كتاب يؤجج الخلافات في تنظيم الإخونجية
اتهامات بتحريف أفكار منظر التنظيم سيد قطب والتخلي عن المنهج الحركي
تزامناً مع إعلان القيادي الإخونجي، عصام تليمة، إعادة نشر الطبعة الأولى من كتاب “في ظلال القرآن” لمنظر تنظيم الإخونجية، سيد قطب، والذي تضمن المشروع الإخونجي ومنهجه الحركي، اتهمت قيادات التنظيم تليمة بنشر الكتاب لمحاولة طمس هوية سيد قطب ومشروع الإخونجية كلية، والتنصل من فكر منظر التنظيم فى التوحيد والحاكمية والولاء والبراء والمنهج الحركي من الانتشار حتى الوصول لأستاذية العالم.
يأتي ذلك فيما لا تزال أزمة الانقسامات والانشقاقات تتعمق داخل تنظيم الإخونجية ولم تخف حدتها، حتى بعد وفاة إبراهيم منير القائم بعمل مرشد التنظيم وقائد جبهة لندن، حيث ظهرت انقسامات جديدة،
بداية القصة كانت قبل أيام حينما أعلن عصام تليمة، القيادي الإخونجي الهارب لتركيا، والذي شغل منصب مدير مكتب الدكتور يوسف القرضاوي مفتي التنظيم الراحل، إعادة نشر الطبعة الأولى لكتاب “ظلال القرآن” لـسيد قطب، وهي النسخة التي تم إعادة طبعها مرات متعددة وإضافة أجزاء كثيرة لها ضمت أفكار قطب عن الحاكمية والجاهلية والتكفير والعزلة الشعورية، وهو ما رأته قيادات الإخونجية محاولة للتنصل من أفكار قطب وإظهار الجماعة، وكأنها نسبت له ما لم يقله وتعاملت معه كمنهج تنظمي وحركي لها واستمرت فيه منذ وفاته وحتى الآن.
نسف التنظيم
قصة الكتاب تعود لنهايات الأربعينيات حين بدأ قطب إعداد الكتاب بطلب من “مجلة المسلمون” التي كان يرأس تحريرها سعيد رمضان، صهر مؤسس التنظيم حسن البنا، وبدأ بالفعل فيه، ومع دخوله السجن عام 54، توقف المشروع، لكنه عاد للكتابة مرة أخرى وهو داخل السجن بعدما رفعت مجلة المسلمون قضية على مصلحة السجون في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مطالبة المؤلف باستكمال التفسير.
ونفّذت الدولة الحكم القضائي، وكتب قطب أجزاء أخرى من الكتاب وأضاف المنهج الحركي للتنظيم إليه وهو الكتاب النهائي الذي أصبح منهجا ودستورا للإخونجية إلى اليوم، حتى جاء تليمة ونشر الطبعة الأولى منه، والتي لم يذكر فيها قطب المنهج الحركي ولا الحاكمية وغيرها.
ووفق تفسيره لما فعله وردا على الهجوم عليه، قال تليمة عبر منشور على صفحته على مواقع التواصل إن قطب واحد من هؤلاء الذين مر فكرهم بمراحل، ولذا يثور الجدل كثيرا حول فكره، وبخاصة فكرة اتهامه بوسم المجتمع الإسلامي بالجاهلية، والحكم بتكفيره، وهي قضية دوما تذكر وتنسب له، مضيفا أن الكتاب مر بتحولات وكتب على مراحل، فمرحلة ما كتبه قطب منه قبل السجن يختلف عما كتبه في السجن، ولذلك تقرر نشر الطبعة الأولى لتتحول دفة الحديث البحثي في اتجاه جديد يتناول مرحلة سيد قطب الفكرية الأخيرة.
وتساءل تليمة قائلا: “إن الطبعة الأخيرة من كتاب قطب التي انتهجها الإخونجية باتت مثار جدل كبير وتختلف كلية عن الطبعة الأولى، فهل التغير هنا بسبب ما تعرض له قطب داخل السجن، أم بسبب التعذيب، أم حدث تغير في فكر الرجل نفسه؟ وما السبب الحقيقي لتغيره؟”.
