مسؤولون أوروبيون يتهمون واشنطن بالتربّح من وراء الحرب في أوكرانيا
شنّ مسؤولون رفيعو المستوى في الاتحاد الأوروبي، على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بسبب أسعار الغاز المرتفعة ومبيعات الأسلحة والنشاط التجاري، متهمين واشنطن بـ”التربح” من وراء ذلك، في وقت تهدد فيه العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا بتفكيك “الوحدة الغربية”.
ونقلت مجلة “بوليتيكو” الأميركية عن المسؤولين اتهاماتهم للأميركيين بأنهم “جمعوا ثروات طائلة من الحرب” في وقت تعاني فيه الدول الأوروبية، بعد 9 أشهر من الحرب.
وقال أحد المسؤولين للمجلة إن “الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تعد الدولة الأكثر تربحاً من هذه الحرب، لأنها تبيع كميات أكبر من الغاز بأسعار أعلى، فضلاً عن الأسلحة”.
وأضاف: “نحن حقاً في منعطف تاريخي”، معتبراً أن الضربة المزدوجة لاضطراب التجارة التي وجهتها برامج الدعم الأميركية ومخاطر ارتفاع أسعار الطاقة “توجه الرأي العام (الأوروبي) ضد كل من المجهود الحربي والتحالف العابر للأطلسي”، مشيراً إلى أن واشنطن بحاجة إلى أن تدرك أن “الرأي العام آخذ في التحول في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي”.
المناخ المسمم
تأتي هذه التصريحات، التي أيدها مسؤولون ودبلوماسيون ووزراء في أماكن أخرى، في أعقاب الغضب المتفاقم في أوروبا بسبب برامج دعم الصناعات الأميركية التي تهدد بتدمير الصناعة الأوروبية، إذ من المرجح أن يرحب الكرملين بما وصفته المجلة بـ “المناخ المسمم” بين الحلفاء الغربيين.
ودعا كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل واشنطن إلى “الرد” على المخاوف الأوروبية، قائلاً في مقابلة مع “بوليتيكو” إن “الأميركيين أصدقاؤنا لكنهم يأخذون قرارات تؤثر علينا على الصعيد الاقتصادي”.
وقال بوريل: “كانت الولايات المتحدة أكبر مزود بالمساعدات العسكرية لأوكرانيا، إذ أمدتها بما يزيد على 15.2 مليار دولار على شكل أسلحة ومعدات منذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب، فيما قدم الاتحاد حتى الآن معدات عسكرية بقيمة 8 مليارات يورو (نحو 8.3 مليار دولار)”.
ووفقاً للمجلة، فقد تمثل “برامج الدعم الخضراء والضرائب” التي أقرها بايدن “أكبر مصدر للقلق”، إذ تعتبرها بروكسل “انحرافاً بالمد التجاري بعيداً عن الاتحاد، وتهديداً بتدمير الصناعات الأوروبية”.
وعلى الرغم من الاعتراضات الرسمية من الجانب الأوروبي، إلا أن واشنطن لم تظهر حتى الآن أي مؤشر على التراجع.
التضخم والركود
وفي الوقت ذاته تدفع الاضطرابات الناجمة عن العملية العسكرية الروسية بالاقتصادات الأوروبية إلى هوة “الركود”، إذ ارتفعت نسب التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، كما يهدد التقليص المدمر لإمدادات الطاقة بانقطاع التيار الكهربائي وتقنين سياسات الترشيد خلال الشتاء.
وبينما تقلل اعتمادها على الطاقة الروسية، تتجه الدول الأوروبية إلى الغاز الأميركي، لكن الأسعار التي يدفعها الأوروبيون تصل إلى 4 أضعاف تكاليف الوقود في الولايات المتحدة، فضلاً عن الارتفاع المحتمل في الطلب على “المعدات العسكرية الأميركية” بعد العجز التسليحي في الجيوش الأوروبية لدعمها أوكرانيا بالأسلحة.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أسعار الغاز الأميركي المرتفعة بأنها “غير ودودة”، فيما دعا وزير الاقتصاد الألماني واشنطن إلى إبداء مزيد من “التضامن” والمساعدة في خفض تكاليف الطاقة.
وأعرب وزراء ودبلوماسيون من دول أخرى داخل الاتحاد عن “خيبة أملهم” بسبب الطريقة التي تتجاهل بها الإدارة الأميركية تأثير تداعيات سياساتها الاقتصادية الداخلية على الحلفاء الأوروبيين.
وعندما ناقش قادة الاتحاد الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن ارتفاع اسعار الغاز الأميركي، أثناء اجتماع قمة مجموعة الـ20 في إندونيسيا، الأسبوع الماضي، بدا بايدن “على غير دراية” بالأمر، وفقاً لما قاله المسؤول الرفيع لـ”بوليتيكو”.
واتفق مسؤولون ودبلوماسيون آخرون في الاتحاد على أن تجاهل الأميركيين لعواقب سياساتهم على أوروبا يمثل “مشكلة كبرى”.
وقال ديفيد كليمان، الخبير في مركز أبحاث “بروجيل”، إن “الأوروبيين يشعرون بخيبة أمل بالغة بشأن نقص المعلومات المهمة وعدم التشاور من جانب الأميركيين”.
