مخاوف أمريكية من فوز لوبان بالرئاسة الفرنسية “يزعزع التحالف الغربي ضدّ موسكو”
نشرت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية تقريراً قالت فيه، إنَّ الإدارة الأمريكية متخوفة من أن يخطف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصاره الأكبر منذ الهجوم العسكري على أوكرانيا، ليس في ساحات المعارك وحسب، وإنما في باريس هذه المرة، وذلك مع احتدام السباق الانتخابي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومنافسته من أقصى اليمين مارين لوبان.
ونقلت الصحيفة، في تقرير الجمعة، عن ثلاثة من كبار المسؤولين في إدارة جو بايدن أنَّ “أي فوز محتمل للوبان، المعروفة بتعاطفها مع بوتين، قد يزعزع التحالف الغربي ضدَّ موسكو، منهياً دور فرنسا بوصفها قوة أوروبية رائدة، مع احتمالية إثارة مخاوف قادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشأن البقاء في الحلف”.
وعبر الأطلسي، يراقب كبار المسؤولين الأميركيين بحذر تحسباً لأي إشارات على تدخل روسي محتمل في الجولة الأولى من الانتخابات التي ستعقد الأحد المقبل.
حظوظ لوبان
وتشير الاستطلاعات إلى أنَّ ماكرون ولوبان سيتواجهان على الأرجح في الدورة الثانية من الانتخابات 24 أبريل الجاري، وأنَّ التنافس سينحصر بينهما في سباق محموم.
وارتفعت حظوظ لوبان، التي تخوض محاولتها الثالثة للفوز بالرئاسة، خلال الأسبوعين الأخيرين، وذلك مع تخفيفها من حدة خطابها المعهود، والتركيز بدلاً من ذلك على قضايا غلاء المعيشة، حيث يعاني الفرنسيون لتغطية نفقاتهم إثر ارتفاع بـ35% في أسعار الغاز على مدى العام الماضي.
معجبة بالرئيس الروسي
وعلى الرغم من أنَّ لوبان تقدم نفسها باعتبارها “شعبوية حميدة”، إلا أنَّ برنامج حملتها الانتخابية في ما يتعلَّق بقضايا الهجرة والإسلام لا يزال “متطرفاً”، وذلك في ظل خططها لحظر الحجاب في جميع الأماكن العامة، ومنع الأجانب من التمتُّع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطنون الفرنسيون، على حد تعبير الصحيفة الأميركية.
وبحسب الصحيفة، لا تبدي لوبان أي حرج في إعجابها ببوتين الذي سبق لها أنْ التقته في موسكو عام 2017. وفي ذلك العام الذي تزامن مع الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أعربت لوبان عن دعمها لغزو بوتين لشبه جزيرة القرم، ومعارضتها لعقوبات الاتحاد الأوروبي رداً على ضم القرم.
وعلى الرغم من نأيها بنفسها إلى حدٍ ما عن الرئيس الروسي منذ غزو أوكرانيا، إلا أنَّها تحدَّثت بتعاطف عن منطق بوتين لشن الحرب، ورفضت بعض إجراءات التحالف الغربي ضد روسيا، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة “بوليتيكو”.
وقبل أسبوعين فقط، قالت للتلفزيون الفرنسي إنَّ بوتين “يمكن أن يصبح حليفاً لفرنسا مرة أخرى” عندما تنتهي الحرب. وعندما سئلت عمَّا إذا كان ينبغي لفرنسا قطع واردات النفط والغاز من روسيا، أجابت: “هل نريد الموت؟ اقتصادياً، سنموت. يجب علينا أن نفكر في شعبنا”.
الأزمة الكبرى للاتحاد الأوروبي
واعتبرت “بوليتيكو” أنَّ انتصار لوبان، الذي لم يكن من الممكن تصوره في يوم من الأيام، من شأنه أن يمثل الأزمة الكبرى للاتحاد الأوروبي منذ خروج بريطانيا منه “بريكست”، مما قد يؤدي إلى بدء عملية الاحتضار والموت البطيء للتجمُّع.
كما أن فوزها سيؤدي على المدى القصير إلى زعزعة التحالف الموالي لأوكرانيا والذي يمتد من وارسو إلى واشنطن.
