مصير الإخونجية في ضوء التحولات التركية تجاه مصر
الدعوات المتتالية التي وجهها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان ووزراء ومسؤولين في نظامه للتقارب مع مصر، أثارت تساؤلات عديدة حول مصير وموقف تنظيم الإخونجية لهذه الدعوات وعن حقيقة الموقف التركي نفسه.
تحليل أميركي للعلاقات الخارجية التركية كشف أن أنقرة أدركت أن عودة الإخونجية إلى السلطة انتهت وأن الجماعة أصبحت من الماضي، وبالتالي حان الوقت للتخلص من إرث هذه الجماعة التي تحالفت معها منذ الربيع العربي لأهداف أيديولوجية وإعادة العلاقات بمصر.
وبحسب تقرير تحليلي لوكالة VOA الأميركية، تعتبر مصر وتركيا حليفين تقليديين، لكن العلاقات كانت دخلت في حالة جمود عميق منذ سقوط الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في عام 2013، عندها سحب البلدان سفيريهما.
وأوضح التقرير أن دعم أنقرة للإخونجية خلال الربيع العربي كان محوريًا لأهداف أيديولوجية إلى حد كبير، لإبراز نفوذها في الشرق الأوسط من خلال تعزيز التضامن الإسلامي.
ويقيم في تركيا عدد كبير من عناصر التنظيم الإخونجي الفاريين من العدالة، يتراوح ما بين 5 إلى 7 آلاف عنصر بينهم نحو ثلاثة آلاف حصلوا على الجنسية التركية، ويتركز تواجدهم في مدينة إسطنبول، ومنها ثبت قنواتهم التلفزيونية.
وحسب المعلومات فإن أنقرة لم تقدم ورقة تسليم قيادات الجماعة الفارين المقيمين على أراضيها، ووقف منصاتهم الإعلامية وفضائياتهم كأولوية يمكن التفاوض عليها في الوقت الحالي مع الحكومة المصرية، بل مازالت حتى اللحظة تقدم تطمينات للجماعة بأنها لن تقوم بتسليم قادتها، حسب مصادر مقيمة في تركيا.
المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، هشام النجار، يقول إنه لا خوف على الإخونجية طالما ظل أردوغان في السلطة، ومهما فعل من تكتيكات ومناورات يبدو من ظاهرها التراجع لكنها في حقيقتها وجوهرها خطوة تكتيكية لتفادي أزمة معينة أو تحقيق مصلحة محددة.
وأضاف النجار، سيبقى مشروع أردوغان وهدفه العام لا يتم المساس به، فنحن هنا أمام استراتيجية ثابتة لدى أردوغان وتيار العثمانيين الجدد، بتوظيف أداة الإخونجية للوصول للهيمنة والسيطرة تحت عنوان الخلافة، مقابل تكتيكات متغيرة حسب الظروف والأحوال، والمتغير هنا الاضطرار للتعامل مع الانتخابات المقبلة، حيث يعاني أردوغان من الضعف الشديد أمام المعارضة.
وأشار إلى أن أردوغان يحاول تجاوز ذلك ببعض الترميمات خاصة في الملفات التي استخدمها معارضوه للهجوم عليه، ومنها ملف العلاقة مع مصر وكيف أنه تسبب في خسارة تركيا لمصر أكبر دولة عربية بسبب علاقته بالإخونجية، بجانب حاجته لضرب تحالف مصر المتوسطي مع اليونان وقبرص.
ويتفق معه الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، عمرو فاروق، يرى أن النظام السياسي التركي لن يتجه للتقارب المصري إلا بتوافق مع جماعة الإخونجية والتنظيم الدولي، فعلى العكس تماما فإن قيادت التنظيم ترغب في هذا التقارب لكونه سينهى الكثير من التضييقات المفروضة عليها من وجهة نظرها.
