مبادرة بايدن: هل هي «صفارة النهاية»؟
عندما ينشر هذا المقال، ستكون الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة على بعد أيام قليلة من دخول شهرها التاسع.
شهور ثمانية أمعن فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي وتفنن في ارتكاب كل ما حظرته كافة المعاهدات والاتفاقات والالتزامات الدولية، التي فرضها العالم على نفسه بعد انتهاء كل مآسي الحرب العالمية الثانية، التي كانت الأكبر في العصر الحديث للبشرية، في محاولة منه لتجنب إعادة ارتكابها فيما كان حينها قادماً من زمن في التاريخ العالمي.
شهور ثمانية تغيرت فيها كل معطيات ومسلمات الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وأصيبت إسرائيل بخسائر لم تلحق بها من قبل منذ قيامها، سواء على صعيد المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية ومحاكمه الدولية، أو سواء على صعيد علاقاتها التاريخية العميقة والحميمة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وعندما ينشر هذا المقال، تكون المبادرة التفصيلية المفاجئة التي أعلنها بنفسه الرئيس الأمريكي جو بايدن، للتوصل لاتفاق بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، قد انطلقت في طريقها المتوقع، بمراحلها الثلاثة التي تصل في النهاية إلى وقف نهائي وكامل لإطلاق النار، وانسحاب تام للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وعودة كل سكانها إلى مناطق سكنهم الأصلية بلا قيد أو شرط، والبدء في إعادة إعمار القطاع، والتبادل الكامل للمحتجزين الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة مع الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بمن فيهم عدد من المحكوم عليهم بالمؤبدات.
فما أتى في بنود هذه المبادرة يسير بصورة واضحة في اتجاه ما كان يطالب به دوماً المفاوض الفلسطيني، وهو ما يؤكد مدى اتساع الشقة بين واشنطن وتل أبيب، بعد كل ما ارتكبه جيش الأخيرة في غزة مما سبقت الإشارة إليه من “جرائم”، لم تستطع الإدارة الأمريكية تحملها تحت ضغوط العالم الخارجي والرأي العام الأمريكي الداخلي.
وقد أحسنت حركة حماس بإعلان ترحيبها السريع بالمبادرة، واستعدادها للتعامل إيجابياً معها، الأمر الذي سيؤثر على مسار المبادرة من جانبين على الأقل. الأول، هو التأكيد للإدارة الأمريكية أنها منفتحة على ما يصدر عنها من سياسات ومبادرات تحقق الأهداف الوطنية الفلسطينية، وأن دعمها التاريخي لإسرائيل لا يحول دون التعامل إيجابياً مع مثل هذه السياسات والمبادرات، ومن شأن هذا إذابة قدر من الجليد والارتياب المتراكمين بين حماس والإدارة الأمريكية.
ومن جانب ثان، فإن سرعة حماس في التفاعل الإيجابي سوف تضع حكومة بنيامين نتنياهو في مأزق حقيقي في حالة التأخر أو الرفض، ليس فقط مع الحليف الأمريكي الأكبر وإحراج رئيسه، لكن أيضاً مع “الأصدقاء” الأوروبيين الذين سارعوا بدورهم عبر منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بإعلان دعمهم للمبادرة.
وفوق هذا وذاك، فإن حماس بسرعة ردها هذه المرة تكون قد عوضت تأخرها الطويل غير المبرر عن الرد على المبادرة المصرية، إلى الحد الذي سمح لحكومة نتنياهو باستغلاله للبدء في اجتياحها لرفح في نفس اليوم.
إن التفاعل حول مبادرة الرئيس جو بايدن سيكون هو قاطرة جر كل التطورات والأحداث في المنطقة خلال كل الأيام القادمة، وسيكون الأمر شديد الصعوبة على الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف والديني في إسرائيل، لكن الأرجح أن “صفارة” النهاية قد انطلقت من البيت الأبيض، وأن حكومة هذا الائتلاف لن يكون أمامها خيارات كثيرة تجاهها، وخصوصاً في ظل الحصار السياسي والدبلوماسي الهائل وغير المسبوق الذي يواجهها من الخارج، والصراع الداخلي السياسي والمجتمعي غير المسبوق من الداخل الإسرائيلي.