قانون خفض التضخم
وفرض النزاع المتفاقم على قانون خفض التضخم الذي وقعه بايدن، وهو عبارة عن حزمة ضخمة لمعالجة أزمات الضرائب والمناخ والرعاية الصحية، مخاوفاً بشأن اندلاع حرب تجارية عابرة للأطلسي، القضية التي باتت تتصدر الأجندة السياسية الغربية مرة أخرى.
ومن المقرر أن يناقش وزراء تجارة دول الاتحاد الأوروبي استجابتهم، خلال اجتماع الجمعة، في وقت وضع فيه المسؤولون في بروكسل خططاً لحرب طارئة من الإعانات المالية لإنقاذ الصناعات الأوروبية من الانهيار.
ووصفت وزيرة التجارة الهولندية لسجي شرينيماخر قانون خفض التضخم، بأنه “مثير للقلق”، وحذرت من تأثيره المحتمل العميق على الاقتصاد الأوروبي.
وقال تونينو بيكولا، كبير المسؤولين في البرلمان الأوروبي عن العلاقات عبر الأطلسي، إن “الولايات المتحدة تتبع أجندة محلية”، ووصفها بأنها “وقائية وتمييزية ضد حلفاء الولايات المتحدة”.
من جانبه، شدد المسؤول الأميركي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، على أن السعر المقرر على المشترين الأوروبيين للغاز “يعكس قرارات السوق الخاصة، وليس ناتج عن سياسات أميركية”.
وأضاف أن “الشركات الأميركية تتسم بالشفافية، وكانت مزوداً يُعتمد عليه للغاز الطبيعي لأوروبا”، موضحاً أن “السعة التصديرية محدودة بسبب الحادث، الذي وقع في يونيو، وأدى إلى إغلاق منشأة رئيسية”.
ليست حجة جديدة
وأشار المسؤول إلى أنه “في معظم الأحوال فإن الفارق بين أسعار التصدير والاستيراد لم تذهب إلى الأميركيين من مصدري الغاز الطبيعي المسال، وإنما إلى الشركات التي تعيد بيع الغاز داخل الاتحاد الأوروبي”، ومن بينها شركة “توتال إنيرجيز” الفرنسية، أكبر مالك أوروبي لعقود الغاز الأميركية طويلة الأجل.
ووصفت “بوليتيكو” هذه الحجة بأنها “ليست جديدة” من قبل الجانب الأميركي، لكنها “لا تبدو مقنعة للأوروبيين”.
وقال المفوض الأوروبي للسوق الداخلية ثيري بريتون، في تصريحات تلفزيونية، الأربعاء، إن “الولايات المتحدة تبيع لنا الغاز بـ4 أضعاف سعره، عندما يعبر المحيط الأطلنطي”.
وأضاف: “بالطبع الأميركيون حلفاؤنا لكن عندما يكون هناك شيء ما خطأ فمن الضروري أن يخبر به الحلفاء بعضهم البعض”.
وسرعان ما أصبحت الطاقة الرخيصة ميزة تنافسية ضخمة للشركات الأميركية أيضاً، إذ تخطط الشركات لضخ استثمارات جديدة في الولايات المتحدة، أو حتى نقل شركاتها القائمة بعيداً عن أوروبا إلى مصانع أميركية.
القانون غير كل شيء
وعلى الرغم من الاختلافات بشأن الطاقة، إلا أن بروكسل لم تدخل في حالة من الذعر الكامل، إلا بعد إعلان واشنطن عن برنامج لدعم الصناعات الخضراء بقيمة 369 مليار دولار بموجب قانون خفض التضخم.
وقال أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي لـ “بوليتيكو” إن القانون “غيّر كل شيء”، متسائلاً: “هل لا تزال واشنطن حليف لنا، أم لا؟”.
وبالنسبة لبايدن، يمثل هذا التشريع “إنجازاً مناخياً تاريخياً”، إذ قال المسؤول الأميركي إن هذه اللعبة “ليست صفرية”، مؤكداً أن “قانون خفض التضخم سيزيد حجم الكعكة لاستثمارات الطاقة النظيفة، ولن يفسدها”.
لكن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة، إذ قال مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية إن “التشخيص واضح”، واصفاً الإعانات وبرامج الدعم الأميركية بأنها “تمييزية وستفسد المنافسة”.
على طريق العزلة
وأشار وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، هذا الأسبوع، إلى أبعد من ذلك، إذ اتهم الولايات المتحدة بأنها “تقتفي أثر الصين على طريق العزلة”، فيما حض بروكسل على تكرار هذه المقاربة.
وترسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بالفعل خارطة طريق لتسريع وتيرة بيع الأسلحة مع تزايد ضغوط الحلفاء، للاستجابة لطلب أوكرانيا المتزايد على الأسلحة والمعدات.
وقال دبلوماسي أوروبي آخر لـ “بوليتيكو” إن “الأموال، التي يجنيها الأميركيون من بيع الأسلحة، يمكن أن تساعدهم على تفهم أن تحقيق كل هذه المكاسب من بيع الغاز يمكن أن يكون مبالغاً فيه بعض الشيء”.
وأضاف أن الخصم على سعر الغاز “يمكن أن يساعدنا على توحيد الرأي العام في بلادنا، والتفاوض مع دول أخرى من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو) على إمدادات الغاز”.