ليس لدى بايدن ما يقدمه للفلسطينيين… وليس لدى أبو مازن ما يفعله إزاء بايدن…
ماجد كيالي
ساعة فقط هي مدة لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (في مقر السلطة في بيت لحم 15/7)، والذي تمخض عن مجرد مجاملات كلامية، ومساعدات مالية، ووعود بتسهيل عيش الفلسطينيين.
في مقابل ذلك، كانت ثمة صدمة فلسطينية من تصريحات مباشرة للرئيس الأميركي، ليس فقط في تأكيد الدعم اللامحدود لإسرائيل، بما في ذلك ضمان أمنها وتفوقها النوعي في المنطقة في مختلف المجالات (الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والعسكرية)، فذلك أمر معروف، وإنما في ما يتعلق أيضاً باعتبار بايدن نفسه صهيونياً، ولو أنه غير يهودي، وفي اعترافه بإسرائيل كدولة يهودية، وفي حديثه عن دولة فلسطينية من دون اقتران ذلك بتعيين حدودها في الأراضي المحتلة عام 1967.
وعموماً، فإن القيادة الفلسطينية لم تفعل شيئاً إزاء كل ذلك سوى التمنع عن إصدار بيان ختامي مشترك عن محادثات الجانبين، والاكتفاء بكلمتين في مؤتمر صحافي، إذ لا شيء يمكن فعله، في هذه الظروف، وكاحتجاج على التصريحات المذكورة.
الحقيقة، فإن صدمة القيادة الفلسطينية هي، على الأغلب، مفتعلة وغير مقنعة، إذ إن الرئيس بايدن لم يفعل شيئاً منذ مجيئه إلى رئاسة البيت الأبيض (أوائل العام الماضي)، أي طوال 18 شهراً. فهو لم يعدل أياً من السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب، لا في ما يتعلق بالاستيطان ولا في شأن القدس، ولا حتى في ما يتعلق بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، أو إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وكل ما حصل هو مجرد استئناف للمساعدات المالية للسلطة، ولمنظمة الأونروا (الخاصة باللاجئين الفلسطينيين)، ومجرد تحسين علاقات، ومطالبات لإسرائيل بتقديم بعض التسهيلات للسلطة، بمنح أذون إقامة لفلسطينيين (في ما يفترض أنها دولتهم)، وإتاحة استيعاب آلاف العمال من غزة والضفة، وتسهيل إسرائيل دخول تجار فلسطينيين، وزيادة في منح بطاقات “بي أي بي” لبعض رجالات السلطة الفلسطينية.
هكذا يتبين من هذه الزيارة أن ليس لدى بايدن (وإسرائيل طبعاً) ما يقدمه لأبو مازن وللسلطة على الصعيد السياسي. ثمة فقط نقاط إنعاش اقتصادية ومعيشية، وفي المقابل، أيضاً، يتبين أنه ليس لدى أبو مازن ما يفعله، إزاء كل هذا الاستخفاف الأميركي (والإسرائيلي) بالسلطة، وبالقضية الفلسطينية، وبأوضاع الشعب الفلسطيني، بعد كل ذلك العطب في الكيانات الفلسطينية، وكل ذلك القصور في الخيارات السياسية التي تنتهجها القيادة الفلسطينية، وفي ظل الانقسام، وتهميش منظمة التحرير، وإضعاف المجتمع المدني الفلسطيني في الضفة وغزة، مع تأكيد أن ذلك القصور ناجم، في أهم عوامله، عن تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة تحت الاحتلال، حيث تتصرف السلطة وفقاً لاعتباراتها والتزاماتها كسلطة، وتبعاً لارتهاناتها السياسية والمالية للولايات المتحدة، والدول الغربية المانحة، ولعلاقاتها مع إسرائيل، أكثر مما تتصرف وفقاً لمصالح شعبها، وقضيتها.
هكذا، لم تشهد الأراضي الفلسطينية مظاهر احتجاج شعبية واسعة رداً على السياسة الأميركية المهينة والمجحفة بحق شعب فلسطين، ذلك أن السلطة أعاقت المجتمع المدني الفلسطيني وقوّضته وشلّت فاعليته (في الضفة وغزة)، بحيث بدا المجتمع الفلسطيني قبل إقامة السلطة، كأنه أكثر قوة وتحرراً ووحدة في مواجهته إسرائيل منه بعد إقامتها.
في المحصلة، ثمة فكرتان بيّنت تلك الزيارة خطلهما الفادح، الأولى تتعلق بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعالم العربي، إذ إن ذلك عفّى عليه الزمن منذ عقود بحكم التغيرات الحاصلة في العالم العربي، وبحكم اختلاف الأولويات في النظام السياسي العربي، وتصاعد خطر إيران، وأيضاً بحكم تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة في الضفة والقطاع، وحصرها الصراع مع إسرائيل في كيفية تحولها إلى دولة مستقلة.
أما الثانية، فتتعلق بأن قضية فلسطين هي مفتاح الحرب والسلام في الشرق الأوسط، وأن أي سلام مع العالم العربي ينبغي أن يمر عبر الفلسطينيين، واستجابة إسرائيل لحقهم في إقامة دولة مستقلة في الضفة وغزة، وفقاً لتعبيرات “المبادرة العربية للسلام”، وشعارها: الأرض مقابل السلام والتطبيع (قمة بيروت 2002). والواقع فإن إسرائيل قوّضت تلك الفكرة تماماً، بعدم الاستجابة لها نهائياً، وسهّلت لها ذلك انقسامات الفلسطينيين، وهشاشة كياناتهم، وأيضاً صعود النفوذ الإيراني في المشرق العربي، وفي اليمن، ناهيك بانصراف النظام العربي عنها على ما نشهد في العديد من التطورات.
هكذا، فإن زيارة بايدن التي أتت في مناخات الصراع مع روسيا، والتنافس مع الصين، والحاجة إلى النفط والغاز، ابتعدت تماماً عن قضية فلسطين، والصراع ضد إسرائيل، مركّزة على المحاور الآتية:
أولاً، تأكيد ضمان الولايات المتحدة أمن إسرائيل وتفوقها النوعي، في مختلف المجالات، وضمنها مجالات العسكرة، والدفاع، والتكنولوجيا.
ثانياً، العمل على إدماج إسرائيل في المنطقة، في منظومة سياسية واقتصادية وأمنية في آن معاً.
ثالثاً، إعادة تأكيد أهمية الشرق الأوسط في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مع حرصها على تأمين حلفائها في الغرب من إمدادات الطاقة من المنطقة، لا سيما من المملكة العربية السعودية.
رابعاً، تأكيد التزام الولايات المتحدة لإسرائيل، وللعالم العربي، عدم تمكين إيران من حيازة أسلحة نووية، أو زيادة نفوذها في المنطقة، وتأكيد التزامها تأمين الدفاع عنها ضد أي مخاطر خارجية.
لا عزاء للفلسطينيين في هذه الظروف، في ظل هذا النظام الدولي، والعربي، وفي ظل هذه القيادة الفلسطينية، فليس لدى إدارة بايدن ما تقدمه سوى بضع مئات ملايين الدولارات للفلسطينيين وكلام إنشائي عام عن دولة فلسطينية، وفي المقابل لإسرائيل 4800 مليون دولار، مع “إعلان القدس”، واعتراف بها كدولة يهودية وتعزيز اندماجها في المنطقة!