وأضاف فاروق، أن النظام التركي يتوافق فكريا وسياسيا مع توجهات التنظيم الدولي، ولن يسعى للتقارب أو التفاوض مع مؤسسات الدولة المصرية إلا إذا كان هناك تنسيقا مع قيادات الجماعة التي ترغب في إيجاد هامش أو مساحة تمنحها تخفيف الضغط على أتباعها في الداخل وإعادة تموضع التنظيم، إذ أن الجماعة تدرك أنها لن تتمكن من إحياء تواجدها إلا من خلال ما يعرف باستراتيجية “دار الأرقام”، وتعني انكفاء التنظيم على نفسه والتعايش مع أدبيات الجماعة ومنظريها لإعداد أجيال جديدة تتأثر بالمنهجية الفكرية للمشروع الإخونجي بعيدا عن الدخول في صراعات مع النظام السياسي.
وأشار إلى أن قرار التقارب التركي من الدولة المصرية، مدفوع بتحقيق مصالح خاصة للنظام السياسي الأردوغاني ولجماعة الإخوان كلاهما يرغب في إيجاد شرعية داخل المنطقة عربيا وإقليميا، ولعل خير دليل على ذلك الرسائل التي خرجت من قيادات الجماعة لاسيما الهاربة إلى تركيا وتثمن خطوة التقارب وتعتبرها تحقيقا للمصالح.
الباحث في الشأن التركي، صلاح لبيب يرى أن الموقف مازال مبكرا لاختبار نوايا أنقرة فيما يتعلق بمواقفها المتعلقة بدعم منظمات “التأسلم” السياسي، وفي كل الأحوال حكومة العدالة والتنمية معتادة على سياسة تلقى الصفعات مرحليا مقابل تحقيق مصالح مستقبلية.
وأضاف لبيب، أن الأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية في أي تقارب مع أنقرة مرتبطة بإدارة الصراع في شرق المتوسط، ثم الأزمة الليبية أما ملف تدخل النظام التركي في الداخل المصري عبر تنظيم الإخونجية فهو ملف أمني ستشرف عليه الأجهزة المعنية.
وقال حسين باجي، من معهد السياسة الخارجية وهو مركز أبحاث في أنقرة: “لقد كان من الخطأ دعم الإخونجية لكن الحكومة (التركية) تدرك الآن أن الإخونجية ليس لديهم أدنى فرصة للوصول إلى السلطة مرة أخرى، لذلك لا يمكننا الاستمرار في هذه السياسة”.
وأضاف باجي: “لكن كيفية الخروج من هذه السياسة الخاطئة علنًا هي مشكلة أردوغان.. فلا يمكن لتركيا أن تقول رسميًا إننا سوف نتخلى عن دعم تنظيم الإخونجية. أردوغان لن يقول ذلك رسميًا. لكن ربما ببطء سيتحرك من موقفه الرسمي المتمثل في مناهضة الرئيس المصري”.
وبحسب التقرير وكالة VOA، لقد دفع النظام التركي ثمناً باهظاً لتنفير مصر وفي خطوة أضعفت أنقرة، وقعت القاهرة العام الماضي اتفاقية مع اليونان المنافسة لتركيا لتطوير البحر الأبيض المتوسط. وأثارت اكتشافات الطاقة الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط سلسلة من النزاعات الإقليمية بين اليونان وتركيا.
وقال الأدميرال التركي المتقاعد جيم جوردنيز، وهو محلل إقليمي: “مصر تعمل ضد تركيا فقط بسبب سياسة تركيا الخاطئة القائمة على العقيدة، مثل دعم الإخوان المسلمين، وعندما تترك تركيا هذه السياسة أنا متأكد من أن العلاقات التركية المصرية ستكون أفضل”.
ولا تزال القاهرة تمتنع حتى الآن عن التعليق على مغازلة أنقرة وقال باجي: “في تركيا، هناك رأي عام بأن المصريين مستعدون دائمًا لما تقترحه تركيا. هذا ليس صحيحًا ولإكمال رقصة التانغو أنت بحاجة إلى اثنين، ومصر ليست مهتمة بهذا القدر. مصر تريد أن تظهر للجمهور أن تركيا قد أخطأت وتركيا مثل الرجل النبيل الذي يريد الرقص. لكن مصر ستدرك أن من مصلحتها اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا ودبلوماسيًا العمل مع تركيا”.