مأزق وجودي يدفع تنظيم الإخونجية للتحورات الفكرية
منذ سقوطهم حكمهم في مصر وما تبعه من تطورات، يعاني تنظيم الإخونجية من مأزق وجودي غير مسبوق، فالفشل في تطبيق الوعود يحاصرها ويطاردها في كل مكان، وكذلك اتساع رقعة العزلة الشعبية، إضافة للتمزق التنظيمي والانشقاقات المتتالية وتبادل الاتهامات.
وفي محاولة بعض رموز الإخونجية إنقاذ التنظيم من الانهيار التام، تم طرح فكرة قديمة جديدة، وهي أن الإخونجية في الأصل منظمة دعوية تربوية، وأن الأفضل للجميع أن تتحول إلي تيار عام وأن تبتعد بعناصرها عن العمل السياسي.
ويظل السؤال هو: هل تنظيم الإخونجية بماضيهم الفكري وأدبياتها ومراحلها التاريخية يمكن أن تتحول إلى مجرد منظمة دعوية أو إلى تيار عام؟
يجيب ثروت الخرباوي، المفكر والباحث في تاريخ الحركات الإسلاموية، بالقول: “لا يمكن للإخونجية جماعةً وتنظيمًا أن تتحول للعمل الدعوي فقط، فالجماعة تحمل تاريخًا موغلًا في ارتكاب الجرائم”.
ويتابع الخرباوي”، أن دعوة بعض قادة التنظيم للتحول إلى جماعة دعوية، هي أكبر أكذوبة روجها الإخونجية عبر تاريخهم”، مضيفا أن “جرائم التنظيم المختلفة لم تكن تصرفًا فرديًا، ولا انحرافًا عن أهداف الإخونجية، بل كانت تطبيقًا عمليًا على ما تربى عليه التنظيم”.
ويوضح الخرباوي:” تقوم التربية الإخونجية على فكرة ترسيخ الجهاد في نفوس عناصرها ضد الكافرين داخل المجتمع، ولو لم يوجد من تجاهده الجماعة، يتم إيجادهم عبر تكفير المجتمع ذاته، لهذا ظهر مصطلح “الجاهلية” و”جاهلية القرن العشرين” و”الحاكمية” وهي أفكار متطرفة تكفيرية مدسوسة في برامج التربية الإخونجية”.
ومضى قائلا “كانت ثمرة هذه التربية الإخونجية سقوط أقنعة التربية وظهور الوجه الحقيقي القبيح للتنظيم، فعقب ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 وما بعدها، ارتكب الإخونجية سلسلة من جرائم العنف”.
سجل دموي
ووفق المفكر المصري، فإن العنف بدأ بالاشتباكات بين أنصار محمد مرسي، والمتظاهرين السلميين آنذاك، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 91 آخرين، وكان ذلك أمام مكتب الإرشاد في منطقة المقطم بمحافظة القاهرة بعد فض اعتصام رابعة المسلح في عام 2013.
كما أحرق الإخونجية أكثر من 82 كنيسة ودار عبادة في محافظات المنيا وأسيوط والفيوم، وكانوا وراء التفجير الانتحاري للكنيسة البطرسية بالعباسية، بالإضافة إلى نهب وتدمير متحف ملوي واغتيال النائب العام هشام بركات، بحسب الخرباوي.
الخرباوي علق على تلك الأحداث وقال “هذه هي ثمرة تربية الإخونجية؛ فأي دعوة يملكها التنظيم وأي تربية تقدمها الجماعة الإرهابية؟”.
خدعة جديدة
فيما يرى إبراهيم ربيع القيادي الإخونجي السابق، أن التنظيم بعد فشله وهزيمته يحاول العودة مرة ثانية من بوابة العمل الدعوي كخدعة جديدة تحاول ترويجها.
وأكد ربيع أن “أساليب تنظيم الإخونجية منذ نشأته عام 1928 على يد حسن البنا كانت الاغتيالات والتفجيرات، وأن الدعوة والتربية كانتا قناعين زائفين ترتديهما الجماعة لزوم التخفي، مثل ما تمر به الجماعة حاليًا”.
