مذكرة أممية: عصابات نهب المساعدات في غزة تحظى برعاية الاحتلال

في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، نشطت عصابات نهب المساعدات الإنسانية تحت حماية الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي فاقم من معاناة السكان بشكل كبير وسط تفش للجوع ونقص كبير في الغذاء والأدوية.

ودخلت الأزمة مرحلة جديدة، بعد مصرع 20 شخصاً خلال اشتباكات على هامش وقائع نهب المساعدات، والتي قال تقرير لـ”واشنطن بوست”، إن عصابات مسلحة مسؤولة عنها، وأنها تجري تحت سمع وبصر جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وقال مسؤولو منظمات الإغاثة والعاملين في المجال الإنساني وشركات النقل، إن عمليات النهب باتت العقبة الأكبر أمام توزيع المساعدات في النصف الجنوبي من قطاع غزة، حيث يقيم الغالبية العظمى من الفلسطينيين النازحين.

ويشير عمال الإغاثة وشركات النقل إلى أن العصابات المسلحة تقوم بقتل وضرب واختطاف سائقي شاحنات المساعدات في المنطقة المحيطة بمعبر كرم أبو سالم، الذي يعد بوابة الدخول الرئيسية إلى جنوب القطاع.

العصابات تستفيد من رعاية الاحتلال

وخلصت مذكرة داخلية للأمم المتحدة، الشهر الماضي، إلى أن هذه العصابات تستفيد من رعاية سلبية، إن لم تكن نشطة، أو حماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وجاء في المذكرة أن أحد زعماء هذه العصابات أنشأ “مجمعاً يشبه القواعد العسكرية في منطقة مقيدة وخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال وتمر بها دوريات من قبله”.

وتقول منظمات الإغاثة إن إسرائيل رفضت معظم طلباتها لتحسين تدابير حماية قوافل المساعدات، بما في ذلك المناشدات بتوفير طرق أكثر أماناً، وفتح المعابر بشكل أكبر، والسماح للشرطة المدنية في غزة بحماية الشاحنات.

وسلطت صحيفة “واشنطن بوست” الضوء على حادث كبير وقع ليل السبت الماضي، بعد أن تعرضت 98 شاحنة من أصل 109 شاحنات كانت تحمل مساعدات غذائية من الأمم المتحدة من معبر كرم أبو سالم للنهب على يد مسلحين.

بدوره، قال رجل الأعمال الغزاوي أدهم شحيبر، الذي كان لديه ثماني شاحنات في القافلة، للصحيفة: “اللصوص أطلقوا النار على الشاحنات واحتجزوا أحد السائقين لعدة ساعات”، بينما قال بيان صادر عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن الهجوم “تسبب في إصابات للعاملين في مجال النقل وألحق أضراراً جسيمة في الشاحنات”.

نهب وجباية مبالغ إتاوة

كما كشف تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أتاح لعصابات في جنوب قطاع غزة نهب وجباية مبالغ إتاوة (خاوة) من شاحنات المساعدات التي تدخل إلى القطاع؛ كما أنه استهدف أفراد شرطة في غزة، كلّما حاولوا منع هذه العصابات من السيطرة على الشاحنات.

ونقلت الصحيفة، تأكيدا من مصادر في منظمات الإغاثة الدولية العاملة في غزة، أن “المسلحين المرتبطين بعشيرتين معروفتين في منطقة رفح، يقومون بعرقلة جزء كبير من الشاحنات التي تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، بطريقة ممنهجة، ومن خلال تحويل مسارهم بشكل متعمّد“.

وبحسب التقرير، فإن بعض منظمات الإغاثة ترفض دفع الإتاوة، و”في كثير من الحالات تظل المعدات في المستودعات التي يسيطر عليها الجيش“.

الاحتلال يهاجم الشرطة

وتؤكّد المنظمات الإنسانية، أن قوات من الشرطة في غزة، “حاولت في عدة حالات التحرك ضد اللصوص، لكنهم تعرضوا لهجوم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وتضيف أن “حل المشكلة بطريقة تسمح بوصول المساعدات إلى السكان، يتطلّب نشر قوة شرطة في القطاع؛ فلسطينية أو دولية”، وهي خطوة ترفضها قوات الاحتلال.

وأكد التقرير أن مشكلة العصابات المسلّحة، قد تفاقمت منذ سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح، الذي كان حتى ذلك الحين بمثابة المحور الرئيسي لدخول البضائع إلى القطاع، ومنذ توقف المعبر على الحدود بين غزة ومصر، تدخل معظم البضائع إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، وهي المنطقة المتاخمة التي سيطر عليها المسلّحون.

ووفق التقرير؛ فإن “حالات السرقة تضاعفت في الأسابيع الأخيرة، إلى حد أن قطاع غزة تم تحديده على الخرائط الصادرة عن الأمم المتحدة على أنه منطقة شديدة الخطورة، بسبب انهيار النظام المدني بشكل رئيسي“.

ولفت التقرير إلى أن “الشاحنات تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وتمرّ عبر منطقة سيطرة الجيش الإسرائيلي عند محور فيلادلفيا، ثم تتجه شمالا نحو رفح، حيث يهاجمها المسلحون“.