وفور صدور الكتاب وخروجه للنور هاجمت جبهة إسطنبول وجبهة لندن والتيار الثالث داخل تنظيم الإخونجية تليمة واتهموه صراحة بالعمل على نسف التنظيم وتحويله لتيار فكري، واصفين ما فعله بأنه فجور وخيانة للأمانة، وأنه يعمل لحساب آخرين يكرهون فكر سيد قطب فى الحاكمية والولاء والبراء.
كشف حجم الخلاف
ويرى التيار الثالث داخل التنظيم والمعروف باسم “الكماليون”، نسبة لمحمد كمال، قائد الحركات النوعية المسلحة التابعة للتنظيم، والذي قتل في مواجهة مع قوات الأمن في العام 2016، أن الكتاب يقف وراءه تيار جديد يحاول نسف التنظيم، وتحويلها لتيار فكري وهو تيار سينبثق من داخل جبهة لندن وكان يدعم ذلك إبراهيم منير قبل وفاته.
ومن جانبه يقول الدكتور عمرو عبد المنعم، الباحث في حركات الإسلام السياسي، إن الطبعة الجديدة لـ”ظلال القرآن” لسيد قطب منظر التنظيم وواضع أسس التكفير والعزلة الشعورية ومنهح الانقلابات العسكرية والتنظيمية، كشف حجم الخلاف والعمق داخل الإخوان المسلمين في الوقت الحالي حول الفكر التكفيري والغلو الذي وصلت إليه الجماعة.
وأضاف أن تنظيم الإخونجية مرّ بشأن أفكار سيد قطب بعدة مراحل منها مرحلة تأييد أفكاره بالجملة، ثم مرحلة الاستفادة من أفكار التكفير لديه وخاصة في الطبعة الجديدة التي أعاد إنتاجها خلال تواجده في السجن وتفسير آيات القتال والجهاد وأحكام الاستضعاف في سورتي “التوبة” و”الأنفال”، ثم تأييد تلك الأفكار مرة أخرى كلية بعد تولي المجموعة القطبية التنظيم ثم التراجع والمراوغة في تأييد أفكاره بعد الوصول إلى الحكم.
وذكر أن التنظيم كان يدرس كتب “الظلال” و”المعالم” و”هذا الدين” و”المستقبل لهذا الدين”، وكانت تقر في مناهجها التربوية قراءة كتاب تفسير “الظلال” وخاصة باب “سورتي التوبة والأنفال”، كما أقرت مناهج التربية الجديدة داخل التنظيم منهجيات سيد قطب في التكفير بل أقرت كتاب “المعالم” وخاصة مجموعة “الكماليين” ومجموعة الشباب، مشيرا إلى أن ورثة قطب تحفظت على النسخة الجديدة التي نفذها وطبعها تليمة، وقالت إنها من بعض أفكار قطب وليست كلها.
تفريغ التنظيم من آليات الصراع
وكشف الباحث المصري أن جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين شنت حملة كبيرة على الطبعة والناشر ووصفت دار النشر للكتاب بـ”دار النشل” واعتبرت أنه مخطط من مجموعة إبراهيم منير لتفريغ التنظيم من آليات الصراع التي سنها وابتكرها قطب في الظلال وترويج لمخطط وضع آليات تيار جديد يشارك فيه عصام تليمة والدكتور حلمي الجزار مسؤول المكتب السياسي السابق واتفقا عليه في آخر لقاء كما وصفت جبهة محمود حسين الطبعة بأنها مسروقة ومحرفة ومغصوبة ومختلسة وأفتوا بحرمة شرائها أو اقتنائها.
ويشير عبد المنعم إلى تجدد المعارك حول مدينة معالم قطب البعيدة عن حاضر المسلمين ومستقبلها يدل على أن أفكار منظر تنظيم الإخونجية لم تنتهِ ولن تنته، ولهذا فإنّ ما فعله تليمة قد يعبر عن مرحلة جديدة يريدها الإخوان ويريدون أن يؤكدوا فيها على أن أفكار قطب تجاوزها الزمن ويعلنون تنصلهم منها.