معركة جديدة بين الرئيس التونسي والإخونجي راشد الغنوشي
رفض الرئيس التونسي قيس سعيد، المصادقة على قانون المحكمة الدستورية، بعد أيام من تعديلات أجراها البرلمان على القانون.
وكان البرلمان التونسي ذو الأغلبية الإخونجية كان قد صادق في 25 مارس/آذار الماضي، على تعديل قانون المحكمة، حيث يشمل تخفيض الأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضائها من 145 إلى 131 نائبا، وغيرها.
وكي يدخل القانون المعدل حيز التنفيذ، يحتاج إلى مصادقة رئيس الجمهورية، وفي حال تعذر ذلك يتم العمل بنسخة القانون الأصلية قبل التعديل.
الأوساط السياسية التونسية ترجح على أن رفض الرئيس التونسي قيس سعيد لقانون المحكمة الدستورية المعدل هو تصدّ لإرساء محكمة تهدد نفوذه وربما يصل الأمر إلى حد عزله من منصبه.
معركة جديدة بين سعيد والغنوشي
إرساء المحكمة الدستورية في تونس إلى تحوّل عنوان معركة جديدة بين الرئيس قيس سعيد ورئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الإخونجية (الحزب الحاكم) راشد الغنوشي، في آخر فصل من فصول الصراع على الصلاحيات الذي اندلع بين الطرفين منذ الأشهر الأولى لتولي سعيد رئاسة البلاد.
وبرر الرئيس سعيد رفض القانون بدوافع دستورية، إلا أن شخصيات سياسية رجحت أن يكون الرفض مدفوعا بأسباب سياسية.
وقال الناشط والمحلل السياسي طارق الكحلاوي “من الواضح أن الرفض ليس نابعا من تأويل دستوري، بل هناك سياق سياسي باعتبار أن قانون المحكمة الدستورية جاء في إطار مغالبة بين الرئيس والبرلمان”.
محاولات لعزل الرئيس
وأضاف الكحلاوي: “سياق المغالبة يتمثل في أن إرساء المحكمة الدستورية الآن هو بمثابة عزل للرئيس سياسيا ويأتي في إطار استهدافه. هي مغامرة ومخاطرة، لأن سياق التوازنات الحالية لا يضمن لأي طرف السيطرة على المحكمة الدستورية”.
ولم يستبعد إمكانية تقدم الرئيس بمشروع تنقيح للقانون بتصوره الخاص، لكن من الصعب أن يحصل على موافقة البرلمان الذي تهيمن عليه حركة النهضة.
ولجأ البرلمان في الخامس والعشرين من مارس الماضي إلى إدخال تعديلات على قانون المحكمة، بعد فشله خلال ثماني مناسبات في استكمال انتخاب أعضائها، حيث انتخب عضوا واحدا من أصل أربعة، جراء خلافات سياسية.
تشكيل محكمة على مقاس النهضة
لكن هذه التعديلات التي اقترحتها حركة النهضة الإخونجية وتفضي إلى تخفيض عدد الأصوات اللازمة دستوريا لتمرير أعضاء المحكمة من 145 صوتا، أي ثلثي نواب البرلمان، إلى 109 أصوات اعتبرها البعض محاولة من النهضة لتشكيل محكمة على مقاسها ما يتيح لها في ما بعد استخدامها ضد خصومها وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية.
وتمتلك حركة النهضة الإخونجية الأغلبية داخل البرلمان (52 مقعدا) وتتحالف بشكل غير معلن مع حزب قلب تونس (38 مقعدا) وائتلاف الكرامة (21 نائبا).
وقال حاتم المليكي النائب المستقل بالبرلمان “رفض الرئيس كان منتظرا خصوصا بعد لقائه مع خبراء في القانون الدستوري ويعني بالضرورة احترام الآجال الدستورية في تركيز المحكمة”.
واعتبر المليكي أن “الحل الوحيد بالنسبة إلى الرئيس يتمثل في إجراء تعديل دستوري، والرسالة السياسية التي أرسلها هي أنه ليس بالإمكان خرق الدستور وأن المسألة لا تتم في إطار صفقة عبر عزله واستعمال المحكمة الدستورية من أطراف برلمانية”.
وبخصوص تخوّف الرئيس من تغوّل بعض الأحزاب السياسية (حركة النهضة خصوصا) عبر السيطرة على مفاصل المحكمة قال المليكي “هناك تصريحات من أحزاب الائتلاف الحاكم مفادها أنه سيقع عزل الرئيس من خلال المحكمة، وإذا كان تركيز المحكمة على هذا الأساس فهذا سيمس من مصداقية عملها”.
وأضاف “في تقديري الحل يجب أن يكون بالحوار لأن المعركة أصبحت جانبية، الحزام السياسي للحكومة يريد منع تغول الرئيس وانفراده بتأويل النص الدستوري”.
واستطرد “أعتقد أنه لا مناص من إجراء تعديلات دستورية لضمان مسار سياسي يسمح بتركيز المحكمة والتخفيف من حدة الصدام القائم”.
والمحكمة الدستورية هيئة قضائية وقع إقرارها بموجب دستور 2014، وتضم 12 عضوا، 4 ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم المجلس الأعلى للقضاء (مؤسسة دستورية مستقلة)، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية.
صلاحيات المحكمة
وتراقب المحكمة مشاريع تعديل الدستور والمعاهدات ومشاريع القوانين والقوانين والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ والنزاعات المتعلقة بها، ويمكن للمحكمة النظر في لائحة برلمانية لسحب الثقة من رئيس الجمهورية وإقرار فراغ منصبه، والنظر في النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
وقال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي “دستوريا يحق مطلقا لرئيس الدولة رد أي مشروع قانون للبرلمان، لكن سياسيا يعني ذلك رفض رئيس الجمهورية لاستكمال بناء الهيئات الدستورية وتحويل حالة الفراغ إلى أمر واقع يحاول تطويعه لفائدته في صراعه السياسي”.
وأضاف في تدوينة على فيسبوك “الأمل يبقى قائما في احترام الإجراءات الدستورية وحق الرئيس في إعادة مشروع القانون لقراءة ثانية والمصادقة عليه مجددا بالأغلبية المعززة (131 نائبا) والمرور سريعا إلى تركيز المحكمة الدستورية لتنهض بدورها الحيوي في البناء الديمقراطي التونسي”.
ورفض الرئيس قيس سعيد مساء السبت القانون المعدل لإرساء المحكمة الدستورية وأكد في بيان نشرته الرئاسة التونسية أن “لجوءه إلى حق الرد يكفله له الدستور بجملة من الحجج القانونية، أهمها تلك المتصلة بالآجال الدستورية التي نصت عليها الفقرة الخامسة من الفصل 148 من دستور سنة 2014، فضلا عن عناصر قانونية أخرى متصلة بما شهدته تونس منذ وضع الدستور إلى اليوم”.
وشدد “على ضرورة احترام كل أحكام الدستور فيما يتعلق بالآجال الدستورية لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية”.