ونقل التقرير عن مسؤولين، قال إنهم مطلعون على عملية نقل المساعدات، أن “المسلحين يوقفون الشاحنات باستخدام حواجز مؤقتة، أو إطلاق النار على إطارات الشاحنة، ثم يطلبون من السائقين دفع رسوم مرور بقيمة 15 ألف شيكل“.

وأضاف أن “السائق الذي يرفض الطلب يكون في خطر باختطاف الشاحنة، أو الاستيلاء عليها، وسرقة محتوياتها”، تحت أعين قوات الاحتلال وعلى مسافة أمتار منهم.

جيش الاحتلال رفض التدخّل

وأفاد التقرير بأن بعض منظمات الإغاثة التي تعرّضت شاحناتها للهجوم، اتصلت بجيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن هذه القضية، لكن جيش الاحتلال رفض التدخّل؛ كما تؤكد المنظمات أن جيش الاحتلال يمنعهم أيضًا من السفر على طرق أخرى، تُعدّ أكثر أمنا.

ونقل التقرير عن مسؤول رفيع، في منظمة دولية تعمل في قطاع غزة، القول: “رأيت دبابة إسرائيلية وفلسطينيًا مسلّحًا ببندقية كلاشينكوف، يقف على بُعد مئة متر منه“.

وبحسب قوله فإن “المسلحين يضربون السائقين، ويأخذون كل الطعام إذا لم يُدفع لهم”. ولتجنّب ذلك، توافق بعض منظمات الإغاثة على دفع رسوم الابتزاز من خلال شركة فلسطينية تعمل كوسيط.

وبحسب المصادر التي نقل عنها التقرير، فإن مسؤولين في وحدة تنسيق عمليات حكومة الاحتلال الإسرائيلية، والمسؤولة عن المساعدات الإنسانية، “هم الذين نصحوهم بالعمل من خلال تلك الشركة”.

اللجان الشعبية والثورية في مواجهة العصابات

وقالت مصادر مقربة من حركة “حماس” لوكالة “رويترز”، الثلاثاء، إن الحركة وفصائل أخرى في غزة شكلوا قوة مسلحة تهدف لـ”منع نهب قوافل المساعدات” في القطاع المحاصر.

وقال مسؤول حكومي من “حماس” للوكالة، إن “القوة الجديدة التي تتألف من مقاتلين مدربين تدريباً جيداً من (حماس) وجماعات متحالفة معها تعرف باسم (اللجان الشعبية والثورية)، وهي مستعدة لإطلاق النار على اللصوص في حالة عدم استسلامهم”.

وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، أن “القوة تعمل في وسط وجنوب قطاع غزة”، لافتاً إلى أنها “نفذت ما لا يقل عن 15 مهمة حتى الآن”.

حملة تستهدف قطاع الطرق

وكانت وزارة الداخلية في غزة أعلنت، الاثنين، عن “بدء حملةً تستهدف مجموعات متخصصة في قطع الطرق وسرقة المساعدات الدولية في خانيونس جنوب قطاع غزة”.

وأوضحت الوزارة الذي تديرها “حماس”، أن “هذه الحملة ستمتد إلى باقي مناطق القطاع”، مشيرةً إلى “تزايد عمليات السطو وسرقة شاحنات المساعدات في الأسابيع الأخيرة”.

وذكرت داخلية حماس أن أكثر من “20 شخصاً من عصابات لصوص شاحنات المساعدات، سقطوا جرّاء تنفيذ الأجهزة الأمنية عمليةً بالتعاون مع لجان عشائرية”.

وأوضح بيان الداخلية، أنّ سقوط هؤلاء الأشخاص الـ20، هي “بداية عمل أمني موسع تم التخطيط له مطولاً وسيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات”.

وذكر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في أكتوبر الماضي حصلت عليه صحيفة “واشنطن بوست”، أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية “خسرت خلال فترة الصيف مساعدات إنسانية بقيمة 25.5 مليون دولار بسبب النهب”، لافتاً إلى “سرقة ما يقرب من نصف المساعدات الغذائية التي نقلها برنامج الأغذية العالمي على طول الطريق الجنوبي لغزة”.

وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارجريت هاريس: “أصبح من الصعب للغاية إدخال المساعدات، وذلك بعد سلسلة من حوادث النهب في مطلع الأسبوع”، بحسب ما نقلته “رويترز”.

تفشي الجوع والمعاناة

ويتسبب النقص الكبير في الغذاء والأدوية وسلع أخرى في تفشي الجوع والمعاناة بين المدنيين، وذلك بعد 13 شهراً من الحملة العسكرية المدمرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.

وعلقت إسرائيل واردات البضائع التجارية، الشهر الماضي، ولم تدخل غزة منذئذ سوى شاحنات المساعدات التي تحمل جزءاً ضئيلاً للغاية مما تقول جماعات الإغاثة إنه ضروري للقطاع الذي فقد فيه معظم الناس منازلهم وليس لديهم أي أموال تذكر، بحسب “رويترز”.

وأشار منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية مهند هادي، إلى أن غزة “باتت بلا قانون، إذ لا يوجد أمن في أي مكان”، مضيفاً أن “إسرائيل هي القوة المحتلة، ولذا فإن هذا الأمر يقع على عاتقها، ويجب عليها التأكد من حماية المنطقة وتأمينها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى