ماذا وراء دعم النظام التركي للجماعات الانفصالية العرقية في إثيوبيا؟
أعلنت المخابرات الإثيوبية مؤخرًا عن إحباط عملية لتهريب شحنات من سلاح تركية إلى البلاد، لم تكن الأولى من نوعها ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، وفقا لمطالبات إثيوبيا السابقة لتركيا بمنع عمليات التهريب إليها. ووفق جهاز المخابرات كانت الآلاف من قطع السلاح التركية في طريقها إلى إثيوبيا “لإثارة الاضطرابات في البلاد”.
قال خبراء ومحللين سياسيين إن هدف النظام التركي من الدفع بعدم استقرار إثيوبيا، خصوصًا عبر دعم الجماعات الانفصالية العرقية فيه بالسلاح، هو استمرار التمدد في الصومال دون أن تزاحمها أديس أبابا، عبر شغلها بالاضطرابات التي تشهدها البلاد؛ حيث يرغب رئيس النظام التركي رجب أردوغان في التوغل بالقرن الأفريقي عبر بوابة الصومال، لتحقيق أهداف عسكرية واقتصادية بالقارة السمراء.
من جانبه، اعتبر محمد عز الدين، رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية والاستراتيجية، أن استهداف تركيا لإثيوبيا ليس أمراً مستغرباً على الرغم من عدم ظهور توتر علني بين الجانبين.
مشيراً إلى أن الدافع الرئيس وراء ذلك هو الهيمنة التركية على الصومال، الذي ظل لعقود بمثابة الحديقة الخلفية لإثيوبيا وبوابتها إلى الأسواق الدولية لكونه دولة غير ساحلية (حبيسة)، حيث تصطدم الطموحات الإثيوبية في الصومال بالوجود التركي المهيمن، خاصة بعد إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال عام 2017، ودخول تركيا في “حرب الموانئ” في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، حيث تدعم إثيوبيا حكومة إقليم أرض الصومال للحصول على تسهيلات في الموانئ، في حين أن تركيا معروفة بتحالفها مع الحكومة المركزية الصومالية في صراعها مع أرض الصومال (صوماليلاند) الإقليم المنفصل من جانب واحد دون اعتراف دولي منذ 1991.
وقال عز الدين، في تصريح خاص، إن التشابك القبلي والصراع السياسي والحدودي والعرقي بين إثيوبيا والصومال يدفع نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استغلال هذه التناقضات لتعزيز “تمدده” في تلك المنطقة الاستراتيجية، مشيراً إلى أن التحرك التركي يعتمد على عدة أدوات أبرزها دعم القومية الصومالية في إثيوبيا، أو إقليم الصومال الإثيوبي أو إقليم “أوغادين” ذي الأغلبية الصومالية، الذي احتلته إثيوبيا ثم أعلنت سيادتها عليه فور استقلال الصومال عام 1960، قبل أن تجتاح الحدود وتسيطر على مناطق أخرى خلال الحرب في الصومال بين عامي 2006 و2009.
وتسعى إثيوبيا إلى الحصول على حصة في ميناء جيبوتي، ثاني أكبر موانئ القرن الأفريقي، خاصة بعد زيارة آبي أحمد إلى جيبوتي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو الميناء الذي تصل من خلاله معظم تجارة إثيوبيا مع العالم، وهو نفسه ما تسعى تركيا إلى السيطرة عليه واحتكار إدارته، من خلال إحدى الشركات المقربة من رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، حيث كشف تقرير لموقع “نورديك مونيتور” الاستقصائي السويدي قبل أيام، عن سعي “مجموعة البيرق” التركية – المعروفة بعلاقات وثيقة مع حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، التي تدير ميناء مقديشو في الصومال – إلى تولي إدارة ميناء جيبوتي الاستراتيجي في مدخل البحر الأحمر بعد توقيع اتفاق التعاون البحري بين تركيا والصومال، الذي صادق عليه البرلمان التركي الشهر الماضي، وهو ما يتيح تحويل استغلاله إلى قاعدة بحرية عسكرية، توفر لأنقرة موطئ قدم جديدة على البحر الأحمر”.
وقال خالد محمد أيجيح، المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، إن أردوغان يعتبر سيطرته على الصومال بوابة للهيمنة الكاملة على القرن الأفريقي برمته ومنطقة البحر الأحمر، مؤكداً أن الهدف وراء ذلك تعزيز التوغل التركي في أفريقيا والوجود العسكري لممارسة “أطماع توسعية”، كشف عنها رئيس النظام التركي بالفعل وحددها وهي السيطرة على الموانئ والموارد النفطية ونشر الوجود العسكري التركي بإقامة قواعد عسكرية وبحرية في هذه المنطقة، فضلاً عن اللعب على التناقضات في منطقة القرن الأفريقي عبر دعم جماعات بعينها سواء من خلال السلاح أو عبر عمليات استخباراتية بغطاء المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وأضاف، “هذه الأطماع لم يعد يخفيها أردوغان، ووصلت إلى حد زعم أن الصومال منحه ترخيصاً بالتنقيب عن الغاز والبترول في السواحل الصومالية، وهي نفس سياسته في شرق المتوسط”، مؤكداً “أن السياسة التركية في ظل نظام العدالة والتنمية تستهدف ليس فقط الهيمنة على القرن الأفريقي، ولكن أيضاً مواصلة سياستها في استهداف ومحاولة تطويق الأمن القومي العربي من خاصرته الجنوبية”.
ويرى رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية والاستراتيجية محمد عز الدين، إن السياسة التركية تقوم على “عسكرة التفاعلات” في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، منذ إنشاء القاعدة العسكرية في الصومال حيث لم تتجاوز حجم العلاقات التجارية بين تركيا والصومال بضعة ملايين من الدولارات، ومع ذلك أنشأت أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وسعت لإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر في السودان خلال السنوات الأخيرة لحكم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير الذي حاولت في عهده السيطرة على جزيرة سواكن.
الأوبزرفر العربي