مصر و”حماس” وفلسطين: معضلات تداعيات الحرب!!
محمد صلاح
طبيعي أن يشعر المصريون بالقلق تجاه تطورات الأوضاع في قطاع غزة، ليس فقط تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، ولكن أيضاً خشية أن تذهب التداعيات إلى نزوح أعداد كبيرة من الفلسطينيين تجاه الحدود، لتبدأ أزمة جديدة ومعضلة تضع الإدارة المصرية في مأزق الاختيار ما بين نجدة الفلسطينيين وتأسيس واقع جديد في سيناء يدخل مصر مجدداً طرفاً رئيسياً في مستقبل حل القضية الفلسطينية.
ورغم المخاوف تبقى ثقة الشعب المصري بقدرة الحكم على إدارة أزمة النزوح، إذا وقعت، وكذلك اليقين بأن الفلسطينيين أنفسهم ليسوا في حاجة إلى نزوح جديد كحل للقصف الإسرائيلي. عموماً، يبدو كأن الشعب المصري في انتظار مشهد لقاءات رئيس جهاز الاستخبارات المصري اللواء عباس كامل وفريق من مساعديه مع قادة “حماس”، وربما قادة فصائل فلسطينية أخرى في إطار الجهود المصرية لتخفيف وطأة الحرب على غزة. صحيح أن الأمر لن يكون مرحباً به إخوانياً، فمنع القاهرة من أن تعود إلى ثقلها وتأثيرها في تحقيق المصالح العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً واجب على كل إخوانجي، وهناك جهات وأشخاص صدموا من قبل بسماع أغنية “تسلم الأيادي” عبر مكبرات الصوت في غزة، بينما شوارعها جرت تغطيتها بملصقات وصور للسيسي في كل مرة تمكنت الإدارة المصرية فيها من وقف الهجمات الإسرائيلية أو تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية!!
مؤكد أن القاهرة ستسعى إلى نهاية للحرب، لكنها أيضاً وبدعم من باقي الدول العربية، تعود وبحماسة إلى ممارسة ما تعتبره واجباً يحقق الأمن القومي العربي، وهو دور ظلت تضطلع به على مدى عقود في التعاطي مع القضية الفلسطينية، حتى لو كان ذلك الدور يقتضي منها التعامل مع “حماس” التي تغيرت، أو هكذا يبدو حتى الآن.
المدهش أن أحداً من المؤيدين للرئيس المصري من الخبراء أو السياسيين أو حتى عامة الناس، سواء في مصر أم خارجها، لم يعد يهتم بالمزاعم والأكاذيب والفبركات التي يطلقها تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي لترسيخ قناعات بأن مصر تخلت عن القضية الفلسطينية، أو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيتخلى عن سيناء ويسلمها للفلسطينيين، ربما لأن بعضهم لم يفضل الخلط بين الهزل والجد، أو لحرمان الإخوان من الفوز بتوسيع دائرة الاهتمام بالتقارير المزعومة، أو لأنهم وجدوا دائماً عبر شبكة الإنترنت وفي مواقع كل القنوات الإخوانية نفسها ما يدحض الادعاءات الإخوانية، ويطيح كل المعلومات الواردة فيها، ويسخر من كل التحليلات السياسية التي يطلقها ضيوف البرامج التي يسيطر عليها الإخوان.
