لبنان: مظاهرات عارمة تطالب بتحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت
خرج آلاف اللبنانيين الأربعاء في بيروت بمظاهرات احتجاجية عارمة تطالب بتحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت، ومحاسبة المسؤولين.
جاء ذلك بالتزامن مع إحياء الذكرى الأولى للحادث الذي وقع في الرابع من أغسطس/آب 2020، وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وغيَر وجه العاصمة اللبنانية وفاقم الانهيار الاقتصادي للبلاد.
ومساء، اندلعت صدامات بين القوى الأمنية ومحتجين غاضبين حاولوا اقتحام الشوارع المؤدية إلى مقر البرلمان وسط العاصمة. ولا تزال عمليات الكر والفر مستمرة بين الطرفين. وقالت ساندرا أبرص (43 عاما) أثناء سيرها قرب المرفأ “أشارك اليوم من أجل الذين تضرروا وتأذوا وماتوا”.
العدالة الآن
ووسط انتشار قوى الجيش والأمن، انطلقت عند الثالثة والنصف (12,30 بتوقيت غرينتش) مظاهرات ضخمة من نقاط عدة في بيروت باتجاه المرفأ المدمر، استجابة لدعوات أطلقها أهالي الضحايا وأطباء ومحامون ومهندسون وأحزاب معارضة ومجموعات تأسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة للتظاهر، رافعين شعار “العدالة الآن”.
والتقت المسيرات قرب المرفأ الذي أقيمت بداخله وبحضور أهالي الضحايا صلوات إسلامية ومسيحية. وعند تمام الساعة السادسة وسبعة دقائق، أطلقت أصوات صافرات إنذار سيارت الدفاع المدني والإسعاف، وتمت تلاوة أسماء ضحايا الانفجار.
وترأس البطريرك الماروني بشارة الراعي قداسا من المرفأ الذي رسمت طوافات الجيش اللبناني العلم اللبناني في سمائه.
نحن الشعب الخط الأحمر
وأمام المتظاهرين قرب المرفأ، خطب بول نجار، والد الطفلة ألكسندرا التي قتلت في الانفجار، “أين الإنسانية في حكومة تعلم منذ 2013” بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ. مضيفا “أين الإنسانية في ألا يتم إعلام العاملين في المرفأ ليتفجروا ويموتوا”. وتساءل “ماذا كان يفعل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة”.
وقبل توجهها إلى المرفأ، قالت وفاء كرم (37 عاما)، شقيقة أحد عناصر فوج الإطفاء القتلى، “قتلونا ودمرونا.. لن نسكت”.
وهتف المتظاهرون “ثورة، ثورة” و”يسقط يسقط حكم الأزعر، نحن الشعب الخط الأحمر” ورفعوا لافتات كتب عليها “ممنوع يلي فجرونا يضلوا على الكراسي” و”المحاسبة والمحاكمة لدولة الفساد” و”نحن رهائن دولة مجرمة” و”دولتي قتلت شعبي”.
ستة جرحى
وحاول عشرات الشبان في محيط مجلس النواب اجتياز الحواجز الأمنية المؤدية إلى البرلمان، وألقوا الحجارة باتجاه القوى الأمنية التي ردت باستخدام القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفرقهم.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني عن نقل ستة جرحى من وسط بيروت إلى المستشفيات، وإسعاف العشرات في المكان.
ويطالب المتظاهرون برفع الحصانات عن مسؤولين استدعاهم قاضي التحقيق طارق بيطار ليمثلوا أمام القضاء. وحدد أهالي الضحايا الإثنين مهلة 30 ساعة لرفع الحصانات. وأكدت مصادر قضائية أن الجزء الأكبر من التحقيق انتهى.
استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال
وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف إثر تنحي قاض سابق بسبب ضغوط سياسية، أعلن بيطار الشهر الماضي عزمه استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كمدعى عليه، ووجه كتابا إلى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة عن ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية، كما طلب الإذن بملاحقة قادة أجهزة أمنية وادعى على قائد الجيش السابق. لكن الحصانات والأذونات السياسية تقف عائقا أمامه.
هذا، وكشفت تقارير أولية أعدها جهاز أمني مباشرة بعد الانفجار أن أطنان نيترات الأمونيوم كانت مخزنة إلى جانب مواد قابلة للاشتعال والانفجار، مثل براميل من مادة الميثانول والزيوت وأطنان من المفرقعات النارية.
وقال جفري شرتوني (32 عاما)، أحد موظفي إهراءات بيروت المدمرة والذي فقد عددا من زملائه “لا زلت أتذكر كل ما رأيته في ذلك اليوم.. نسأل أنفسنا كل يوم لماذا قتلوا؟ وما زلنا ننتظر أن يحاسب المسؤولون الذين يسرقون البلد منذ سنوات”.
من جهتها، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء السلطات اللبنانية بانتهاك الحق بالحياة وجرم الإهمال، بعدما أظهرت في تحقيق خاص تقصير مسؤولين سياسيين وأمنيين في متابعة قضية شحنة نيترات الأمونيوم. بدورها اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات بعرقلة مجرى التحقيق “بوقاحة”.
الانهيار الاقتصادي
وعمقت كارثة الانفجار وتفشي فيروس كورونا قبلها الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف 2019 وصنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن 19. وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة.
وتزامنا مع إحياء ذكرى الانفجار، عقدت الدول المانحة عبر تقنية الفيديو بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة، مؤتمرها الثالث منذ الانفجار لدعم حاجات اللبنانيين. ومنذ الانفجار، يقدم المجتمع الدولي مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللبنانيين دون المرور بمؤسسات الدولة المتهمة بالفساد والهدر، فيما يشترط تشكيل حكومة تقوم بإصلاحات جذرية لتقديم دعم مادي يساعد على إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية.
ورغم الأزمات المتلاحقة والضغوط الدولية، فشل المسؤولون اللبنانيون بالتوصل إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومة منذ استقالة حكومة دياب إثر الانفجار والتي ما زالت تقوم بمهام تصريف الأعمال.