مخاوف من عودة واسعة للدواعش في أفغانستان
حركة طالبان الإرهابية تفرض "إتاوات" على المؤسسات التجارية في البلاد
أفادت مصادر صحافية، الأربعاء، إن حركة طالبان الإرهابية تفرض “إتاوات” على مؤسسات تجارية في أفغانستان، في وقت يثير انسحاب وشيك لقوات التحالف من البلاد، خصوصاً الأميركية، مخاوف من عودة مسلحي تنظيم “داعش”.
وأضافت المصادر، أن الأفغاني عبد الأحد وحيدي، أدرك كيفية التعامل مع “طالبان”، بعدما فجّرت العام الماضي خط أنابيب غاز يؤمّن تشغيل مصنع الأسمدة الوحيد في البلاد، إثر رفض مالكه الدفع للحركة.
ونقلت المصادر عن وحيدي أنه، وعمالاً آخرين في المصنع، يدفعون لـ”طالبان” الآن أكثر من 14% من أجورهم، أي نحو 5 أضعاف أكثر ما يدفعونه للحكومة كضرائب.
وقال وحيدي، الذي يرأس النقابة العمالية في مصنع الأسمدة شمال أفغانستان: “لا تستطيع الحكومة حماية خط الأنابيب، الأمر الذي أرغمنا على المساومة مع عدوّها. دفعُ جزء من عائداتنا لطالبان، أفضل بكثير من إغلاق المصنع”.
تقرير مجلس الأمن الدولي
واعتبرت “بلومبرغ” ذلك مجرد مثال واحد على “ترتيبات عدائية واسعة” فرضتها الحركة الإرهابية على الأعمال التجارية في أفغانستان، علماً أنها تسيطر، أو تنافس القوات الحكومية، على أكثر من نصف البلاد.
وأفاد تقرير أعدّه مجلس الأمن الدولي العام الماضي، بأن “طالبان” تجمع نحو 1.5 مليار دولار سنوياً من ممارسات مماثلة شبيهة بالمافيا، وتسيطر على تجارة المخدرات والتبرّعات من الخارج. ويساوي ذلك نحو 25٪ من الموازنة السنوية للحكومة.
وأشارت الوكالة إلى أن أساليب تحصيل الضرائب التي تتبعها الحركة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، تُعدّ أحد الأسباب التي جعلت الرئيس الأفغاني أشرف غني، وكثيرين من مواطنيه، يعارضون أي ترتيبات محتملة لتقاسم السلطة مع “طالبان”.
واستدركت أنه قد لا يكون أمام القادة المنتخبين في أفغانستان خيار سوى العمل مع الحركة، فيما يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن لسحب قواته المتبقية، وعددها 2500 جندي، بحلول 11 سبتمبر المقبل.
ونقلت المصادر عن أندرو واتكينز، وهو باحث بارز في “مجموعة الأزمات الدولية”، قوله: “إذا أرادوا (طالبان) حكم أفغانستان، إما عبر تقاسم السلطة وإما من خلال الاستيلاء عليها بالقوة، فعليهم التحلّي بمقدار كبير من التكيّف، وإلا سيواجه نظامهم المقدار ذاته من الفقر، وصعوبات كثيرة، كما حدث في تسعينات” القرن العشرين.
تعثر محادثات السلام
وأشارت المصادر الصحافية، إلى تعثر المحادثات بشأن خطة السلام، منذ إعلان بايدن موعد سحب القوات الأميركية، مع رفض “طالبان” المشاركة في قمة ترعاها الولايات المتحدة بإسطنبول، وكانت مقررة في 24 أبريل الجاري، لكنها أُرجئت إلى ما بعد شهر رمضان.
وتابعت أن “غني” ليس مرتاحاً لإجباره على إبرام اتفاق سلام مع الحركة، التي ترفض الاعتراف بسلطته في أفغانستان، وإن عقدت لقاءات منتظمة مع موفدين لحكومته في قطر.
واعتبر عمر صمد، وهو محلل بارز في معهد “أتلانتيك كاونسل”، كان سفيراً لأفغانستان لدى كندا وفرنسا، أن الضرائب التي تفرضها “طالبان الإرهابية” تُظهر أن التوصّل إلى تسوية سياسية في البلاد لا يزال بعيداً، حتى مع خطط بايدن لسحب القوات الأميركية.
وقال: “يجب أن تنتهي الحرب الأفغانية، في إطار عملية سياسية تجمع كل الفصائل الأساسية حول طاولة سلام، لإجراء نقاش والاتفاق على تسوية سياسية مستقبلية. بمجرد حصول ذلك، يمكننا ضمان نظام ضريبي موحّد وأُخضع لإصلاحات، يعالج الفساد وتحديات الازدواج الضريبي القائمة في البلاد”.
