مدينتان .. مُخيمان
فى تاريخ النضال الفلسطينى ضد التحالف الصهيونى-الغربى قصصً بطولية ربما يشبهُ بعضها ما يُروى عنه فى الأساطير. وقصصُ الفصل الراهن فى هذا النضال كلُها بطولية. ليس مبالِغًا وصف صمود أهل غزة والمقاومة فيها بأنه أسطورى. ويبدو هذا الصمود فى شمال القطاع بصفةٍ خاصة متجاوزًا أقصى ما يمكن تصوره بشأن قدرة بشر على تحمل ما لا يُطيقُ غيرهم أقل منه. إصرار أكثر من مائتى ألف على البقاء فى محافظتى الشمال فى ظل دمار شامل لا توجد فى القواميس كلماتُ تعبر عنه. وانبعاث المقاومة فيهما بعد إعلان جيش الاحتلال القضاء عليها لا مثيل له إلا فى أسطورة طائر العنقاء الذى يُجدَّدُ نفسه.
فقد أعادت بناء قدراتها، وخاضت معركةً صعبةً طويلة بدأت فى اليوم 225 للعدوان فى جباليا المخيم والمدينة, وتصدت لعمليةٍ حاول جيش الاحتلال تنفيذها, ونقلت صحيفة هآرتس فى 15 مايو الماضى عن ضابطٍ كبير وصفه لها بأنها «عبثية». ولا مجال لاستغراب. تاريخ جباليا النضالى حافلُ. وفى مخيمها كانت شرارةُ انتفاضة الحجارة 1987 عندما دهس سائق شاحنةٍ صهيونى عمالًا فلسطينيين عند حاجز إيريز، فتحولت جنازةُ الضحايا إلى تظاهرات كبيرة انتشرت بسرعة فى أنحاء القطاع والضفة.
وتبدو مدينة جنين ومخيمها كما لو أنهما توءما نظيرتهما فى جباليا. مخيم جنين هو المركز الرئيسى للمقاومة فى الضفة الغربية، خاصةً منذ بداية العدوان على غزة. ومدينة جنين هى حاضنةُ هذه المقاومة. لا يُرهبها الاجتياح المتكرر لقوات الاحتلال. وليس هذا بجديد. تاريخ جنين النضالى يسبق الاحتلال الصهيونى لفلسطين. تصدى أهلُها لنابليون بونابرت عام 1799، وأحرقوا بساتينهم لوقف تقدم القوات الفرنسية الغازية. ومنها أيضًا انطلقت المقاومةُ المسلحة ضد الإنجليز والصهاينة للمرة الأولى عام 1935 بقيادة الشيخ عز الدين القسام. ولولا مقاومة أهلها البواسل لكانت الآن ضمن الأراضى التى أُقيم عليها الكيان الإسرائيلى 1948، إذ نجحوا فى طرد الغزاة منها قبل أن يستتب لهم الأمرُ فيها. ولهذا لم تكن مصادفةُ أن انتفاضة الحجارة فى الضفة انطلقت من جنين فور بدايتها فى جباليا. فتحيةُ لكل من جباليا وجنين مدينةً ومُخيمًا.