورات، مسؤولو المنظمات الوطنية الكبرى في البلاد، وأبرزهم نورالدين الطبوبي، الأمين العام الاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) وسمير ماجول رئيس منظمة أرباب العمل، وعبدالمجيد الزار، رئيس اتحاد الفلاحين والصيد البحري، وراضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية.
كما استقبل بعد ذلك، ثلاثة مُرشحين لمنصب رئيس الحكومة، هم فاضل عبدالكافي الذي رشحته عدة أحزاب منها حركة النهضة الإسلامية وقلب تونس وكتلة الإصلاح الوطني، وحكيم بن حمودة الذي رشحته ثماني أحزاب منها قلب تونس وحركة الشعب وتحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني، وإلياس الفخفاخ مُرشح حركة تحيا تونس والمدعوم من حزب التيار الديمقراطي.
وكان قيس سعيّد قد وجّه في وقت سابق، كتابا إلى الكتل البرلمانية يدعوها فيه إلى تقديم أسماء المرشّحين المؤهلين لتشكيل الحكومة.
وتلقّى الرئيس التونسي قائمة تضم أكثر من خمس عشرة شخصية عُرفت بنشاطها في المجالين الاقتصادي والمالي، وتحظى بعضها بدعم من عدة أحزاب، أبرزها الوزيران السابقان حكيم بن حمودة، وفاضل عبدالكافي، وسفير تونس لدى بلجيكا، رضا بن مصباح.
ويحظى حكيم بن حمودة بدعم ثمانية أحزاب منها قلب تونس (ليبرالي/38 نائبا) وتحيا تونس (ليبرالي/14 نائبا) وحركة الشعب (قومي ناصري/ 15 نائبا بالبرلمان من أصل 217) وكتلة الإصلاح الوطني (15 نائبا)، بينما يحظى فاضل عبدالكافي بدعم حركة النهضة (54 نائبا)، وكتلة الإصلاح الوطني وقلب تونس، فيما يُحظى رضا بن مصباح هو الآخر بدعم قلب تونس وتحيا تونس ونداء تونس وكتلة المستقبل وكتلة الإصلاح الوطني.
وكان لافتا أن مُجمل الأسماء التي تضمنتها القائمة المذكورة، ليست لها قاعدة برلمانية واسعة تُمكّنها في صورة تم اختيارها لتشكيل الحكومة، من الحصول على الـ109 أصوات الضرورية لنيل ثقة البرلمان، وهو أمر من شأنه جعل مهمّة الرئيس قيس سعيّد صعبة للغاية ما لم يُفاجأ الجميع باختيار شخصية من خارج القائمة المُقدمة له من الأحزاب والكتل النيابية.
وتُقلق هذه الفرضية بشكل أو بآخر الأحزاب الكبرى المُمثلة في البرلمان، حيث شدد القيادي في حزب قلب تونس، أسامة الخليفي، في تصريحات صحافية على أن الحكومة القادمة ستكون في حاجة إلى حزام سياسي واسع وليس فقط لنصاب الـ109 أصوات فقط، مؤكدا في نفس الوقت أن “حزبه يساند تشكيل حكومة جامعة لا تكون حكومة طرف على حساب أخر”.
ويلف هذا القلق أيضا، حركة النهضة الإسلامية التي تُجمع القراءات على أنها خسرت ورقة هامة في المعادلة السياسية الجديدة في البلاد منذ سقوط الحكومة التي اقترحتها عبر مُرشّحها الحبيب الجملي، وذلك وسط تزايد المخوفات من أن رئيس الحكومة الذي سيقترحه قيس سعيّد، سيفتح الباب أمام تغييرات سياسية فارقة قد تُعيد رسم التوازنات داخل البرلمان وخارجه.