ووصف مجلس الأمن الدولي عمليات “طالبان” بأنها “مشروع إجرامي واسع، يتضمّن فرض ضرائب على كل البنية التحتية تقريباً، والمرافق، والزراعة، والصناعة الاجتماعية، في المناطق الواقعة تحت سيطرتها أو نفوذها”.
تراجع نفوذ الحكومة
ونقلت المصادر الصحافية عن سيفورا نيازي، وهي نائبة من إقليم بلخ الأفغاني، حيث مصنع الأسمدة الذي استهدفته الحركة، إن الأخيرة تفرض أيضاً ضرائب على رواتب المدرّسين، وتبتزّ أموالاً من سائقي سيارات على طرق سريعة في المحافظات الشمالية.
وأضافت: “ضرائب طالبان مسألة جدية”. واعتبرت أن مكاسب حققتها الحركة في ساحة المعركة، عزّزت الثقة بأن لديها اليد العليا في المحادثات مع الولايات المتحدة. وتابعت: “يعني ذلك أن نفوذ الحكومة يتراجع، فيما يبدو أن سيطرة طالبان تتسع على السكان المحليين”.
وكان الاتحاد السوفياتي شيّد مصنع الأسمدة الوحيد في أفغانستان، قرب عاصمة مقاطعة مزار الشريف، قبل نحو نصف قرن. وبعدما رفض مشغّله الدفع لـ”طالبان” العام الماضي، فجّرت الحركة جزءاً من خط أنابيب بطول 57 كيلومتراً، ينقل الغاز من مدينة شيبرغان المجاورة إلى المصنع.
ويحتاج مصنع الأسمدة إلى الغاز من خط الأنابيب، لمحطة الطاقة التي تبلغ طاقتها 14 ميغاواط، وتشغّل أجهزته القديمة. وأغلق المصنع طيلة أشهر، إلى أن خاضت حكومة غني معركة مع “طالبان” لإصلاحه، ممّا أسفر عن مقتل جنود أفغان. لكن مالكي المصنع ما زالوا يدفعون للحركة، وفق “بلومبرغ”.
ونقلت المصادر عن قيادي في “طالبان”، يُدعى غول حمدارد، تفاوض على شروط “الإتاوة” مع وحيدي، تأكيده تلقّي الحركة أموالاً من المصنع، قائلاً: “يمرّ خط الأنابيب عبر أراضينا، وعليهم أن يدفعوا في مقابل ذلك”.
واعتبر عامل في المصنع أن “الحقيقة المحزنة هي أننا نعمل حقاً لمصلحة طالبان، لا من أجل الحكومة”. وتابع: “نحن للأسف نموّل التمرّد الدموي” للحركة>
مساحة إضافية لعمل تنظيم داعش
وأفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن نجاحاً تحقق أخيراً في احتواء تنظيم “داعش”، يُعدّ أمراً محورياً في حسابات بايدن بشأن سحب القوات الأميركية المتبقية من أفغانستان بحلول الصيف. وأضافت أن الرئيس يرى إمكان التصدّي عن بُعد للتهديدات التي يواجهها الغرب، سواء من “داعش” أو فلول تنظيم “القاعدة”.
ونقلت الوكالة عن سيث جونز، نائب الرئيس الأول في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (مقرّه واشنطن)، قوله إن ثمة مخاوف من أن يكون “داعش” قادراً على “إيجاد مساحة إضافية للعمل”، في ظل فوضى محتملة بأفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.
وأشارت الوكالة إلى أن مسؤولاً دفاعياً أميركياً ذكر أن “طالبان”، التي تألف الكهوف الجبلية والمسارات الترابية في التضاريس النائية، تشكّل حليفاً مفيداً ضد “داعش”.
ولفتت إلى وجود مخاوف بشأن ظهور التنظيم مجدداً، خصوصاً إذا لم تتمكّن “طالبان” والحكومة الأفغانية من التوصّل إلى اتفاق لتقاسم السلطة. كما أن القتال المستمر بين الطرفين يؤدي إلى تآكل الروح المعنوية لقوات الأمن الأفغانية، التي تُمنى يومياً بخسائر فادحة وتعاني من فساد مستشرٍ.
ونقلت “أسوشيتد برس” عن مسؤول أمني أفغاني سابق، إن “داعش” يواصل تجنيد طلاب جامعيين متطرفين وعناصر ساخطين من “طالبان”.
وأشار إيفان كولمان، وهو مستشار في ملف الإرهاب، إلى أن وجود “داعش” في أفغانستان والمناطق المحيطة بها اعتُبر “ميتاً”، مستدركاً أن عمليات التنظيم “استؤنفت منذ ذلك الحين بشكل جدي”. وأضاف: “إنهم يمثلون تهديداً إرهابياً ضخماً، لكن تكتيكاتهم تبقى في عالم الاغتيال والتخريب. يبدو أنهم لن يكونوا في وضع قوي لاحتلال أراضٍ والسيطرة عليها”، أو تهديد الولايات المتحدة.