ولفت إلى أن “الإخونجية يريدون أن تندس بين الناس بارتداء قناع العمل الدعوي والتحول لتيار عام إسلامي”.
وأكد ربيع أن “التنظيم التي أسست العنف والإرهاب في العالم العربي والإسلامي في القرن العشرين، لا يمكن أن تصبح جماعة تربوية، أو تتحول لتيار عام، فهذا التحول ضد طبيعتها”.
وذكر بأن الإخونجية شاركوا باغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر في عام 1945، في قاعة البرلمان، ثم قاموا عبر تنظيمه السري المسلح باغتيال المستشار والقاضي أحمد الخازندار عام 1948، وبعدها بشهور اغتالوا رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النُّقراشي أمام مصعد ديوان وزارة الدَّاخلية.
ومضى موضحا “كل هذا ضمن تاريخ الإخونجية ولا يمكن أن يهربوا من هذا الإرث ولا التخلي عنه وعلينا ألا نصدق ادعاءاتها الكاذبة”.
اغتيال عبد الناصر
ربيع لفت إلى أن “التاريخ يخبرنا أيضًا أن الإخونجية عندما أقنعوا قادة ثورة يوليو/تموز 1952، بأن الجماعة ستتحول لمنظمة دعوية، حاولت في 26 فبراير/شباط 1954 اغتيال رئيس الوزراء وقتها جمال عبد الناصر، أثناء إلقائه خطابًا بميدان المنشية بالإسكندرية بمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء”.
واستطرد قائلا “كما لا يجب أن ننسى أن الإخونجية أسسوا تنظيم 1965 بقيادة سيد قطب لاغتيال رئيس الدولة عبدالناصر، ووزير الحربية المشير عبد الحكيم عامر، ولتفجير القناطر الخيرية وغيرها من المنشآت الحيوية.. كل هذه الجرائم لا تدع لنا مجالًا أن نصدق الجماعة الكذوبة مجددًا”.
أما أحمد ربيع الغزالي، القانوني والكاتب المتخصص في الإسلام السياسي، فيرى أن الإرهاب والقتل أفكار موجودة في جينات الفكرة الإخونجية، وأية محاولة للسماح للتنظيم بالعودة للعمل سواء الدعوي أو السياسي أو تحت أي عنوان، تعد مثل السماح بإعادة القاتل ليعاود ارتكاب جرائمه”.
منهج الإخونجية
وأكد الغزالي، أن فكر الإخونجية مليء بالألغام سواء في رسائل حسن البنا أو في كتب سيد قطب، والأخطر في كتب منير الغضبان، وعلى وجه التحديد كتابه “المنهج الحركي للسيرة النبوية”.
وأوضح “في هذا الكتاب الأخير، يتم الترويج لأفكار سيد قطب صراحة، وفيه يطوع الغضبان نظرة الإخونجية للإسلام لتكون تبريرًا لجرائمهم؛ ففي الكتاب الذي يتم تدريسه في الأسر التربوية التنظيمية، يتم غرس فكرة الاغتيالات باعتبارها عملا تنظيميا”.
كتاب الغضبان، وفق الغزالي، يدعو الإخونجية إلى العمل سرا مستعينا بأن “الرسول بدأ دعوته سرا”، ويطرح فكرة “الاصطفاء” أي التجنيد واختيار الأتباع، وهي أفكار تتناقض كلية مع الدعوة العامة، وتكشف الكثير من الألغام في فكر الإخوان”.
وتبقى فكرة الجماعة التربوية والدعوية مرحلة في دورة حياة الإخونجية تنتقل بعدها إلى مرحلة إعادة الترتيب من الداخل (التنظيم) ثم الاندفاع لتطبيق ما تؤمن به (إقامة الدولة الإخونجية) ولو استدعى أن تقاتل الآخر وكل من ليس معها، هكذا يستخلص الغزالي.