المسألة هنا لا تتعلق إذاً بتفنيد ما جاء في الحملة المنظمة التي يتبناها إعلام الإخوان على مدى اليومين الماضيين، بل بالبحث عن إجابة لأسئلة منطقية تتعلق بحجم الارتباك الذي يسيطر على الإخوان ويدفع بإعلام الجماعة إلى اختلاق قصص وروايات ومسرحيات وأفلام يسهل كشفها، ودحض المعلومات الواردة فيها أو إظهار حجم الأكاذيب التي جعلت بعض قنوات الجماعة تظهر أمام الناس وكأنها تحولت إلى قنوات للكوميديا. يكفي أن تعود إلى الوراء أياماً قليلة ستجد في إعلام الإخوان التلفزيوني والإلكتروني والصحف حملات تهاجم قيام السلطات المصرية بهدم الأنفاق التي تربط بين قطاع غزة وسيناء، وبكاء وعويل لإقدام نظام السيسي على حرمان أهالي غزة من الانتقال في يسر من الأراضي المصرية وإليها، فتسأل بنفسك إذاً لماذا سيسلم السيسي سيناء إلى الفلسطينيين بينما هو يهدم الأنفاق ويعكنن على أهل القطاع؟ وفي أماكن أخرى من صفحات الإخوان وقنواتهم ستجد مواد إعلامية تحوي شماتة مع كل عملية إرهابية تحدث في سيناء، وبقدر عدد الشهداء من ضباط وأفراد الجيش والشرطة المصرية يكون حجم “حفلة” الشماتة، فتسأل نفسك: إذا كان السيسي سيمنح سيناء لأهالي القطاع الذي تسيطر عليه “حماس” لماذا إذاً يضحي بضباطه وجنوده ولم يترك سيناء لـ”حماس” لتواجه الإرهابيين؟
عموماً تجب هنا الإشارة إلى الوثيقة التي أصدرتها حركة “حماس” عام 2018 والتي تباينت الآراء حول أسبابها والمغزى من إطلاقها في ذلك التوقيت، وربما رأت القاهرة وقتها أن ننتظر كيف ستدير “حماس” علاقاتها بالأطراف الفاعلة بالحركة وبالقضية الفلسطينية من جهة، وكيف ستؤثر الوثيقة في قدراتها الذاتية من جهة أخرى على أرض الواقع، باعتبار أن التاريخ أثبت أن الوثائق شيء والسياسات والواقع شيء آخر تماماً، ورغم أن موضوع فك الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، وإن لم يرد صراحة أو بوضوح وقطعاً في الوثيقة، فإن الخبرة المصرية رجحت أن الأمر يتعلق بطريقة تكوين “الكائن الإخواني” أكثر بكثير من مسألة الارتباط التنظيمي، أو كون الحركة أقرت من قبل أنها فرع من فروع “التنظيم الأم” في مصر الذي أصبحت له فروع أخرى كثيرة، فعلى مدى عقود اتخذت بعض فروع التنظيم مواقف مغايرة بل متناقضة تماماً مع موقف الجماعة “الأم”، لكن ظلت الصلات موجودة والروابط قائمة وتلبية الأوامر وتنفيذ التوجيهات نافذين في باقي القضايا، ولنا في مواقف بعض فروع الإخوان من الغزو العراقي للكويت ثم غزو العراق نفسه ومسألة التعاون مع إيران، والتحالف معها أحياناً، والعلاقات مع تنظيمات دموية راديكالية كـ”القاعدة” و”داعش” نماذج. دعك هنا من الذهاب إلى تفسير “الخلع” من جانب الحركة بتنظيم الإخوان بأن “حماس” سعت إلى تفادي تأثيرات الصورة الذهنية السلبية التي سادت العالم لفترة حول الإخوان، بعدما لجأت الجماعة إلى العنف في مصر، وسعت منذ إطاحة حكم محمد مرسي وثورة الشعب على الجماعة إلى الثأر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهدم الدولة المصرية على من فيها، والإساءات التي لا تكف الآلة الإعلامية الضخمة للإخوان عن توجيهها على مدار اليوم إلى فئات الشعب المصري التي تجهر بتأييد السيسي، أو تعلن رفضها عودة الإخوان بأي صورة إلى المشهد السياسي المصري، علماً بأن الواقع يشير إلى أن صورة “حماس” نفسها لدى الغرب خصوصاً ودول العالم عموماً أكثر سلبية من صورة الإخوان، والانطباعات عن الحركة لا يمكن تغييرها بوثيقة مهما كانت بنودها أو مفرداتها.
يحاول الإخوان الزج بمصر في أتون الصراع الحالي في قطاع غزة بكل الطرق، وسوّقوا سريعاً عبر منصات التنظيم مطالب بفتح المعابر، ربما لمحاولة إحياء المخطط الإخوانجي بتوطين الفلسطينيين في سيناء الذي كشف عنه الرئيس محمود عباس أبو مازن في أيار (مايو) 2018، عندما أعلن أنه أجهض مخططاً للرئيس الإخوانجي محمد مرسي بتوطين أعداد من الفلسطينيين في سيناء في إطار مشروع لدولة فلسطينية ذات حدود موقتة، وهو التصريح الذي اتسق مع تقارير لوسائل إعلام غربية كشفت عن عرض حمله وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري إلى الإخوان، وقت كانوا يحكمون مصر، يقضي بموافقة الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي على إلغاء الديون الخارجية لمصر مقابل توطين مواطني فلسطين في الشتات في سيناء، ومع افتراض أن تختار الإدارة المصرية تخفيف الأعباء عن الفلسطينيين بفتح المعابر لأعداد منهم و”استضافتهم” في سيناء، يحوّل الإخوان بوصلة الأكاذيب ليبدأوا حملة أخرى للترويج لمزاعم بأن السيسي يبيع سيناء ويتخلى عنها!