ماذا بقي من الإخوان؟
مازال السؤال يطرح نفسه، ماذا بقي من جماعة الإخوان الإرهابية؟
خاصة بعد ما أعلن محمود حسين، قائمًا بأعمال مرشد الإخوان على خلفية رحيل إبراهيم منير، الذي تولى المنصب نفسه، غير أنه أعفى “حسين” من عضوية التنظيم ثم غادر الحياة بعدها.
وفاة نائب المرشد، إبراهيم منير، قبل إسبوعين، أدت إلى زيادة مسببات الخلاف بين جبهتي الإخوان في لندن واسطنبول، فما أن دفن الرجل حتى قام محمود حسين بتنصيب نفسه قائمًا بأعمال مرشد الإخوان، فلم يمر سوى إثنا عشر يومًا على الوفاة حتى استبقت جبهة اسطنبول تعيين جبهة لندن خليفة لـ “منير”؛ العجيب أن “حسين” استند إلى اللائحة الداخلية وتحديدًا المادة الخامسة منها في تنصيب نفسه، حيث رفض هذا النص عندما استند إليه “منير” في تعيين نفسه في ذات المنصب.
وهذا ما يُعطينا إشارة إلى أن خلافات الإخوان دائمًا تكون على المناصب والأموال، ولعل جوهر الخلاف بين الجبهتين على إدارة شؤون التنظيم، حيث يدعي كل منهما أنه أحق بالولاية من غيره، كما أن كل منهما يرى أن الأخر سرق أموال التنظيم، هؤلاء هم من يُصدّرون أنفسهم للحكم في بعض البلدان العربية!
الإخوان تجار شعارات ومدعين ديمقراطية، في حين أنهم لا يحترمون أي قانون حتى ولو كانت لائحة داخلية؛ فكل جبهة تفسر هذه اللائحة وفق أهوائها وفهمها لها، خاصة وأن آخر تعديل أجري عليها قبل عقود، فالجماعة مازالت تُقدس ما خطه مؤسس الجماعة بيده في بدايات النشأة، فلا صلاح في الإخوان ولا حتى في قوانينهم الداخلية.
لم يتبقى من الإخوان إلا بعض القوانين العقيمة التي فشل التنظيم في تسيير شؤونه من خلالها، ولعل تفسير كل جبهة من جبهات الإخوان للائحة الداخلية دليل على فشل هذه اللوائح وعقمها، فضلًا عن عدم صلاح من يعملون تحت مظلتها.
مازال خلاف الإخوان يتسع، وربما إتسع الخرق على الراقع، فقرار محمود حسين الأخير بتنصيب نفسه قائمًا لمرشد الإخوان، أدى إلى نهاية ما تبقى من التنظيم، حيث استبقى قرار الجبهة المناوئة التي مازالت تتكتم على اختيار الخليفة وتختار الوقت المناسب للإعلان عنه، وهو ما أدى إلى مزيد من الإنقسام والتشظى وربما قلل من حلم البعض بإستمرار التنظيم على أجهزة التنفس الصناعي بعض الوقت.
كل جبهة من الجبهات الثلاث دخلت في حرب بيانات، وكل جبهة أنشئت مؤسسات تابعة لها ومعاونة لإدارتها، وكأنها لا ترى الجبهة الأخرى وبالتالي لا تعترف بها، فلكل جبهة قائمًا بأعمال المرشد ومجلس شورى معاون لها ومؤسسات أخرى، فضلًا على أن الجبهات المناوئة قامت بإنشاء مجلس شورى عالمي يخص كل منها، وهذا يدل على انهيار ما بقي من الجماعة.
عندما نما إلى علم جبهة اسطنبول أن جبهة لندن اختارت قائمًا بأعمال مرشد الإخوان ولكنها لم تعلن عنه وتركت ذلك لمجلس الشورى العام التابع لها، قامت جبهة اسطنبول بإستباق ذلك حتى تقطع الطريق عليها، كما أن محمود حسين قام بإرسال وفود تابعه له بعد وفاة “منير” مباشرة للم شمل التنظيم على أن يتولى هو منصب القائم بعمل المرشد، إلا أن طلبه رفض فإضطر لإعلان نفسه قائمًا بعمل المرشد.
وضع تنظيم الإخوان في حرج شديد، فالتنظيم سقط بإعلان “حسين” قائمًا بأعمال المرشد في مهاوي الردى، ولعله يُعاني من مقدمات الإنهيار الأخير، ولكن هذا يتعلق بإنهيار التنظيم فقط، ولعل مواجهة الفكرة ومحاولة تفكيكها تحتاج إلى جهود أخرى كبيرة، فلا يعني انهيار التنظيم انهيارًا للفكرة المؤسسة للتنظيم، وهذا ما يستلزم الاشتغال على برامج التفكيك الفكري والفقهي التي أصلّها مؤسسوا التنظيم على مدار مراحل النشأة.
لابد من دراسة حالة الإخوان بصورة جيدة والاستفادة من برامج المواجهة سواء التي نجحت في تفكيك التنظيم أو التي فشلت، واستخلاص النتائج التي تُساعد في استمرار المواجهة ومواجهة باقي تنظيمات الإسلام السياسي، فطريق المواجهة طويل ويحتاج إلى قراءة متأنية لتحولات هذه التنظيمات حتى تكون مجدية.
تعزيز الخلافات البينية داخل تنظيمات الإسلام السياسي وما أكثرها من أفضل صور المواجهة؛ فهذه التنظيمات هشة من داخلها وتملك عوامل انهيارها، فقط أنت تحتاج قراءة جيدة ودقيقة لهذه التنظيمات بناء عليها تحتار سهم المواجهة الذي يفضي إلى نهاية التنظيم، خاصة وأن هذه التنظيمات عندما تجد من يواجهها تتحد فيما بينها وربما تؤجل خلافاتها، وهنا يبدو الذكاء في المواجهة بحيث يقضي التنظيم على نفسه بنفسه.
التعامل مع التنظيم على أنه إنتهى فعليًا خطاءً كبيرًا، فمازالت الجماعة موجودة وإن كانت ضعيفة، ولكن وجودها يشي بخطرها، خاصة وأن التاريخ حكى لنا أنها نجحت في إعادة إنتاج نفسها، وهو ما يستلزم الاستمرار في برامج المواجهة المدروسة والقراءات التعريفية بخطر التنظيم.
كما أنه من الخطأ أيضًا التعامل مع التنظيم على أنه مازال قويًا، فهو في أضعف حالاته تنظيميًا، صحيح أن الوعي الذي أكتسبته الشعوب العربية حد كثيرًا من خطر التنظيم وبات عاصمًا أمام انتشاره ولكن هذا لا يجعلنا وضع التنظيم حيث بات ضعيفًا وهشًا وبلا تأثير.
لم يبقى من الإخوان إلا بعض مقولات مؤسسي التنظيم ومرشديه سواء حسن البنا وسيد قطب أو من تبعهم، هذه المقولات تحتاج إلى تفكيك بعد تسليط الضوء على خطئها وخطرها، فهذه المقولات بمثابة بالون الإشتعال الأخطر، ولا يمكن القضاء على الإخوان بدون تفكيك هذه المقولات.
ماذا بقي من الإخوان؟ هذا هو السؤال المهم في رحلة مواجهة التنظيم الطويلة، فالإجابة عليه يدفعنا لتعديل وتطوير خطط المواجهة بما يناسب تحولات التنظيم بحيث يكون أجدى في القضاء على جماعة الإخوان المسلمين والإنتهاء سريعًا من كابوسها الجاثم على صدر العالم.