ما الذي ينتظره الفلسطينيون للمطالبة بحل الدولة الواحدة؟
سلام سرحان
محيّر أن ينشغل الفلسطينيون والدول العربية في التعبير عن غضبهم من صفقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ذهب أبعد من كل ما يحلم به اليمين الإسرائيلي المتطرف، دون أن يخطر في بالهم استخدام أخطر سلاح لتقويض تلك الصفقة الوقحة. ما الذي ينتظره الفلسطينيون بعد هذا التمادي كي يطالبوا بحل الدولة الواحدة بحقوق مواطنة متساوية في كامل أرض فلسطين التاريخية؟
ذلك الحل الذي سيثير جدلا في البداية، لكنه سوف يتمكّن في النهاية من إخماد جميع أسباب الصراع ويقتل يهودية الدولة إلى الأبد، ويحوّل الدولة الواحدة إلى نموذج عصري تمتد آثاره إلى كل المنطقة لتخمد جميع أسباب الصراعات والتطرف.
وسوف يؤدي أيضا إلى تحويل سكان إسرائيل من اليهود إلى أقليّة تذوب في المحيط الشاسع لمنطقة الشرق الأوسط، وتنتهي بذلك أكبر أسباب النزعات القومية والدينية حين تتلاشى ذخيرتها، لتحلّ محلها قواعد المواطنة في جميع دول المنطقة. سوف يقول البعض إن إسرائيل سترفض المطالبة بحل الدولة الواحدة!
نعم بكل تأكيد سوف يرفضها اليمين الإسرائيلي لكنها سوف توقظ الرأي العام العالمي على حقيقة استحالة قبول استمرار آخر نظام للتمييز العنصري. وسوف تتلقفها أغلبية واسعة في أنحاء العام لتقتل أيّ مقاومة لها.
علينا أن ندرك أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستعص ومستحيل، وأن حلّ الدولتين لا يمكن أن يضع نهاية له مهما كانت مساحة الأرض، التي يمكن أن يحصل عليها الفلسطينيون أو الإسرائيليون.
دعونا نفترض حلولا سحرية مثل فرض حلّ يحصل فيه الفلسطينيون على 90 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية. ونتساءل هل سيكتفي الفلسطينيون بذلك؟ وهل سيتوقفون عن المطالبة بالعشرة بالمئة المتبقية؟
في المقابل أيضا لن يكتفي الإسرائيليون حتى بالحصول على تلك النسبة التي قدّمها لهم ترامب بالفعل. ولن يكفّوا عن تضييق الخناق على الفلسطينيين المحاصرين في النسبة الضئيلة التي ستتبقّى لهم من أرض فلسطين التاريخية. في كلتا الحالتين لن تنتهي أسباب الصراع والتوتر، لا في أرض فلسطين التاريخية ولا في عموم منطقة الشرق الأوسط.
لذلك فإن حلّ الدولة الواحدة للشعبين، التي تسقط يهودية الدولة وكل أسباب التمييز العرقي في دولة مواطنة متساوية، هي الحل الوحيد الممكن، الذي سيفتح أبواب انسجامها مع الدول المجاورة.
في ذلك السيناريو لن يقاوم كثير من الإسرائيليين إغراءات السفر والاستثمار وعودة الكثير منهم إلى بلدانهم الأصلية في المنطقة، ليذوبوا في نهاية المطاف محيط الشرق الأوسط الكبير. بل وسيفتح أبواب عودة الكثير من رعايا الدول الغربية بعد انتهاء الصراع المقدّس الذي قدموا من أجله.
لم تفعل الإدارة الأميركية سوى إطلاق رصاصة الرحمة على حل الدولتين مستحيل التنفيذ!
وربما تكون قد فعلت خيرا بإطلاق تلك الرصاصة لكي يستيقظ الفلسطينيون ودول المنطقة على حقيقة استحالة تنفيذ حل الدولتين، الذي سيؤدي حتما إلى مشاكل أكبر من المشاكل الحالية.
كل الاحتجاجات والإدانات والرفض والشجب من دول المنطقة ودول العالم لن تنزع فتيل القنبلة التي فجّرها ترامب، والتي سوف يطويها الإهمال بعد أسابيع أو أشهر، مثلما حدث مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس. فالمنطقة لا تنقصها القضايا الساخنة التي يمكن أن تطوي تلك الصفعة، وسوف تنشغل بالزلازل المتوقعة لاختناق النظام الإيراني الوشيك ونهايته المتوقعة وكذلك مخاض خروج العراق ولبنان وسوريا واليمن من نفوذ طهران. بل من غير المستبعد أن تعود الإدارة الأميركية إلى إطلاق المزيد من الرصاص إلى جثة حل الدولتين.
هناك فرصة أن تؤدي صفقة ترامب إلى نتائج لم تكن في حساباتها ولا في حسابات اليمين الإسرائيلي، الذي احتفل بها كنصر كبير، حين ينقلب السحر على الساحر، ويخرج خيار الدولة الواحدة عن السيطرة، وهو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يقتل يهودية دولة إسرائيل ويفتح أبواب حل مستدام ونهائي.
لا أستبعد أن نقول في وقت ليس ببعيد إنه لولا تلك الصفقة، لما تمكّنا من رؤية ضوء في نهاية نفق الصراع العربي الإسرائيلي. أرجح أن ندرك بعد حين أن تلك الصفقة كانت أفضل ما حدث للقضية الفلسطينية من أجل إخراجها من رحلة الموت البطيء، التي لم تتمكن الحروب والمفاوضات والانتفاضات والاتفاقات من إيقافها.
وقد نكتشف بعد حين أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما كان ليصل إلى حل نهائي مستدام هو حل الدولة الواحدة لولا وقاحة ترامب.