ماذا لو انتصر هتلر؟
لا جدوى من طرح أسئلة افتراضية عن تاريخٍ مضى. هذا اعتقادُ شائع له مبرراته المنهجية. ومع ذلك تُفيد أسئلةُ من هذا النوع فى استخلاص دروس من التاريخ الذى يزخرُ بالعبر. ومن بينها سؤالُ مسكوتُ عنه بشأن الحرب العالمية الثانية: هل كان ممكنًا أن تختلف نتيجتُها وتخرج ألمانيا الهتلرية منها منتصرة؟
عندما نتأمل مسار الحرب منذ بدايتها فى سبتمبر 1939، نلاحظ أن ألمانيا ظلت منتصرةً، وتُحقق إنجازاتٍ عسكريةً كل يوم حتى دخول قواتها باريس، ثم استسلام فرنسا فى يونيو 1940. وكان الاتحاد السوفيتى, المُرتبط معها باتفاقية عدم اعتداء, يتوسع بدوره فى محيطه حيث سيطرت قواتُه على دول البلطيق الثلاث وأجزاء من رومانيا.
وكان الطريق مُمهدًا لتحويل اتفاقية عدم الاعتداء إلى معاهدة سلام، بل تحالف أيضًا. وعبرت موسكو ضمنًا عن استعدادها لذلك عندما أرسل رئيس الوزراء السوفيتى مولوتوف رسالة تهنئةٍ إلى القيادة الألمانية: (إن القيادة السوفيتية تبعث بأحر التهانى إلى ألمانيا.. إن الدبابات التى دخلت شمال فرنسا كانت معبأةً ببنزين سوفيتى.. والرصاص الذى قتل الجنود البريطانيين اعتمد على بارودٍ سوفيتى..). ولو أن هتلر كان أكثر عقلاً ورشدًا لمضى فى هذا الاتجاه وتحالف مع موسكو، وأعلن وقف الحرب عند ذلك الحد. حتى لو أصرت بريطانيا وقتها على مواصلة الحرب، فالأرجح أن تحالفًأ ألمانيًا – سوفيتيًا كان قادرًا على سحق قواتها.
غير أن غطرسة القوة التى تُعمى الأبصار والبصائر دفعته إلى تجاهل اليد السوفيتية الممدودة، وارتكب خطأه عندما قرر فى يونيو 1941 غزو الاتحاد السوفيتى حيث كان مقتله. فبعد أن حققت قواته تقدمًا فى البداية, نال الإرهاقُ منها وتأثرت بضعف خطوط الإمداد، وواجهت مقاومةً شرسة إلى أن هُزمت فى معركة كورسك التى حوَّلت مسار الحرب فانتهت بهزيمة ألمانيا وإخراجها من التاريخ, وتضييع فرصة بناء نظامٍ عالمى أقل سوءًا، والإثقال عليها بصُنع عقدة ذنبٍ مازالت تُذلِها.
والدرس، هنا، أن الغطرسة التى تدفع إلى الإصرار على تحقيق أهداف صعبة أو مستحيلة تقودُ إلى نهايةٍ مأساوية. وهذا هو ما تفعلُه القيادةُ الصهيونية الآن فى غزة.