ويتمثل السيناريو الأسوأ، بحسب مسؤولي البيت الأبيض، في أن تفوز لوبان وتسحب فرنسا من هذا التحالف الذي يساند حالياً كييف ضد موسكو.
وسبق لحكومة ماكرون أنْ أبقت على خيط رفيع مع موسكو، في ظل محاولات الرئيس الفرنسي لعب دور الوسيط خلال الأيام التي سبقت الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكن منذ ذلك الحين دعمت فرنسا بصمت الأوكرانيين بالسلاح والمساعدات، رافضة الإفصاح عن تفاصيل هذه المساعدات وحجمها.
وتخشى واشنطن أن يؤدي وجود لوبان في الإليزيه إلى الإخلال بهذا التوازن الدقيق، كما تخشى أن يدفع فوزها القادة الأوروبيين الآخرين -الذين يتحفَّظ بعضهم بالفعل على الإجراءات القاسية ضد روسيا- إلى التخلي عن التحالف.
وقال المسؤولون الأميركيون إنَّ واشنطن “تراقب الانتخابات (الفرنسية) وتشارك المعلومات حول أي تدخل محتمل ينطلق من روسيا، عبر شبكات الإنترنت والحسابات المزيفة، على الرغم من أنَّ معظم جهود موسكو الإلكترونية في الوقت الحالي تركز على نشر الدعاية لدعم مجهودها الحربي في أوكرانيا”.
“تداعيات مخيفة”
ويعتقد بعض مساعدي بايدن أنه حتى إذا تمكَّن ماكرون بصعوبة من الفوز مجدداً، فإنَّ هذه التجربة قد تكون لها تداعياتها المخيفة على القادة الأوروبيين الآخرين الذين سينتابهم القلق حول مآلات مستقبلهم السياسي في مواجهة شعبويين أقل “ضرراً” من لوبان.
وهذا الخوف معرَّض للتفاقم إذا طال أمد الحرب واستمرَّت لأشهر، مؤدية بذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة في جميع أنحاء أوروبا، وهي قارة تعتمد على موسكو للحصول على الطاقة.
وقالت أدريان واتسون من مجلس الأمن القومي الأميركي: “ليس لدينا تعليق على السباق الرئاسي في دولة أخرى”، مضيفة أنَّ “فرنسا حليف وثيق للولايات المتحدة، ونواصل العمل معها في مجموعة واسعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
مغادرة حلف الناتو
واعتبر مدير مركز أوروبا في المجلس الأطلسي بنجامين حداد، أنَّ انتخاب لوبان “سيكون كارثة بالنسبة لأوروبا والجبهة عبر الأطلسي لدعم أوكرانيا، فهي تعارض العقوبات وتسليم الأسلحة، وقد انحازت دائماً إلى وجهة نظر الكرملين بشأن أوكرانيا أو الناتو”، على حد تعبيره.
وقال إنَّ برنامج لوبان “يتضمَّن مغادرة القيادة العسكرية لحلف الناتو، وسلسلة من إجراءات الحظر المناهضة للاتحاد الأوروبي، والتي قد ترقى بحكم الواقع إلى فريكسيت” قادم، على الرغم من أنها أزالت الخروج من الاتحاد الأوروبي من برنامجها هذه المرة “حتى لا تخيف الناخبين”، وفق تعبيره.
ولا يزال ماكرون متقدماً في استطلاعات الرأي حول الدورة الثانية، علماً أن فوزه كان يُعتبر محسوماً، قبل أسابيع من الدورة الأولى المقررة الأحد المقبل ويخوضها 12 مرشحاً.
وأظهر استطلاع للرأي أعدّه معهدا “أوبينيون واي” و”كيا بارتنرز” لحساب صحيفة “لي زيكو” الاقتصادية وإذاعة “راديو كلاسيك”، أن ماكرون سينال نسبة 26% من الأصوات في الدورة الأولى، مقابل 22% للوبان، و17% لمرشح أقصى اليسار جان لوك ميلانشون، و9% لمرشح اليمين الراديكالي إريك زمور، و9% لمرشحة حزب “الجمهوريين” اليميني فاليري بيكريس.
وأشار الاستطلاع إلى أن ماكرون سيفوز في الدورة الثانية بنسبة 54% من الأصوات في مواجهة لوبان، كما أفادت وكالة “رويترز”.