لماذا رفض الإخوان دستور تونس؟
حسين القاضي
أتصور وجود ثلاثة أسباب وراء رفض الإخوان عموماً، وإخوان تونس خصوصاً (ذراعهم السياسية – حزب النهضة)، للدستور الذى تم إقراره يوم 25/7/2022م تتمثل فى سبب متعلق بتنظيم الإخوان، وسبب متعلق بمشروع الإخوان، وسبب عام يخص الإخوان وغيرهم.
أما السبب المتعلق بالتنظيم فإن إقرار الدستور يعنى نهاية الإخوان كتنظيم، لأن مجرد إقرار الدستور يعطى شرعية لما يرونه الرئيس المنقلب، ويؤسس لتونس خالية من الإخوان، ومن هنا كان الاعتراض المبدئى على الدستور حتى لو كانت نصوصه هى نفس نصوص دستور 2014 الذى تبناه الإخوان فى تونس.
السبب الثانى: متعلق بالمشروع الإخوانى، حيث ينص الدستور الجديد على أن: (تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل فى ظل نظام ديمقراطى على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف فى الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية)، وألغى عبارة (الإسلام دين الدولة)، وبهذا جعل الدستور الأصل فى السياسة المقاصد باعتبارها من العادات، وجعل مقاصد الإسلام الكلية هى الحاكمة، وصار السؤال: ما المفيد دنيوياً وغير الممنوع مقاصدياً؟
وجعل الدولة هى التى تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام، وليس التنظيمات والجماعات، فصارت النظم السياسية والتشريعية تنبثق عن المقاصد، (والمقاصد مشتركة لدى كل الأديان)، وهذا ينسف المشروع الإخوانى، لأن معناه التفرقة بين الأمة الدينية والأمة السياسية، فالأمة الدينية هى التى تجمعها رابطة العقيدة الإيمانية، وأما الأمة السياسية أو الوطنية فيجمعها وطن واحد حتى إن اختلفوا فى العقيدة والانتماءات، والدستور الجديد يؤسس لدولة الأمة السياسية الوطنية، وليس الأمة الدينية التى يعمل عليها تنظيم الإخوان، ثم يختزل التنظيم الأمة الدينية فى فئة بعينها.
هذا التغيير سوف يبعد الإخوان عن معركتهم الرئيسية التى يوظفون فيها الدين توظيفاً سياسياً وهى (معركة الدولة) التى يجعلونها نصب أعينهم، ويبنون عليها مشروعهم الفكرى المتمثل فى (التمكين والحاكمية)، فإقامة الدولة هى الشغل الشاغل والهدف العاجل للمشروع الإخوانى، وهو الهدف الذى منعه منهم الدستور الجديد.
والملاحظ أن الأطروحات التجديدية التى قدمها إخوان تونس، من فكرة الإسلام المعتدل والمنفتح على الآخر وعلى الأقليات، والداعى للديمقراطية والمساواة والوطنية والعدالة، كل ذلك لم يشفع للإخوان فى تونس، لأنه جاء فى قالب التنظيم، ورهنت «النهضة» المصالح التونسية لصالح بعض الدول الداعمة للإخوان، وسمحت بتسفير عدد من التونسيين للقتال مع التنظيمات الجهادية المسلحة.
السبب الثالث مشترك بين الإخوان والتيارات الليبرالية والعلمانية المعارضة فى تونس، ومحل اعتراضهم الصلاحيات الواسعة للرئيس على حساب تقليل دور البرلمان، بعد أن كانت الصلاحيات مقسمة بين الرئاسة والبرلمان والوزراء، مع رأى البعض بأن الدستور الجديد يقيد الحريات الفردية والجماعية.
وفى السبب الثالث يطرح سؤال حول ما إذا كان رفض الإخوان لتوسعة صلاحيات الرئيس مسألة مبدأ مستقر أم موقف تستدعيه الضرورة؟ فالتيار التونسى المعارض يرفض إعطاء صلاحيات للرئيس أياً ما كان اسمه أو انتماؤه أو دولته، أما «الإخوان» فترفض الصلاحيات الواسعة للرئيس حسب (توافق أو عدم توافق) هذا الرئيس مع أيديولوجيتهم، ومثال تركيا واضح.
هذه هى الأسباب الثلاثة وراء رفض الإخوان للدستور، ولن يكون للدستور انعكاساته على مستقبل الإخوان فى تونس كتنظيم وحزب ومشروع ما لم يتم تحويله لمشروعات قوانين بخبرات جراحين مهرة.